أقلام حرة

الدور الإيراني بين الحقيقة والممارسة / توفيق عبد المجيد

وذلك بعودة خاطفة إلى الوراء قليلاً لنستعرض السياسة الإيرانية منذ الإطاحة بعرش الطاووس، مروراً بحرب الخليج الأولى ثم وقوفاً على مجريات الأحداث في هذا الوقت الدقيق وهذه المرحلة الخطرة الحساسة .

لا نستطيع أن نتستر على الدور الإيراني المكشوف لكل قارئ ومتابع للأحداث والتطورات، بل نسلط الضوء عليه لنظهر حقيقته لكل من يحاول التعامي عن هذا الدور، وتجميله بشتى المساحيق والأقنعة في محاولة منهم لصرف أنظار القارئ عن الحقيقة والواقع وإظهاره على أنه المنقذ والمحرر والمتصدي للآخرين الطامعين بالمنطقة وثرواتها وموقعها، لأن التاريخ لن يخذلنا بل سيدعمنا بالأدلة والإثباتات، بالشواهد والبراهين على حقيقة السياسة الإيرانية وإظهارها للعداء المكشوف أو المبطن تجاه المنطقة والجيران والخليج، وليس سراً أو تجنياً على الإيرانيين إذا قلنا أن دولتهم وهي وريثة إمبراطورية معروفة في وقت من الأوقات مازالت تحن إلى الماضي وتسعى لاستعادة الأمجاد ولكن ربما بأسلوب مختلف .

ففي غمرة احتفالاتها بالقضاء على الشاه ونظامه الاستبدادي الشمولي المقبور كان الرئيس الراحل ياسر عرفات أول من سارع لزيارة إيران ليبارك النظام الجديد بعد خطوته التاريخية في قطع العلاقات مع إسرائيل وفتح مكاتب للثورة الفلسطينية وإعلان الوقوف الصريح إلى جانب الشعب الفلسطيني بشكل خاص والوقوف إلى جانب العرب ودعم قضيتهم المركزية بالإضافة إلى دعم قضاياهم العادلة بشكل عام، وكان الرئيس عرفات يطمح إلى المزيد من المكاسب معتمداً على هذه التصريحات والمواقف الإيرانية المستجدة، لكنه أصيب بخيبة أمل فلم يستطع الحصول من القيادة الإيرانية على موقف صريح وواضح من احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث وتمسكها بفارسية الخليج، وهي ما تزال بعد وليدة وجنينية وبحاجة ماسة إلى دعم المحيط الإقليمي، والعربي / الإسلامي لتصبح حقيقة واقعة وقوة يحسب لها حساب سيما وهي وريثة إمبراطورية في فترة من فترات التاريخ، فكيف إذا ما توطدت هذه الثورة وتعمقت دعائمها في الأرض الإيرانية، وتجذرت مفاهيمها وأفكارها أكثر، هل ستعترف للغير بحقوقهم ؟ ومن سيكبح جماحها اللامحدود ؟

واستمرت إيران في سياساتها السابقة، واستمر تشبثها بالجزر الثلاث، كما استمر احتلالها لعربستان وكردستان وازدادت وتيرة اضطهادها للقوميات غير الفارسية، وحاولت - وماتزال – إحداث شرخ في الصف العربي والإسلامي ودعم منظمات تابعة لها بعيدة كل البعد عن الأرض الإيرانية وجغرافيتها كل ذلك بالعزف على أوتار القضية الفلسطينية، بذريعة تحرير فلسطين والقدس وإزالة دولة إسرائيل من الوجود، وهي لم تحصل بعد على توكيل من الدول العربية يخولها بهذه المهمة، رافضة كل الرفض حتى مجرد الحديث عن الأرض الإماراتية التي تحتلها .

لم تكتف السلطة الإيرانية بذلك فقد مددت أذرعها إلى المناطق المتوترة والساخنة في المنطقة  وكثفت من مناوراتها العسكرية في مياه الخليج ومضيق هرمز في محاولات لا تخلو من استعراض العضلات أمام أشقائها في الدين، والتحرش بالآخرين واستجرارهم إلى اشتباكات قد تتحول إلى حرب محدودة للتغطية على قمعها للمعارضة المتنامية، وتصريف الغضب المتنامي عليها في الداخل وصبه في أمكنة أخرى بعيدة، للتفرغ لاستكمال مشروعها النووي هاجسها في الليل والنهار، كما وزرعت الكثير من شبكات التجسس في المنطقة والتي اكتشف منها حتى الآن شبكتان إحداهما في الكويت والثانية في اليمن، كل ذلك في سباق محموم مع الزمن على امتلاك مختلف أنواع الأسلحة حتى النووية منها لفرض سيطرتها على المنطقة واحتلالها واستعمارها، وإطلاق التصريحات العدوانية تجاه دول الخليج، ورفضها واستهجانها لتصريحات وزير الخارجية الإماراتي الذي أطلق عليها صفة الاستعمار معتمداً على استمرارية احتلالها لأرض عربية واضطهادها شعوباً غير فارسية .

وبمقارنة بسيطة بينها وبين إسرائيل التي اشترت منها السلاح عندما كانت في حرب مع العراق أيام الخميني، نجد أنها تتشابه مع إسرائيل المحتلة المضطهدة وتختلف عنها بأن إسرائيل تقبل المفاوضات المباشرة وغير المباشرة مع العرب لكن إيران ترفضها رفضاً قاطعاً وتجعل الحوار حول موضوع الأرض العربية المحتلة من المحرمات، وتنكر كل الإنكار الحقوق المشروعة للشعوب غير الفارسة، ولا تزال مقصلة الإعدامات فيها تعمل عملها في أبناء الشعب الإيراني المعارضين لسياستها في الداخل والخارج والمطالبين بالحقوق المشروعة .

أما أخطر ما تقوم به إيران فهو محاولتها تصدير الثورة إلى خارج الحدود الإيرانية وتغذية النزعات الطائفية لإيجاد مرتكز لها وموطئ قدم وقاعدة تنطلق منها إشباعاً لنزعتها الاستعمارية .

بعد هذا السرد المتواضع من حقنا أن نسأل (في أية خانة نصنف إيران؟ خانة الأصدقاء أم الأعداء؟) إنه سؤال مشروع والإجابة عليه ليست في طيات الغيب .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1438 الجمعة 25/06/2010)

 

في المثقف اليوم