أقلام حرة

صورة مدمن في شبابه .. عن الاثر الضار للكوكائين

من يده إلى غرفة للنوم، ثم كان هناك إثنان، فيما بعد صديق، ثم شخص آخر لا يعرفه. في كل مرة شخص مختلف. وكانت القصة في كل مرة تترك لديه إحساسا أقل إرباكا، أقل غرابة، وتميل لتكون طبيعية، وربما براقة. ولكن ليس هذا ما حدث.

و الواقع أن أحد رجال القانون من مسقط رأسه، لنطلق عليه اسم فيتز، وهو سمكة كبيرة في بركة صغيرة هي تلك المدينة، وله بيت واسع، وقديم، وهو في عيون من يهتم بتلك الأمور، لديه مكانة. ويعتبر شخصيا مع زوجته من الوجوه ذات النشاط الاجتماعي. وكانا من أعضاء النادي المحلي، ولديهما سيارة فولفو قديمة مع مرسيديس، ويحملان معهما في كل الأمكنة حقائب صغيرة خضراء. الجميع يعرف فيتز.

و في بواكير إحدى الأمسيات التقى بفيتز. وكان ذلك قرب وسيط أدبي حيث  يعمل حاليا. في مكان ما من منطقة إيست فيفتيز. ولكنه يعتقد على الأغلب أن ذلك كان في مكتبة بمبنى سيتي كورب . هذا ليس على وجه اليقين. وكان عمره 25 عاما، وربما 26 . قال له فيتز أولا : مرحبا. وكان في الستينيات، وطوله يفوق ستة أقدام، بشعر رمادي وملامح أنيقة مثل الملامح الخاصة بمدير مدرسة داخلية. وكان فيتز يرتدي قميص أوكسفورد المخطط . الأكمام مرفوعة قليلا، وبقع دهون تلوث بشرته من طرف يديه وذراعه.

قال له فيتز : لماذا لا نحسو شرابا في منزلي. وذهبا معا. وسريعا، بعد عشرين مبنى، وصلا إلى شقة فيتز. تناولا الفودكا – وتحدث معه عن أولاده، ولد في وسط المنطقة الشرقية، والآخر في برمودا، وثالث يدرس الحقوق في واشنطن العاصمة. كانت الشقة في منطقة مرتفعات موراي، وتتألف من غرفتي نوم كبيرتين في صالة قديمة للشركة التعاونية. وكانت تنتشر رائحة نفتالين خفيفة وتوجد زخارف تشبه مكتب التسجيل في إحدى الجامعات. وكانت الأرائك بسيطة ومصبوغة بلون بحري وبورغاندي، والستائر بلون بيج، وهناك منضدة قهوة داكنة من الخشب، ومثبتة بنحاس قاتم، وتحمل صور العائلة.

بضعة كؤوس ثم شرعا بالكلام حول الجامعة والجنس والشراب والمخدرات، وكان من الواجب عليه أن يفهم هذا بوضوح  من قبل . فجأة انتبه أن فيتز – بالرغم من بيته الجيد والأولاد والزوجة – يتحرش به. لقد لامسه من رقبته عدة مرات وهو في طريقه إلى المطبخ ليحضر المزيد من الشراب، ثم انتقل من الكرسي المقابل ليجلس معه على نفس الكنبة بجواره. وضغط على فخذه تكرارا وهما يتبادلان الكلام.

و شرع فيتز يخبره كيف أنه يحب أحيانا أن يصل إلى النشوة.. بالحشيش غالبا، ولكن أحيانا بما هو أقوى. وسأله هل هو حر وقال له من غير تردد نعم. ولكن ليست هذه هي الحال . مع ذلك هذا ما تبادر إلى ذهنه.

و حاول أن يتخيل ذلك  ويتصور كيف ستكون الأمور، ولم يخطر له أي شيء من تجاربه السابقة.

الحرية كانت تعني الكوكائين، والكوكائين هو شيء ينتسب لعقار قوي كتبت عنه النيويورك تايمز في زاويتها في الميترو، وخطر له، إنه يرتبط دائما بالمشاكل والسجون. وعلى امتداد الثمانينيات، حينما كان في المدرسة الثانوية، كان الكوكائين يحتل العناوين الكبيرة التي تتحدث عن فساد المناطق المجاورة ، وعن انتشار الجريمة، والإدمان الذي لا يمكن التستتر عليه. إنه مشكلة شريرة وبشعة. تابو لا خلاف عليه. شيء طالما فكر به، وطالما رغب لو يجربه.

كان يعرف شخصا واحدا يدخن الكوكائين. الاسم جاكي ديفور. لقد كبر مع جاكي في نفس المدينة التي يعيش ويعمل بها فيتز. وكانت أكبر منه بأربع سنوات وتتورط بالمشاكل على الدوام. وفي النهاية تخلت عن المدرسة الثانوية، وذكرت الشائعات، أنها انتقلت إلى ألباني في نيويورك، لتعيش مع رجل أسود وتتحول إلى مدمنة على الكوكائين . وكانت حكاية جاكي الأكثر شعبية بين القصص الخافتة التي يتداولها الآباء في البلدة لتفسير ما يحدث إذا استعملت العقاقير.

بعد سنوات من سهرة فيتز يتذكر السيدة بارسونز، معلمة البيانو التي تدرب على يديها حينما كان في عمر إثنتي عشرة سنة. وهي سيدة أيرلندية متينة القوام تعيش في نهاية الشارع ولديها ثمانية أولاد، كانت تدخن وتشرب وتتداول التكهنات وتعيش مع كل أولئك الأولاد في بيت أخضر ضيق يقوم على حافة المستنقع. بيت له شكل مسكن ساحرة عجوز يبرز من التلال التي تمتد وراءه. وذات يوم حضر من أجل درس ولكن تبين له حالا أنه لم يتمرس في العزف. مجددا. بعد عدة حركات صغيرة لمقطوعة بسيطة، قبضت على يده وأخبرته أن يتوقف. بمقدوري أن أرى ذلك الآن، كانت تقول بصوت راعد، سوف تتقدم بالعمر وتتحول إلى مدمن على الكوكائين مثل جاكي ديفور. لا شك في ذلك. نحن حبتا بازلاء من نفس القرن الأخضر.

ذهب فيتز إلى غرفة النوم وأحضر معه إناء حليبيا أبيض يشبه الكريستال فيه مادة حبيبية. وسحب أنبوبا من الزجاج النظيف من جيبه وقال إنه غصن، ووضع في أحد نهايتيه سلكا رفيعا ثم بضع حبات من العقار، أو فتافيت، بلغته. وقدم له بحذر الغصن وطلب منه أن يقربه من شفتيه وفي نفس الوقت أخرج ولاعة. كان الأنبوب الزجاجي حساسا وكانت يده ترتعد. وذلك لأنه خشي من إهراق العقار ولكن  لسبب ما لم يحصل ذلك. أشعل فريتز الولاعة ومرر لسان النار من قرب طرف الغصن.  وشرع يسحب نفسه ببطء حينما بدأت المادة البيضاء بتشكيل الفقاعات والتفاعل مع النار. سحابة من الدخان شقت طريقها في الغصن، وهنا سحب نفسا أقوى ليأتي الدخان نحوه. أخبره فيتز أن يباشر بحذر وفعل ذلك. وسريعا امتلأت رئتاه، فتوقف كما يفعل لو أنه يدخن الحشيش. شهق وباشر بالسعال. كان المذاق أشبه بالدواء، أو بسائل للتنظيف، ولكنه يميل قليلا للحلاوة، مثل الليمونادة.

انتشر الدخان في أرجاء الغرفة، وتجاوز فيتز، وكأنه تنين عظيم يتمدد. وبينما كان ينظر إلى الغمامة التي تنتشر وتتلوى، شعر بالنشوة مثل دغدغة، ثم أشبه بالزئير. واكتسحته صدمة من الطاقة في كل جزء منه، ومرت لحظة من السلام التام حيث فقد الوعي بكل شيء .

و تبلور نوع من الطمأنينة خلف عينيه. ثم انتشر من صدغيه حتى صدره، وبلغ يديه، ثم كل الأنحاء. لقد مرت به عاصفة – غبطة وديناميكية ومشاعر بالجنس – كأن ذلك عاصفة مهمة تثور بسرعة البرق. لقد كانت أدفأ وأرق عناق شعر به على الإطلاق، ثم، حينما انحسر، شعر بيد باردة حتى التجمد تقبض عليه. وهكذا بدأ يفتقد لتلك المشاعر حتى قبل أن تتلاشى كلها، ولم يكن آنذاك يرغب بالمزيد فقط، ولكن كان يشعر بحاجة ماسة إليه.

 

.....................

المصدر :

Portrait of an Addict as a Young Man ,  By BILL CLEGG. Nytimes.  June 15, 2010 .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1440 الاحد 27/06/2010)

 

 

في المثقف اليوم