أقلام حرة

ذاكرة المستقبل: شَيءٌ حَولَ الفَمِ / جمعة اللامي

 

“إذا أخذتَ الأدبَ ،

 فَخُذهُ مِن أفواهِ الرِّجال

فإنكَ لا تستمع منهم إلاّ مُختاراً”

                          (مصعب بن الزبير)

 

يقول الحكيم : فِي فِيَّ ماءُ.

وفي أبواب الحكمة أيضاً، أن قلبَ الجاهلِ في فَمهِ، وانّ فَمَ العاقل في قلبه. وان ألفائز هو من أتى الله بقلب سليم.

 

وذكر الإخباريون أن عيّارا ليس مُسوحَ أهل العقل ، فأخذ يقلد النسيم في مشيته ، ويناظر الهزار في صوته . حتى كان وقع في يوم من الأيام على رجل فقير ، فتأففَ العيّار ، فقال له الفقير : الفَمُ المغلق لا يلتقط الغبار!.

 

ولم يعرف العيّار منطق الفقير ، فمضى إلى خَانهِ فَكِهاً مسروراً ، وهو لا يدرك أنه سيموت ذات يوم ، وان فمه الذي طالما شهّر بالحرائر ، ودَسَّ على الأخيار ، وعَسّ على الأحرار ، لا تسدُّهُ حفنةٌ من تِبن.

 

والحق، أن من قال " مِن فَضلةِ القلبِ، يَنطقُ الفَمُ، قد قال حقاً، ونطق صدقاً. فنال الشرف في الدارين. وحاز على رضا الله والناس.

وقال أحد العقلاء، وهو يعظ في سوق المدينة جمهرة من الناس: اْعْلَمْ أيُّها الفاني، أن منْ يُحوِّل فَمَهُ إلى سِكّين، سيقطع شفتيه ذات يوم.

 

لا يعرف كثيرون أنه بالكلمة تُبنى الأمم ، وتُشادُ الحضارات . وانّ فماً لا يحترم أصحاب الكلمة، يتنكر لقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، بأن مِنَ البَيانِ لَسِحراً.

صَلّى عليكَ اللهُ يا ابنَ عبد الله.

 

وعندما أطلق أحد أشياخ مكة، وهو النَّضِر بن الحارث ، فمه في مسبّة الرسول ، والتشنيع به ، حتى ظفر به عليه الصلاة والسلام، مرتين، لأنه استعطفه بأن يُخليه لعياله.

فعفي عنه سيد الخلق.

أما في الثالثة، فقد أمر الرسول، علياً بن أبي طالب رضي الله عنه، بأن يُقَدِّمهُ . فصل عليٌّ رأس النَّضِر عن جسده بضربة واحدة.

 

وفي تلك الأثناء، جاء رسول بأبيات من شقيقة ذلك المكي الذي لم يحترم فمه، وتدعى قُتَيلة، فإذا بفَمِها يعكس مكنون قلبها وعقلها. فحزن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال: لو جاءت قبل أن يقدمه عليّ !

 فتفكر، رعاك الله.

 

والفَمُ اللِّسانُ، أيضاً. وقال الاسكندر : اَسْمِعُوني لسانَ خَطيبٍ، وخذوا ألفَ مُقاتل.

وانه لَمِن سوء حظِّ أيّ مجموعة بشرية، أن يتولى أمرها وشانها، أصالة أو نيابة، من لسانه في مكان آخر غير فمه.

 والعياذ بالله.

 

وصدق القائل : لسانُ الفتى نِصْفٌ، ونِصْفٌ فُؤادُهُ!

 

جمعة اللامي

[email protected]

www.juma-allami.com

الاثنين : 17-8-2009

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1445 الجمعة 02/07/2010)

 

 

في المثقف اليوم