أقلام حرة

الكهرباء بين الشمال والجنوب / صالح الطائي

وفرض المصطلح نفسه على كل الحوارات والنقاشات الاقتصادية الدولية زمنا طويلا ثم تلاشى مع تقادم الأيام ولم يعد يستعمله أحد إلا نادرا، لكن الظاهر أن السياسيين العراقيين نتيجة تخلفهم العلمي وجدوا فيه ضالتهم  فأستخدموه على أرض الواقع للدلالة على  أنهم لا يجهلون علم الاقتصاد، وكانت مسألة الكهرباء أحد المجالات الواسعة لتطبيق العمل بهذا المصطلح وطبعا إضافة إلى عشرات المجالات الأخرى مثل الخدمات والعمران والسكن والصحة والأمن ... الخ

وإلا لو كانت أزمة الكهرباء في العراق أزمة عامة شاملة سببها تقادم عمر محطات توليد الطاقة وتعرضها للضربات الصاروخية والأعمال الإرهابية أكثر من مرة لكان الحال من بعضه كما يقول الأخوة المصريون ولكان الشمال كما هو الجنوب يعيش المأساة نفسها ويتعرض المواطن فيه لسحق أشعة الشمس الحارقة والحاجة إلى كأس ماء بارد يطفيء به ظمأه، ولكن أن يصرح الأستاذ ديار طاهر مدير عام كهرباء الشمال أن المواطن الكردي يتمتع بين ستة عشر إلى ثمانية عشر ساعة يوميا بالكهرباء بينما يحلم المواطن في الجنوب أن يتمتع ولو فقط بثمانية عشر ساعة من القطع غير المبرمج ويحصل ولو على أقل من  ست ساعات فقط من التيار الكهربائي المتذبذب الذي يعجز عن تشغيل الثلاجات والمبردات وباقي الأجهزة التي نسى كيف يستخدمها  لكانت حياة أهل الجنوب بخير.

وإلى هنا ممكن للمواطن الجنوبي المسكين أن يصبر نفسه بترديد أغنية كوكب الشرق "للصبر حدود" وينتظر الفرج حتى ولو عن طريق معجزة في زمن بات صنع المعجزات فيه متاحا لكل من هب ودب، لكن أن يصرح السيد ديار أن شمال العراق سوف يتجاوز ما يسمى بأزمة الكهرباء ويحصل الشقيق المواطن الكردي على أربعة وعشرين ساعة متواصلة من الكهرباء يوميا قبل نهاية العام الحالي فذلك يعني أن هناك بين المسئولين والسياسيين ومجالس محافظات الجنوب من  تحقق له أزمة الكهرباء منافع لا يعلمها إلا الله سبحانه ولذا لا تجد بينهم من يشغل نفسه بهم الكهرباء، ولماذا يشغل نفسه بأمر يحقق له المنفعة وهو أساسا لا يشعر بوطأته لأنه يتمتع إضافة لخط الكهرباء الوطنية بخط آخر أطلقوا عليه اسم خط الطواريء فضلا عن وجود أكثر من مولدة عملاقة تقبع أمام بيته لكي يتم تشغيلها إذا ما تعرضت الخطوط الناقلة إلى عمل تخريبي أو ما شابه؟

إن هذا الاختلاف الكبير بين الشمال والجنوب لم يأت لكي يثبت صحة المصطلح الاقتصادي بالتأكيد لأنه يعني فيما يعنيه أن قيادة الأكراد مخلصة لشعبها ويهمها أن تسعده في الأقل بأن توفر له الكهرباء كما هم بقية البشر في العالم ... ويعني أن قادة الجنوب يكرهون شعوبهم وغير مخلصين لها ويهمهم أن يؤذونها ويعذبونها بسادة مفرطة  لكي لا يعيشوا مثل باقي البشر.

فهل بعد هذا يحق لأي كان أن يعترض على المظاهرات الشعبية التي خرجت في هذا الجو الحارق للمطالبة بالكهرباء؟

 وعجيب كم هو صبرك كبير أيها الشعب العراقي؟ وكيف لا تخرج متظاهرا في كل يوم وعلى مدار الساعة مطالبا بحق حصولك على الماء النقي والكهرباء الدائم والعيش السعيد والسكن الملائم والحرية والإنعتاق والأمن والإخاء بعد أن أضناك طول انتظار الفرج ولم تلمس ولو تبدلا بسيطا في نمط حياتك النكدة بين الأمس الغابر واليوم الحاضر حتى فقدت الأمل بغد قادم؟

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1439 السبت 26/06/2010)

 

في المثقف اليوم