أقلام حرة

ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958م حدث هام على الصعيد الدولي والإقليمي / بشـار قفـطان

الجذري الذي تم تحقيقه بعد انتصارها وتأثيرها على المستوى الدولي والإقليمي .

كان نظام الحكم القائم قبل الثورة نظام ملكي شبه إقطاعي وتركيبته استندت على الدعم المباشر من المملكة المتحدة أو الحكومة البريطانية التي دخلت العراق إثناء الحرب العالمية الأولى، وبقيت الخارطة السياسية على أوضاعها بالنسبة للعراق وبلدان الخليج الأخرى بعد الحرب العالمية الثانية. من هذه المنطلقات استمرت الحكومة البريطانية من الهيمنة على طبيعة السلطة القائمة عبر معاهدات وأحلاف عدوانية وإنشاء القواعد العسكرية لتعزز من هيمنة الاستعمار البريطاني والدول الاستعمارية الأخرى، والحد من نشاط وتوسع حركة الشعوب المناهضة للسياسة الاستعمارية والحيلولة دون قيام أنظمة وطنية ترعى مصالح شعوبها،

وما هو معروف أن العراق غني بمياهه دجلة والفرات وخصوبة أراضيه من حيث الزراعة ، وهناك من الثروات الطبيعية التي بقيت في باطن الأرض من المعادن وخصوصا النفط، والتي حاولت الشركات النفطية الاستعمارية من استغلال تلك الأراضي والآبار واستثمارها ، وهناك من أهمية في موقع العراق الجغرافي . ويعتبر مفتاح الخليج، اذ يقع العراق في الجزء الغربي من قارة أسيا وفي شمال شرق الجزيرة العربية ويشكل موقعه مثلثا يتجه رأسه في اتجاه الجنوب الشرقي وقاعدة المثلث في اتجاه الشمال الغربي . وتشترك حدوده البرية مع ستة دول إسلامية , وله حدود بحرية على الخليج

وبسبب طبيعة النظام المدعوم من الحكومة البريطانية ورغبته من توسيع نفوذه في المنطقة للهيمنة على أجزاء أخرى من الوطن العربي والدفع باتجاه تعيين ملك على سوريا من العائلة الهاشمية التي حكمت العراق مطلع عشرينات القرن الماضي ، وهذا كان يعني دفع النظام إن يكون حصان طروادة في محاربة حركة التحرر الوطني، وقوة إقليمية تتحكم بمصائر المنطقة وخصوصا بعد انتصار الشعب المصري في ثورته على نظام حكم الملك فاروق في مصر يوم الثالث والعشرين من تموز من عام 1952 وصارت قاعدة لحركة التحرر الوطني العربي .

ونضوج الحركة المطلبية الشعبية في العراق على عدة محاور وجبهات بعد ظهور تنظيم الطبقة العاملة العراقية واعني به الحزب الشيوعي العراقي الذي برز على الساحة العراقية مطلع ثلاثينات القرن الماضي كقوة سياسية فاعلة ، الذي قاد بجدارة حركة تلك الجماهير من اجل السيادة الوطنية والخروج وتحرير البلد من المعاهدات الاسترقاقية، والأحلاف العسكرية العدوانية ، ودائرة الضغوط الاقتصادية والاستثمار والتنقيب الغير مشروط للأراضي والآبار النفطية من فبل الشركات الاستعمارية ، وكذلك تأكيد حقوق الشرائح الاجتماعية المطلبية في العيش الرغيد وتوفير الخبز والكرامة ، نضالات مطلبية على كل الأصعدة سواء مشاركة الفلاحين في نضالهم الطبقي ضد الإقطاع والملاكين الزراعيين ، او مع نضال الطبقة العاملة العراقية، من اجل ضمان حقوق العمال في توفير السكن والخدمات وتحسين الأجور والضمان الاجتماعي وكذلك الطلبة والشباب، الداعمة لتلك المطالب . وكان لتلك الفعاليات استحقاقها من إراقة الدماء والسجن والاعتقال والنفي لمعظم الرموز الموجهة او المنفذة لتلك الفعاليات الجماهيرية، وإصدار القوانين والتشريعات الى حد تحريم النشاط الشيوعي في العراق واعتبار كل من يطالب بحقوقه ( شيوعي هدام ) ( ومدافع عما يدين به مخرب ومطالب بحقوقه هدام )

وقد توجت تلك المعارك الطبقية بالإضرابات والاعتصامات والتظاهرات والانتفاضات .

 ويمكن ذكر البعض من تلك الفعاليات الجماهيرية إضرابات عمال كاور باغي والتي ذهب ضحيتها العديد من العمال شهداء نتيجة إطلاق الرصاص على العمال المضربين واضراب عمل السكك في الشالجية ، وعمال السكائر ، وعمال المطابع ، ومصلحة نقل الركاب ، وعمال الموانيء في البصرة وغيرها، وكذلك وثية كانون الشعبية ضد معاهدة بورت سموت الاستعمارية في عام 1948 ووثبة تشرين 1952 ومجازر قتل السجناء عامي 54 و55 في سجني بغداد المركزي والكوت وإعدام فاده الحزب الشيوعي العراقي في شباط عام 1949 وانتفاضة الشعب في عام 1956 في مدينتي النجف والحي وإعدام اثنان من أبطالها في مدينة الحي، وما ساندها من التظاهرات الصاخبة في مدن عراقية أخرى في الموصل وبغداد ولكاظميه والبصرة والناصرية . وهناك أيضا للفلاحين من هباتهم كفلاحي أل ازيرج في العمارة وفلاحي الشامية في الديوانية وفلاحي دزئي في كردستان العراق ومناطق ريفيه أخرى .

كل تلك وضعت الخيرين والمخلصين من أبناء شعبنا سواء في القوات المسلحة العراقية او خارجها من العمل المثابر والجاد وبروح وطنية من تهيئة كل المستلزمات والوسائل للإطاحة بالنظام القائم .

 حيث تشكلت لجنة الضباط الأحرار عام 1952 لتحسم مسالة إزاحة النظام، وتم إلحاق جميع الخلايا التي كانت تعمل لنفس الهدف وإلحاقها بالتنظيم السري لحركة الضباط الأحرار .

 وقد تعزز دور حركة الضباط الأحرار في عملها خصوصا بعد إعلان جبهة الاتحاد الوطني مطلع عام 1957 .

 والتي تشكلت من الأحزاب الوطنية المعارضة لنظام الحكم، الحزب الوطني الديمقراطي بقيادة المرحوم كامل الجادرجي، الحزب الشيوعي العراقي، حزب الاستقلال، حزب البعث العربي الاشتراكي ، وأما حزب البارتي اي الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي ُرفَِضَ طلبه لعدم موافقة الأحزاب القومية العربية، ولكن الحزب الشيوعي العراقي بادر الى التحالف معه وصار البارت على بينه على مجريات الأوضاع السياسية والعسكرية في البلد من خلال جبهة الاتحاد الوطني وتحالف الحزب الشيوعي العراقي معه .

وجاء اليوم الموعود عندما كان بعض قادة النظام يتهيئون للسفر خارج العراق لحضور اجتماع حلف المعاهدة المركزية ( حلف بغداد ) اذ حصلت بعض الظروف الموضوعية لاستغلال الظرف الذي تم وضع الخطط الكفيلة ألازمة لنجاح الخطة وتحديد ساعة الصفر لها ليلة الرابع عشر من تموز، كانت هناك أوامر لتحريك بعض القطعات العسكرية، بقيادة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم امر اللواء التاسع عشر والعقيد عبد السلام عارف امر اللواء العشرين وهما من الضباط الأحرار، وتم إبلاغ بعض قادة الجبهة بيوم التنفيذ خصوصا الحزب الشيوعي تم إبلاغ قيادته يوم 12 تموز وكذلك الحزب الوطني الديمقراطي .

بموجب ذلك الإشعار بساعة الصفر تم إجراء الاستعدادات ألازمة لقوى الجبهة لكل طارئ يحصل خلا ل الساعات القادمة .

وفي ليلة التنفيذ كانت قيادة الحزب الشيوعي بالإنذار والترقب .

 وعندما أُعلن البيان الأول للثورة قام سكرتير عام الحزب الشهيد سلام عادل الذي كان يتابع الوضع ميدانيا بإرسال برقية تأييد للثورة والتي جاء فيها وضع إمكانات الحزب من اجل انتصارها ، وذلك عن طريق دائرة بريد الاعظمية .

وبعدها تم إبلاغ كافة قواعد الحزب للقيام بواجبها في النزول الى الشوارع وإعلان تأييد الثورة من خلال البيانات التي باشر الحزب باصدارها وتوزيعها على الجماهير .

الدول التي كانت داعمة للنظام أصيبت بالذهول وأخذت تعلن علنا عن مواقفها في إجهاض الثورة بالتدخل العسكري ولكن الموقف الاممي الحازم للاتحاد السوفيتي القائم آنذاك كان له دورا فاعلا في تفويت الفرصة، اذ اعتبر اي اعتداء على السيادة العراقية لن يجعل الحكومة السوفيتية تقف موقف المتفرج ، وان ما يجري في العراق هو شان داخلي، وكانت حكومة الاتحاد السوفيتي ثاني دولة بعد الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) تعترف بالنظام الجمهوري الجديد في العراق ،  وبعدها توالى الاعتراف الدولي بالنظام الجديد من قبل بلدان المنظومة الاشتراكية وبلدان عدم الانحياز ، وقد قام الأسطول السادس الأمريكي في البحر الأبيض المتوسط وحلف المعاهدة المركزية ببعض التحركات والمناورات للضغط وتحريك بعض الموالين للنظام السابق ولكن تلك المحاولات باءت بالفشل بسبب يقظة الجماهير وإسنادها المباشر لقادة الثورة والموقف الحازم للاتحاد السوفيتي وسائر البلدان الاشتراكية الذي صار غطاء شرعيا لنجاح الثورة صبيحة يوم الرابع عشر من تموز المجيدة.

ان انتصار ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 فد غير من الخارطة السياسية التي كانت تتحكم بمصير البلد منذ الحرب العالمية الأولى على المستوى الدولي والإقليمي اذ صار العراق خلال عمر الثورة مركز إشعاع لحركة التحرر الوطني وإسنادها . دعم ومناصرة الشعب الجزائري في ثورته ضد الاحتلال الفرنسي، وتهيئة الظروف المادية والمعنوية في تشكيل حركة المقاومة الفلسطينية بتشكيل نواة جيش التحرير الفلسطيني صار نظام الحكم نظاما جمهوريا وأعلن عن القضاء على النظام الملكي شبه الإقطاعي

تحرر البلد من ربقة المعاهدات الاسترقاقية والأحلاف العدوانية وصار يتمتع بالسيادة الوطنية

وكذلك تم تحرير ثرواته خصوصا النفطية من هيمنة الشركات الاستعمارية حيث تم تحرير اكثر من 95% من الاراضي من حق الاستثمار والتنقيب من قبل تل الشركات وفق البيان رقم 80

وكذلك الخروج من دائرة الجنيه الإسترليني اذ تحرر الاقتصاد العراقي من الهيمنة في تعامله التجاري وصار الدينار العراقي هو العملة النافذة في التعامل المالي نهج سياسة دولية مبنية على المصالح المشتركة وعدم التدخل بشؤون الغير وانتهاج سياسة تنسجم مع مبادئ دول عدم الانحياز ومؤتمر باندونغ الانفتاح على دول المعسكر الاشتراكي وقيام معاهدة تعاون فني مشترك كان للراحل الدكتور إبراهيم كبة وزير الاقتصاد العراقي في حكومة الثورة دور بارز في انجازها

وهناك من التشريعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الاخرى مثل صياغة دستور مؤقت تم بموجبه تنظيم العلاقة بين أبناء الشعب والسلطة

تشريع قانون للإصلاح الزراعي بتوزيع الأراضي على الفلاحين

 تشريع قانون للأحوال الشخصية تم بموجبه مساواة المرأة مع الرجل وضمن مشاركتها في السلطة عندما تم تكليف الراحلة الدكتورة نزيهة الدليمي بإدارة وزارة البلديات وهذه اول مرة تتم فيها مشاركة المزاه في الحكم سواء على المستوى الإقليمي او العربي او العراقي

تشريع قانون للأحزاب والعمل النقابي والمهني ومنحهم إجازة ممارسة العمل وكذلك تحديد ساعات العمل بثمان ساعات

إطلاق سراح السجناء والمعتقلين السياسيين وإعادة المنفيين الى البلاد واعتبار العمل الذي قام به قادة الحزب الشيوعي العراقي عملا وطنيا .

تعثر الثورة في استكمال مهماتها التدخل الإقليمي والخارجي وانفراط عقدة جبهة الاتحاد الوطني ودخول القوى التي كانت متحالفة بالأمس إلى أعداء في خضم صراعات لمصالح إقليمية ودولية

المجد لثورة الرابع عشر من تموز ولقادتها البواسل

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1453 السبت 10/07/2010)

 

 

 

 

في المثقف اليوم