أقلام حرة

ثورة الكهرباء العراقية وأخواتها الأوروبيات / صائب خليل

وكذلك طبيعة المطالب والشعارات التي سارت في التظاهرات لم تكن كلها تدعو إلى الإطمئنان، وبدا أن في الأمر شيئاً آخر. السؤال المطروح اليوم في العراق إثر تظاهرات الكهرباء، هو: هل هي تظاهرات مسيسة أم شعبية؟ والحقيقة أن السؤال نفسه قد طرح في الماضي على ما سمي "الثورات الملونة" التي انتشرت في أوروبا الشرقية إثر تفكك الإتحاد السوفيتي، وامتدت لفترة النصف الأول من العقد الأول من هذا القرن.

ورغم أن تظاهرات الكهرباء ليست "ثورة" ومازالت مجرد تظاهرات، وربما خفتت حالياً، إلا أنها قد تعود فجأة ثانية، فالثورات الملونة كانت كلها قد مرت بنفس السيناريو، فبدأت من تظاهرات وتجمعات سلمية، حتى قلبت الحكم. كذلك فأن الثورات، إن جازت التسمية تتشابه مع تظاهرات الكهرباء في أنها تأتي إثر إنتخابات مشبوهة النتائج، وتكون للولايات المتحدة أيضاً في جميع الحالات مصالح فيها ولها مرشحوها المفضلون.

 

رغم ذلك، فأن إلقاء تبعية تلك الثورات على الولايات المتحدة وحدها، وإنكار الإرادة الشعبية والدور الشعبي فيها ليس موقفاً دقيقاً. والدارس لتلك الثورات يشعر بأن هناك عاملين واضحين فيها جميعاً: العامل الشعبي والعامل الأمريكي. وربما لا يختلف الأمر في تظاهرات الكهرباء العراقية، فالدوافع للطرفين الشعبي والأمريكي متوفرة، وعلامات كل منهما واضحة أيضاً. يجب أن اوضح أيضاً أن وجود دور أمريكي في التظاهرات لا يعفي الحكومة من مسؤوليتها، ولا يلغي الطابع الشعبي للتظاهرات بشكل تام. فأقل ما يقال هنا أن الحكومة بتقصيرها سمحت للجانب الأمريكي أن يستغل الوضع.

 

التساؤلات الشعبية واضحة وحقيقية وواقعية: هناك صيف ساخن، وهناك أزمة كهرباء تبدو ازلية. الحكومة أجابت بلسان رئيس الوزراء ووزير الكهرباء، وكانت أجوبتهما معقولة، خاصة في إشارة المالكي إلى تأثير الإرهاب على الشبكة الكهربائية، ودفاعه الذي اعتبره شجاعاً عن وزيره بدلاً من ركوب الموجة والقاء كل اللوم على الوزير، كما كان سيحدث حسب توقعي لو كان عادل عبد المهدي مثلاً هو رئيس الوزراء. وهذا يذكرني بقصة ملجأ الحنان للمعوقين ووقوف الوزير المختص إلى جانب الموظفين بوجه الهجوم الإعلامي الأمريكي الظالم عليهم.

الحقيقة أن حكومات عديدة تم إسقاطها (من قبل جهات تديرها أميركا) عن طريق خنق الخدمات، وكان هذا الإسلوب تحضيراً للإنقلابات كما حدث مثلاً في شيلي عام 73، وعلى أية حكومة عراقية أن تدرس هذا التاريخ بعناية.

لكن حتى إن صدقنا الحكومة وقلنا أنه الإرهاب، فرغم أني لا أستطيع أن أحكم على جهود الحكومة في موضوع الأمن، لكني أرى أنها مقصرة أيضاً، إن لم تكن متخلفة. فقصة فاحصات المتفجرات العجيبة مثيرة للغثيان، وحسب علمي مازالت الشرطة تستعمل هذه "العصي السحرية" العجيبة دون اكتراث لحقيقة افتضاحها! النقطة الأخرى الهامة هي الرفض المستمر للحكومة في إدراج قوات الإحتلال ضمن المتهمين بالإرهاب، من أجل اتخاذ إجراءات وقاية، رغم كثرة الدلائل ووفرتها. إذن فحتى لو كان "الإرهاب" هو السبب فالحكومة تتحمل مسؤوليتها في الأمر- ربما ليس وزير الكهرباء. إحدى النائبات (كميلة الموسوي) طالبت بالتحقيق والمساءلة، وأرى أنها فرصة للوزير أيضاً ليثبت أنه فعل كل ما يستطيع، إن كان قد فعل ذلك فعلاً، ولم يكن هناك فساد كما أكد المالكي.

 

من تساؤلات الناس الهامة هي أن الكهرباء لم تنقطع أثناء الإنتخابات، فكيف حدث ذلك؟ ويقال أنها لم تنقطع في البصرة أثناء زيارة الوزير لها. هذه أسئلة بحاجة إلى جواب من الحكومة.

من ناحية أخرى، الإعلام المصاحب للموضوع يثير الشك في وجود مؤامرة تستفيد من الموضوع. مثلاً التأكيد على أن الناس أنتخبت السياسيين ولم يحققوا لها شيء، تأكيد غير مفهوم. فإن كان الناس محتجين على الكهرباء بالذات فيجب أن يبقى الإحتجاج على الكهرباء وحدها. وإن كان الإحتجاج على الحكومة ككل، فالناس قد عبرت عن رأيها بالحكومة وانتخبت للتو، ولا يمكن للناس ان تحتج على من انتخبته تواً! الإحتجاج على المنتخب يمكن أن يتم بعد سنتين أو ثلاثة من الإنتخابات حين يجد الناس أن من انتخبوه، اخل بوعده. أما أن ينتظر الناس حتى ما بعد الإنتخابات التالية ليحتجوا فهو أمر عجيب، فخير أنواع الإحتجاج على حكومة ما، هو انتخاب حكومة أخرى. لذلك فالإحتجاجات الوحيدة المنطقية بعد الإنتخابات مباشرة هي الإحتجاجات ضد تزوير الإنتخابات، ولم تحدث مثل هذه الإحتجاجات من المعارضة، لأنها فازت بأغلبية الأصوات، وكانت المحتجة على أعادة الفرز لأنها هي المتهمة بتزوير الإنتخابات بالتعاون مع الإحتلال الذي يبدو أنه رشى المفوضية والأمم المتحدة.

 

وكيف تحتج الجماهير على نقص خدمات، ضد حكومة لم تتشكل بعد لكي يتم الإحتجاج عليها وعلى أدائها الخدمي؟ وحتى لو تم تشكيل الحكومة في نفس اللحظة فلم يكن هناك أي وقت لمشاريع الكهرباء أو غيرها فهذه لا تتم خلال أسابيع، كما أن من حق الحكومة أن تأخذ بعض الوقت لتشكل نفسها، حتى في الغرب، رغم ما في ذلك من إزعاج للناس. العجيب ان الناس تسكت راضية عن تأخر ظهور نتائج الإنتخابات التي تتأخر ثلاثين مرة بقدر تأخرها في العالم، وتحتج على زمن تشكيل  الحكومة، والذي لا يزيد عما في العالم! أما الإشارة إلى المليارت التي صرفت فهو موضوع للتحقيق وليس للهتاف، إلا بعد أن يثبت التحقيق شيئاً. فالجانب الحكومي يدعي أن ما يحتاجه للكهرباء أكثر بكثير مما تم صرفه. ومن ناحية أخرى فالوزير من التكنوقراط المستقل، أي من الجهة "السحرية" التي تنافس المداحون خاصة من خارج الحكومة بالإشادة بها (دون مبرر)، وليس من حزب المالكي. الإحتجاج أمر رائع، وتقدم إجتماعي عظيم، إنما هو أيضاً مثل بقية الأمور، ومهما كانت الظروف صعبة والمعاناة كبيرة والحاجة عاجلة، يجب أن يستند إلى منطق سليم في شعاراته ومطالباته وتوقيته، لكي يحقق فوائد ذلك التقدم.

 

في "كتابات" يكتب "صباح ضامي" بشكل تحريضي يتجاوز موضوع الكهرباء إلى مؤامرة لقلب نظام الحكم. فهو يقدم قائمة بالوصايا لتطوير التظاهرات إلى ثورة، ويقارن بصراحة مع الثورة البرتقالية في أوكرانيا، وتأخذ وصاياه منحى يشيء بأنه يأخذ دروسه من تلك الثورة، مثل عدم اللجوء إلى العنف ورص الصفوف وعدم رفع شعارات مفرقة، وبشكل خاص موضوع التعامل بلطف مع رجال الشرطة ومحاولة استمالتهم. وهي أمور ورد معظمها بشكل صريح في كتيب كانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية توزعه على المحتجين ونشر بشكل علني في الإنترنت. كذلك نلاحظ في مكان آخر خبر عن تظاهر "العشرات" في الرمادي وطالبوا بتأسيس مجلس للصحوة تكون مهمته «محاربة المفسدين في الحكومة». وهو ما يعني بدء مرحلة إحلال حكومة "الثورة" محل الحكومة التي يفترض أن تفرزها نتيجة الإنتخابات.

 

هي إذن محاولة لـ "ثورة ملونة". ولذلك من المفيد أن نراجع تاريخ تلك الثورات الملونة لنتعرف على علاماتها ونتائجها.

 

كتب دراكان بلاسفيك مقالة عن إسقاط ميلوسوفيج في صربيا  2000 و شفرنادزة في جورجيا 2003 و فيكتور يوشنكو في اوكرانيا 2004 ثم سقوط اسكار اكاييف في قرغيزيا، وأكد تواجد العاملين، الشعبي والأمريكي، في تلك الثورات، بخليط يختلف في نسبته من حالة إلى أخرى. 

 

الثورة الصربية عام 2000

قبل عام 2000 كادت المعارضة تسقط ميلوسوفيج مرتين، فأنزلت الدبابات في بلغراد عام 1991 ضد المتظاهرين، وخلال شتاء 1996 – 97 بعد رفضه التسليم بأن المعارضة ربحت الإنتخابات المحلية. بعد ذلك سعت أميركا لإسقاط ميلوسوفيج من خلال اتصالها بقيادات تلك المعارضة إضافة إلى الطلاب أثناء الحرب على صربيا عام 1999.

وخصص الكونغرس10 مليون دولار ثم 31 مليون دولار في العام التالي لدعم المعارضة. وتم إيصال المبالغ إلى القوى المؤيدة للغرب من خلال مؤسسات "خيرية" أمريكية مثل "الهبة القومية للديمقراطية" (NED) وشركائها (والتي فعلت الشيء نفسه فيما بعد في هنغاريا). ودربت الولايات المتحدة العديدين على الصراع اللاعنفي و400 مراقب انتخابات، والذين ألبو الشارع من خلال ما قالوا أنهم اكتشفوه من تزوير في الإنتخابات.

وتم تنظيم إضراب بدأ بـ 7000 من عمال المناجم، ثم انتشرت الإضرابات المطالبة بتنحي ميلوسوفيج وتلك المطالبة بتحسين الأجور، وحتى في السجون.

 

الثورة الوردية في جورجيا

يمر في جورجيا انبوب نفط بقيمة 3 بليون دولار، لإيصال نفط أذربيجان إلى أوروبا، متجنباً كل من إيران وروسيا، ليتجه مباشرة إلى تركيا. شفرنادزة وزير الخارجيةالسوفيتي السابق، كان قد أصبح "رجل أميركا في جورجيا"، داعماً الإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي واستقبل القوات الأمريكية على أرض بلاده وأرسل قوات لدعمها في كوسوفو والعراق، واصبحت جورجيا في عهده أكبر متلقي للمساعدات الأمريكية قياساً بنسبة السكان، بعد إسرائيل. لكن الحال تغير بسرعة حين وجد الأمريكان أن شفرنادزة كان يغازل الروس أحياناً، وبدأت شعبيته بالهبوط. وهكذا تم ترتيب الأمور مع ثلاثة من رفاق شفرنادزة لإسقاطه، مدعومين بسرب من المنظمات غير الحكومية المرتبطة بجهات تمويل أمريكية.

 

أوكرانيا البرتقالية

في اوكرانيا أدت سياسة الرئيس كوجما، الموازنة بين أميركا وروسيا إلى استقطاب داخلي. في الطرف الأول كان فيكتور يانوكوفيج الذي يقود الجانب الأقرب لأثرياء النفط المقربين من روسيا، والآخر فيكتور يوشنكو، الذي يقود الجانب النفطي الآخر المتحمس للغرب.

وضعت الولايات المتحدة 65 مليون دولار تحت تصرف يوشنكو خلال السنتين التين سبقتا الإنتخابات.

وفور إعلان فوز يانوكوفيج تم الإحتجاج على النتائج، ونزل المحتجون إلى الشوراع تدعمهم "مطابخ" متنقلة لتقديم الشوربة، كما وصل عدد كبير من الخيم وكانت تقدم كميات كبيرة من الصمون وأطنان من الطعام كل يوم للمعتصمين، بينما كانت الموسيقى تصدح لعشرة ساعات في اليوم  في الشوارع دعماً لهم.

 

قرغيزيا 2005

في الجنوب، أوش و جلال آباد، استولت المعارضة على المطارت ومراكز الشرطة والبنايات الحكومية مباشرة بعد إغلاق صناديق الإقتراع، وطالبوا بإستقالة أكاييف. وبعد أسبوع انتقلت التضاهرات إلى العاصمة بشكيك حيث وصل عدد المشاركين فيها إلى 50 الف، واقتحمت القصر الرئاسي لتطرد أكاييف، وتبع ذلك نهب للأموال العامة.

ويمكن القول أن الدافع الأساسي في ثورة قرغيزيا كان الجوع، لكن في النهاية تبين أن معظم القادة كانت لهم أرتباطات بالولايات المتحدة، والتي كانت قد مولت شبكات كاملة من أحزاب المعارضة من خلال مؤسسات أمريكية مثل "الوكالة الأمريكية للتطوير الدولي" (USAID) وبلغ عدد المنظمات التي أنشأت ودعمت من قبل الولايات المتحدة أكثر من 170 منظمة غير حكومية، كانت مكلفة بـ "نشر الديمقراطية" والترويج لها. وكان مساعد وزير الخارجية الامريكي لورين كرينر (أصبح فيما بعد من قادة منظمات "نشر الديمقراطية" الأمريكان) قد افتتح رسمياً دار طباعة قادر على طباعة 18 الف نسخة صحيفة في الساعة الواحدة، (وهو فوق ما تستطيعه الحكومة).

 

أخيراً يرى بلاسفيك أن أميركا التي صرفت مبالغ هائلة لإستغلال الثورة البنفسجية لصالحها واستغلال تزوير الإنتخابات للوصول إلى أهدافها، أاصبح لها في النهاية قدرات أكبر بكثير مما كان لها عام 1989 من خلال شبكات من المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام ودور النشر التي يمكنها أن تتصل مباشرة بالمعارضة في أية حكومة، وتقديم الدعم لها، بدلاً من الإضطرار في الماضي إلى الإكتفاء بالإتصالات السرية المحدودة. هذه البنية التحتية يمكنها أن تديم معارضة "ودودة لأميركا"، يمكنها في أية لحظة أن تبزغ لتقود ثورات مفاجئة، كما حدث في قرغيزيا.

إلا أن بلاسفيك ينبه إلى أنه في الجانب الآخر من العملة، فأن الأسلوب الأمريكي يحمل معه خطراً على نفسه. فالأمريكان بحاجة إلى القوة الجماهيرية لتنفيذ مخططاتها، وليس مضموناً أن تلك القوة لن تلجأ إلى الإنقلاب على الإرادة الأمريكية، لذلك فأن كل محاولة أمريكية من هذا النوع تحمل في طياتها فرصة لليسار لكي يستغلها في ثورة حقيقية. (1)

 

إيران - الثورة الخضراء

كما نعلم أنه تمت محاولة تكرارالتجربة في إيران، تحت اسم "الثورة الخضراء" دون نجاح. ويقول الكاتب بول كريغ روبرتس: تم الإدعاء بأن احمدي نجاد سرق الإنتخابات، أستناداً إلى حقيقة أن النتائج قد أعلنت بشكل سريع بعد إغلاق صناديق الإقتراع، وبشكل يصعب عد جميع الأصوات خلاله. لكن موسوي كان قد أعلن فوزه قبل عدة ساعات من إغلاق تلك الصناديق. هذه طريقة كلاسيكية لوكالة المخابرات الأمريكية (CIA) لإثارة عدم الإستقرار من خلال التشكيك في نتائج الإنتخابات، وهي تجبر المقابل على إعلان النتائج بشكل مبكر. فمن المفهوم أنه كلما مضى وقت أطول بين الإعلان الإستباقي وبين إعلان النتائج الرسمي، سيكون لدى موسوي وقت أطول لإعطاء الإنطباع بأن السلطات تستغل الوقت لتغيير نتائج الإنتخابات. إنه من المدهش ان الناس لا ترى هذه الخدعة بوضوح!

وبعد أن يشير كريغ إلى تفاصيل خطة أمريكية أمدها سنتين لزعزعة الحكومة الإيرانية ، يقول : "مما لا شك فيه أن الإحتجاجات الإيرانية كانت تحوي الكثير من المشاركين المخلصين لقضيتهم، لكن تلك الإحتجاجات كانت تحمل بصمات الإحتجاجات المنظمة من قبل الـ (CIA) في جورجيا وأوكرانيا. ويضيف : "أن المرء يحتاج إلى العمى التام لكي يفشل في رؤية ذلك،" ملاحظاً أن بعض المحافضين الجدد قد أشاروا إلى "أحاديث عن ثورة خضراء" قبل يوم من الإنتخابات. (2)

 

هناك بعض المؤشرات الجديرة بالملاحظة بالنسبة للعراق، منها أن هذه التظاهرات بدأت مثل الثورات الملونة في فترة ما بعد الإنتخابات. وصاحبها تغطية إعلامية قوية جداً للمعارضة وطمس لإعلام الجانب الحكومي، وأحياناً التآمر عليه.

يكتب أنتوني شاديد مراسل صحيفة النيويورك تايمز إن الآلاف من المواطنين اندفعوا يوم السبت خلال شوارع ثاني أكبر مدينة في العراق، محتجين بغضب عارم ضد استمرار أزمة نقص الخطير في الطاقة الكهربائية منذ سبع سنوات. (3)

ولأن معظم متابعتي للشأن العراقي تأتي من خلال الإنترنت، فأنني لاحظت أن الموقع الأساسي للدفاع عن مواقف الحكومة مغلق منذ أكثر من شهر، ومنذ احتدام صراع ما بعد الإنتخابات، بسبب مهاجمته المستمرة بالفايروسات. كذلك لم أجد بسهولة تغطية صحفية لما قاله رئيس الوزراء ووزير الكهرباء حين بحثت عنها في كوكل، لكن المقالات الناقدة كانت سيلاً جارفاً بالمقابل. ولم أجد مقالاً واحداً يتبنى وجهة نظر الحكومة في تفسيرها للأزمة، أو خبراً كتب بطريقة تمثل رأيها، أما العكس فكان ومايزال يجتاح الإعلام بشكل كامل.

 

وزير الكهرباء كريم وحيد يقول أن التسييس "أفقد وزاراته اي قدرة على شرح المشاكل التي تعتري عملها". وقد يكون هذا التصريح حجة من لا حجة له، لكنه قد يكون حقيقياً ايضاً. ولم يعجز الوزير عن شرح أسباب الأزمة وعزاها إلى تأخر انجاز بعض وحدات إنتاج الكهرباء لمحطات في كركوك والناصرية من قبل بعض الشركات ولأسباب فنية وأمنية، إضافة إلى تأخر وصول صهاريج الوقود المستورد من الكويت وإيران، وتوقف ثلاث خطوط تجهيز الكهرباء من إيران. (4)، لكن إيران قالت أنها لم تقطع الخطوط سوى بضعة ساعات، فهل أن بقية الحجج ضعيفة مثل هذه؟

أما عن الأموال فتقول الحكومة إن ما تم "تخصيصه لوزارة الكهرباء على مدى السنوات الأربع الماضية لا يتجاوز السبعة مليارات دولار، في حين تقدر احتياجات الوزارة بنحو بين أربعة الى خمسة مليارات دولار سنويا". كل هذه الإدعاءات بحاجة إلى تحقيق وهو ليس بالصعب مادام الحديث عن أشياء وأرقام محددة يمكن التحقق منها.

 

جريدة البصرة الالكترونية تكتب أن "مظاهرات البصرة تقطف اول ثمارها ...وزير الكهرباء يعلن استقالته من منصبه" وهو ما يبرهن أن الموقع لم يكن يهتم بالكهرباء كـ "ثمرة"، وأن الإنجاز يقاس لدى القائمين على الموقع بقدر إسقاطه الحكومة. ويكتب آخر "لقد ذهب الناخبون الى مراكز الاقتراع يوم 7 آذار الماضي بعد حملات من المرشحين كانت مليئة بوعود التوظيف، والكهرباء، والإسكان، وتوفير ماء أفضل للشرب. ولكن لا شيء من تلك التعهدات تحقق، لأن الحكومة أصلاً لم تتشكل، ولأن الحكومة التي يقودها المالكي منذ أربع سنوات أثبتت عجزها وفشلها عن توفير احتياجات المواطنين" . وفي مكان آخر: "وقد رفع بعض المتظاهرين لافتات تقول «نادمون على التصويت في الانتخابات

 وتقول لافتات أخرى إن كنتم عاجزين عن توفير الكهرباء لا تقودوا البلاد».

 

ويدرك الكاتب أن الحكومة التي يحتج عليها حكومة تنهي اعمالها في انتظار الحكومة الجديدة التي يعترف بأنها لم تبدأ بعد، فعلى من الإحتجاج؟ وضد من الرغبة في "التغيير"؟ المفروض أن هذا التغيير سيأتي من خلال الإنتخابات التي جرت، إن كان الشعب غاضب بأغلبيته. كذلك كيف تمكن المواطنون من "الندم" على التصويت بهذه السرعة، وقبل أن يمنحوا من صوتوا لهم الفرصة لكي "يوفروا الكهرباء ويقودوا البلاد" ؟ من الواضح أن المحرضين يرون أن الإنتخابات لن تأتي بالنتيجة التي يأملون بها، فقرروا أخذ زمام المبادرة على طريقة الثورات الملونة.

 

وفي هذه الأثناء تمت إثارة فضيحة جنسية حول المتحدث باسم السيد السيستاني، وهو ما يمكن تفسيره على أنه محاولة لمنع السيد السيستاني (أو تأثيره) من التدخل الذي قد يعرقل "الثورة"، وهو الذي أعتاد أن يلعب دوراً حاسماً في تهدئة الأمور. كذلك شن عمار الحكيم هجوماً لاذعاً على وزارة الكهرباء قبل أكثر من اسبوع مندداً بإنفاق 17 مليار دولار خلال أربعة سنوات (حسب وزير الكهرباء كانت 7 مليارات). (5)  وأهمية الملاحظة تأتي من أن الحكيم أما استبق الأحداث أو كان في مقدمتها، كما أن مواقفه الحادة المتطرفة الحماس والمفاجئة، للقائمة التي تدعمها الولايات المتحدة، تثير الريبة في أنه ربما كان واقع تحت الإبتزاز، وربما بطريقة لا تختلف كثيراً عن موضوع ممثل السيد السيستاني، لكن هذه احتمالات فقط.

كذلك شابهت التظاهرات الثورات الملونة في تعابيرها القصيرة السهلة الحفظ والترديد مثل "شرارة التغيير" ، "ثورة الكهرباء"، وسقوط نظام "الفترة المظلمة"، كما أن للتظاهرات تنظيماً واضحاً وقيادة مركزية وطموحاً للإنتشار على القطر كله.

 

في الوقت الذي يرى كوتبتين كيليتش بأن الثورات ليست مسيرة تماماً من جهات أجنبية، (6) يجد كاجندرا سينغ، وهو سفير سابق للهند في تركيا وأذربيجان والأردن والسنغال ورومانيا، ورأس مراكز بحثية، يجد في مقالة له كتبها قبل سنوات بأن القيادة الأمريكية هي ما كان يميز تلك الثورات. فيكتب عن إسقاط الفائز بالإنتخابات الأوكرانية من خلال التظاهرات أمام البرلمان، وكيف دعم وزير الخارجية الهولندي، ممثلاً عن الإتحاد الأوروبي، ذلك العمل حين قال أن الحل الأمثل هو إعادة الإنتخابات. ويشير إلى متابعة وسائل الإعلام الغربية مثل سي إن إن و بي بي سي، ومن خلال مصادر غير حيادية غالباً ، الأحداث "باهتمام غير معهود منذ سقوط تمثال صدام حسين في بغداد". وفي لندن أعلن الإندبندنت و التلغراف "الثورة" في أوكرانيا، ورحبت الواشنطن بوست في أميركا بـ "الشعب مقابل القوة" .

ويذكّر سينغ أن "التظاهرات ذات الـ 2 مليون نسمة التي سالت في شوارع لندن ضد الحرب على العراق" اهملت "لكن بضعة عشرات الآلاف في كييف يسمون بـ  "الشعب" وتسمى الشرطة الأوكرانية والمحاكم والمؤسسات الحكومية بـ "أدوات الإضطهاد". وكذلك أشار إلى إهمال الإعلام لتظاهرات باكستان ضد برويز مشرف حين أخل بوعده للمعارضة بالتخلي عن منصبه القوي كقائد للجيش في نهاية 2004" ليصل إلى أن الغرب كان يدعم دائماً "قيادات من عصابات المافيا الثرية التي قامت على أنقاض الأنظمة الشيوعية السابقة" والتي "نقلت مئات البلايين من الدولارات إلى البنوك والمؤسسات الغربية لتصبح "ديوناً" يتوجب على الجماهير التي لا تجد لقمتها في هذه البلدان، أن تدفعها."

 

يقول سينغ: "لقد أحتجوا على نتائج يانوكوفيتش الذي حصل على 49% لكن أحداً لم يتساءل عن نتيجة الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي التي وصلت 96.24% .... لقد لعب ريتشارد مايلز، السفير الأمريكي في بلغراد دوراً أساسياً في الحملة التي أزاحت ميلوسوفيتش، ... وكرر السفير الأمريكي في تبليسي نفس الطريقة بنجاح ... في إسقاط شفرنادزة. لكن السفير الأمريكي المتمرس في مثل هذه الأعمال، فشل في روسيا البيضاء وقال رئيسها حينها: "لن يكون هناك كوستانيكا في روسيا البيضاء" مشيراً إلى نجاح الولايات المتحدة في بلغراد قبل عشرة أشهر من ذلك التاريخ."

 

ويشير الكاتب إلى أن الولايات المتحدة طورت وسائلها. ففي مركز بلغراد يوجد "مركز المقاومة اللاعنفية" الممتلئ بالشباب المشتغلين على الحاسبات، وجاهز لتأجير خدماته ولتنفيذ عمليات لمقارعة حتى الأنظمة التي تسيطر على وسائل الإعلام العامة، والقضاة، والمحاكم، وأجهزة الأمن، ومراكز التصويت.

وينبه الكاتب إلى استعمال "الثورة" لعبارات إعلامية مدروسة بشكل دقيق تتكون من كلمة أو كلمتين ليسهل حفظها وترديدها، فقد كانت الحركة المضادة لميلوسوفيتش تسمى "أوبتور"، وفي جورجيا كانت حركة الطلاب تسمى "خامرا" وفي روسيا البيضاء "زوبر" وفي أوكرانيا " بورا". وكان شعار أوبتور من كلمتين: "كوتوف جي" أي "لقد أنتهى"، في إشارة إلى ميلوسوفيتش.

 

وكان ساكاشفيلي قد سافر من تبليسي إلى بلغراد لتلقي التدريب على "إثارة الجماهير" و نظمت السفارة الامريكية في روسيا البيضاء إرسال مجاميع القادة الشباب إلى البلطيق حيث التقوا بمعلمين صرب طاروا للقائهم من بلغراد. واستخدم الأمريكان هنغاريا المجاورة لإسقاط ميلوسوفيتش لصعوبة العمل داخل بلغراد نفسها.

ويشير الكاتب بعد ذلك إلى دور مؤسسات أمريكية تابعة للحزبين الأمريكيين مثل (NDI) و(USAID) و غيرها من المنظمات الخاصة بنشر الديمقراطية من منظمات غير حكومية (NGO) متخصصة بـ "نشر الديمقراطية" في العالم.

 

ويذكر الكاتب بأن أسلوب "إستطلاعات الخروج الإنتخابية" الخاصة المسماة (EXIT POLLS) والتي تقوم بإحصاء خيارات نماذج من الناخبين بعد إدلائهم بأصواتهم مباشرة، لتعلنها قبل إعلان نتائج الإنتخابات، تعطي بشكل عام تفوقاً لصالح المرشح الذي تختاره، لتثير الإشكالات فيما بعد إن جاءت النتائج عكس ذلك، فأعطت المرشح يوشنكو في أوكرانيا 11 نقطة متفوقاً على غريمه. ويقول الكاتب:

"إستطلاعات الخروج الإنتخابية" مهمة لأنها تأخذ المبادرة في حرب الإعلام (البروباغاندا) ضد الحكم القائم، فتكون سباقة لإعطاء النتائج وتحصل على أهتمام وسائل الإعلام، وتضع الكرة في ملعب المقابل لكي يرد. وعندما يعلن النظام فوزه، يكون رد المجموعات هادئاً سلمياً مصحوباً بتنظيم اعتصامات واسعة، تبقى مسالمة، لكن يمكن أن تحاول استثارة العنف من الشرطة. (7)

ويتفق كريغ سميث مع سينغ بقيادة الولايات المتحدة لتلك الثورات فيكتب: "ارسلت السفارة الأمريكية مولدات الكهرباء إلى "بيت الحرية" (للطباعة الخاصة بالمعارضة) في اليوم التالي لإنقطاع التيار الكهربائي، مما مكنها من طبع 200 الف نسخة من العدد الخاص من صحيفة المعارضة ، ثم أعيد التيار الكهربائي في 8 آذار، وأصبحت صحيفة السيد كيم أحد أهم مصادر الأخبار لتحريك المعارضة. وقامت الصحيفة بإبلاغ الناس في الشمال بأخبار الإضطرابات في الجنوب، ولعبت دوراً هاماً في نشر بيانات أين ومتى يجب على المحتجين أن يتجمعوا.

قال أحد المسؤولين الغربيين: "الأرض كانت خصبة هنا، وقام المجتمع الغربي بزراعة بعض البذور" (8)

ويكتب جويان زانغ أن "الولايات المتحدة هيأت الطريق لثورة قرغيزيا". (9)

ويحذر دينيس ساموت من أثر تلك الثورات، فيقول: "لقد جزأت الثورة البرتقالية المجتمع الأوكراني بشكل عميق وقسمته عند الخطوط الأخطر: خطوط الشرق والغرب التقليدية، مستندة على فروق في اللغة والدين والتي كان السبب فيها تعاقب الإحتلالات في القرون الماضية" (10)

 

لقد كانت مطالب التظاهرات الملونة تستند إلى مطالب شعبية محقة في معظمها، لكنها صبت في النهاية في غير النهر الذي أراده من قام بها، ففشلت جميعاً بلا استثناء، فعادت اوكرانيا في الإنتخابات التالية نادمة إلى يانوكوفيتش وأما جورجيا ففقدت أجزاء من أراضيها نتيجة تهور الحكومة المطيعة لإسرائيل، وكذلك الأمر مع صربيا، وأما في قرغيزيا فتسكب دماء الجماهير التي ثارت بالأمس ، وهي تحاول استعادة السلطة الآن من الحكومة الملونة التي ثارت من أجلها.

 

وكما قلت في البدء، فأن أخبار التظاهرات الشعبية أخبار سارة بحد ذاتها، ومطالب المتظاهرين رائعة وأكثر من مشروعة، إنما يجب الإنتباه إلى المجرى الذي يريد الإحتلال والقائمة التي يفضلها الإحتلال، أن تصب تلك التظاهرات فيه في نهاية الأمر. وفي تقديري أن الأمر كله يتعلق بإرادته لإيصال حكومة تلغي تنفيذ البنود الخاصة التي تم إجباره على توقيعها بعد تعديلها بسحب القوات، والتي وقعها في ذلك الحين متوقعاً أنه سيتمكن من فرض الحكومة التي ستطلب إلغاءها، أو أن يفرض إلغاءها على أرض الواقع من خلال الإرهاب الذي سيقوم به، والإضطرابات التي سيثيرها. 

 

(1)  http://www.informationclearinghouse.info/article20532.htm

(2) http://www.informationclearinghouse.info/article22875.htm

(3) http://youssef19.yoo7.com/montada-f1/topic-t29202.htm

(4)   http://www.basraelc.com/news.php?action=view&id=1081

(5) http://www.yairaq.net/news.php?action=show&id=506

(6) http://www.allacademic.com

/meta/p_mla_apa_research_citation/3/9/6/1/0/p396100_index.html

(7)  http://www.worldpress

.org/print_article.cfm?article_id=2107&dont=yes

(8) http://www.nytimes.com

/2005/03/30/international/asia/30kyrgyzstan.html?pagewanted=print&position=

(9)  http://mrzine.monthlyreview.org/2010/zf230110.html

(10) http://www.rferl.org

/content/Commentary_Ukraines_Election_Was_A_

Victory_For_The_Colored_Revolutions/1955523.html

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1440 الاحد 27/06/2010)

 

 

في المثقف اليوم