أقلام حرة

الأخطاء التاريخية وكيفية التعامل معها / صادق العلي

من الحقائق والاخطاء التاريخية التي تفتخر بها الشعوب العريقة والتي يزيد عمرها عن الاف السنين.

هذا التراكم الهائل يولد بالتأكيد حكايات وآساطير ... يولد فلكلور متنوع غني ... يولد تراثاً قد يكون فيه شيئ من التناقض ... وقد يتجدد من حقبة زمنية الى اخرى او ممكن ان يضاف اليه بعض الاشياء ومن الممكن ان يُعدل أذ ليس بالضرورة ان يلغى تراثاً او فلكلوراً لمجرد دخول تراث اخرى على هذا المجتمع او ذاك (لان تراث الشعوب وفلكلوره وحكاياته واساطيره مخزونة في عقول وظمائر وفي الحياة اليومية للمجتمع لذلك من الصعب أللغائه)، ولكنه بالتاكيد يصبح اكثر غنى مع تقادم الازمان مما يجعله مدعاة فخر لأبناء هذا المجتمع .

من جهة أخرى قد تُكتشف بعض الاخطاء كما أسلف او تظهر بعض الهفوات (مع مراعاة بأنها ليست اخطاء او هفوات في حينها) عموما اصبحت أخطاء في زمننا هذا وبما ان الحياة مستمرة والاجيال الصاعدة تريد ان تثبت وجودها فالبعض يصرون على ان هناك اخطاء في التراث العربي ويجب معالجتها ... وانا هنا أذ اتناول هذا الموضوع الذي لا يخلو من بعض ألاتهامات سواءاً بالتخلف والرجوع الى عصر الدواب من ناحية او الانحلال الاخلاقي في زمن التطور التقني والتكنلوجي من ناحية اخرى .

ما أود قوله هنا أن خصوصية الشعوب تعتمد اعتماداً كليا على فلكلورها وتراثها بكل تفاصيلها وبكل أخطاءها وبكل أساطيرها المعقولة منها والخرافية وبكل حكايات ابطالها الخارقة ... هناك الكثير من الشعوب التي تفتخر بأن أبطالها ورموزها في سالف ألازمان قد حاربوا مخلوقات خرافية تخرج من باطن الارض او تنزل من السماء وانتصروا عليها وخلدهم التاريخ بناء على هذه الانتصارات ... وغيرهم الذي حارب الشمس وانتصر عليها وهو (الرث) البطل الاسطوري لدى بعض القبائل الافريقية وهو لا يزال يُنصب الى يومنا هذا ومن الممكن ان يبقى هذا التنصيب الى الابد وبنفس الاسم وبنفس الاليات القديمة ولا يراعون التطور التكنلوجي والتقني وسيبقى تقديسه وتقديم الولاء له اهم ما يقوم به ابناء تلك القبائل .... الجميع يعرف ليس هناك متسع من الوقت للخوض في غرائب التقاليد وعجائب الاساطير لكافة شعوب العالم ... ولكن ما يهمني انا هو تاريخنا وفلكلورنا وتراثنا نحن العرب وحتى حكايات امهاتنا (في أستطلاع بسيط اجريته على أشخاص عرب من دول العربية مختلفة وجدتُ ان اغلب الحكايات والموروث الشعبي العربي هو واحدة مع اختلاف- لهجة البلد - في توصيل الحكاية) . عندما دعاني صديقي الى بيته وبعد أستقبلني بحفاوة هو وزوجته طرحت عليه سؤالاً حتى قبل ان اجلس وكان سؤالي: انت مسلم وتعتبر نفسك مسلم ملتزم فما هذه الملابس التي ترتديها زوجتك اتعتقد انها ملائمة للمرأة المسلمة ( الزي الرسمي لمجتمعهم يٌظهر بعض لأجزاء البطن والظهر من جسم المراءة) ؟

كانت أجابته :

هذا ما يميزني عن ألاخرين ... هذه شخصيتي ... هذه هويتي في مجتمع مثل أمريكا ... الاهم من هذا كله ان هذا الزي يساعدني في تربية أطفالي لانهم عندما يرتدون هذا الزي يدركون انهم مختلفون عن الاخرين وان لهم خصوصية وان لهم بلد أتوا منه وان تقاليدهم مختلفة وطقوسنا مختلفة ايضا تميزهم ... اضف الى ذلك نحن نعتقد اننا لا نتبرج في هذا الزي ولا نقصد أثارة الشهوات الجنسية للاخرين ولكنه تراثنا فلا تحمل الامور اكثر مما يجب.!

 

طبعا انا لا اخذ الرأي الفردي الواحد على انه مرجعية ولكن يبقى راي أنساني يجب الاخذ به ...

عند مروري على كتابات البعض وهو يكتب ويتحدث عن حرب البسوس مثلاً يتحدث وكأن من شارك في هذه الحرب هو بالحقيقة مجموعة من الرعاع الاغبياء والغير متحضرين !!!!!!

 كذلك عندما يكتبون عن الثأر في الفكر والعقلية العربية يتحدثون وكأننا مخلوقات خرافية نصفها شيطاني ونصفها الاخر مخلفات حيوانية !!

اضف الى ذلك ان حديثهم عن النساء وما تتعرض له من ظلم وقسوة جراء تعدد الزوجات سواءا قبل الاسلام او بعده وغيرها من المآسي التي تتعرض لها النساء العربيات هذه كلها جرائم بحق المراءة التي هي نصف المجتمع وانها الام والاخت والبنت مما يعطيك انطباع بان الرجل العربي لا هم له سوى خلق مظالم للنساء !!

وهولاء الكتّاب والمثقفين العرب الذين يتحدثون عن تاريخنا العربي ويصوروه على انه حضارة قتل جماعي كما حدث في بناء الاهرامات !!! او ان العرب هم بالحقيقة اجلاف صحراء عاشوا في الجزيرة العربية فكانوا أقسى من الصحراء التي عاشوا فيها !!! وفي مواضع اخرى يصوروا التاريخ العربي على انه مجموعة من الغزوات والحروب التي يقوم بها بعض الجُهال الاغبياء الذين يجب ان نخجل منهم ومن حروبهم !واننا يجب ان نصحح هذا التاريخ الاعوج!!! او على اقل تقدير نعلن براءتنا من هذا التاريخ .

وهذا التصريح من اغرب ما سمعت ومن اغرب ما عرفت ان لم يكن الاغرب على مر التاريخ !!!! اذ ليس من المعقول ان تصحح خطأ مرت عليه الاف السنين!!! او ان تعتبر حرباً لها حساباتها وقياساتها في حينها تحسبها وتقيسها على قياسات وحسابات زمانك أنت وتحكم عليها بالبطلان فهي حسابات المختلفة تماما عن وقت حدوثها لذلك من الغباء ان تعتبرها خطأ وان عليك ان تتملص منها كي تثبت للاخر بانك متحضر !

كيف يعتبرون هولاء الكتاب والمثقفون الغزوات والحروب التي كانت تندلع وفق منطق مختلف عن منطقنا الذي نعيشه (منطق الجينز وديمقراطية الانفتاح الداعر) كيف يعتبرها غزوات همجية وهي في حينها كانت تحمل معاني الشرف والغيرة على الوطن وعلى العشيرة وعلى الاخلاق ... او لمجرد طلب النجدة قد تندلع حرباً تبقى سنوات وسنوات وقد يُقتل الكثير في هذه الحروب ولكنها تبقى تراثنا ونحن جزء منها ولأن (الاخر الذي يلهث ورائه المجددون او اصحاب نظرية تصحيح التاريخ ) مهما كان متعاطفاً مع اصحاب التجديد وتصحيح التاريخ معهم فانه يعتبرهم بلا هوية وبلا ماضِ ٍ ... وعليه فانني اقول لهولاء المجددون :

من المهم ان تكشف مواطن الخلل لأبناء جلدتك ... ومن المنطقي كونك تحب وطنك وتريد رفعته من المهم ان ترشد الجميع للطريق الصحيح الذي تعتقده مناسباً ومن الافضل ان يشعر المواطن البسيط ان هناك من يوثق حياته وسلوكياته المتوارثة عن أسلافة هذه الاشياء كلها جميلة ونحن اول من يقف وراءهم ويدعمهم بكل الذي يستطيع ... ولكن ان تلغي قيمة شرف مقابل قيمة رقص كونه فن نبيل له اصوله ومبادئه فبالتاكيد سيكون الجواب لا والف لا ... ان تلغي قيمة الغير على الوطن وعلى الدين مقابل التحضر وقبول الاخر (هذا الاخر الذي يؤمن بزواج الرجل من الرجل او تزويج النساء فكيف تتقبله وهي قيمة مختلفة عليك 100% ) فالجميع يشرفهم ان يكونوا متخلفون بشرف افضل من ان يكونوا متحضرون بلا شرف ناهيك عن ان هذا التحضر والذي يدعوه هو بالحقيقة اللغاء قيم وادخال قيم جديدة او عملية اصهار مجتمع بكل تاريخه في مجتمعات حديثة (هذه المجتمعات اجدت قيم غريبة على الفكر الانساني على مر العصور واقنعوا البعض بأنها الدميقراطية) !

 الانسان العربي لا يمكن ان يعيش بلا قيم قد تعتبرها الحضارة الحديثة قيم بالية وقديمة ويجب ان يرميها المواطن العربي في سلة المهملات ، طبعا هناك الكثير ممن رمى هذه القيم ولهولاء اقول (الف عافية) ولكن لا تقولوا للشرفاء انكم متخلفون ولا تقولوا للذين يعانون الفقر والعوز بانهم اغبياء لانهم حملة قيم مجتمع وحملة مبادئ صحيح لا تجد هذه القيم والمبادئ سوقاً رائجا في حسابات الديمقراطية والعالم الحر ولكنهم لهم حساباتهم ايضا وهم يدركوا هذه الحقيقة .

تاريخنا مدعاة فخر ومدعاة اعتزاز ولن تحترمنا الامم الاخر مالم نتمسك بتاريخنا ... هذا اولا وثانيا لغة الرجولة (قد تبدو في الظاهر لغة قاسية بعض الشيئ) التي يحملها تاريخنا وبكل تفاصيل هذا التاريخ المشرف هي ما يحسدنا عليه الاخر الذي ينبهر من حجم الرجولة والقوة وقيم انسانية بدليل ان اكثر الجاليات معاناة في العالم الغربي الان هي الجاليات العربية لانها الموطن الاخير والحصن النهائي لقيم الشرف والغيرة والاسرة ما تعنيه من أواصر انسانية عالية ... على عكس باقي الشعوب والامم التي رفعت الرياة البيضاء ومنذ زمن بعيد بوجه العالم الحر الذي يوزع الدعر بطريقة متحضرة غاية في الروعة .

 

صادق العلي

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1442 الثلاثاء 29/06/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم