أقلام حرة

النخب والجماهير والاحزاب السياسية في اقليم كوردستان / عماد علي

ونلمس اختلافات من مرحلة لاخرى حول المفاهيم المختلفة والمستجدات التي تفرضهاالتغييرات المتلاحقة، وما يتطلبه التغيير في الشؤون العامة من النخب والجماهير بشكل عام.

هناك نظرة عامة من قبل الجماهير حول عمل الاحزاب ومدى تاييدهم او رفضهم لها ولمواقفها وادئاتها اوتجباتها وفق تلائمها مع الواقع او ما يمكنهم ان يقدموا لها العون والمساندة ان احسوا انها في الطليعة لما يهدفون، وتتوقف مدى دعمهم لتحقيق اهداف تلك الاحزاب بطرق شتى على مستوى تلائمهمها مع ما يتمنون وياملون.

هناك خلاف واسع وكبير بين ما تتمناه النخبة في نظرته للامور مع ما تفكر فيه الجماهير التي تعيش في واقع هو الذي يفرض عليها السبات في الكثير من الاوقات، ومستوى وعيها يحتاج لقطع المراحل وجهد مضني كي تتساوى في العمل والاداء مع النخبة، وهناك معوقات وعوائق شتى خلقتها الظروف الاجتماعية وما تحتويه من العادات والتقاليد والطقوس، وهناك ترسبات تاريخية ومؤسسات مثبتة لها  وهي ما تمنع اليقظة والوعي المطلوب لتحقيق التواصل بين النخبة والجماهير في هذه المرحلة على الاقل كما كان من قبل .

هناك قضايا ومشاكل يمكن الغور فيها وايجاد السبل اللازمة للاقتراب من الحلول الممكنة بالتدريج الممكن، ولكن البرامج المطروحة والمناهج المتبعة من قبل الاحزاب والمؤسسات المدنية الموجودة لم تقرا الواقع بشكل سليم وعلمي على حد تقديري، والدليل بقاء الوضع العام على حاله طيلة العقدين من التحرر من مخالب الدكتاتورية، وسيطرة المصالح الضيقة على العقول المدبرة وحتى من النخبة والابتعاد عن الواقعية في كثير من الاحيان عند محاولة تنوير الطرق اللازمة للتقدم . وفي اكثر الاحيان نلمس عدم النجاح في تشخيص الخلل بشكل قاطع، وكل ما نراه هو محاولة الجميع لايجاد المبررات الخيالية للتغطية على الفشل.

ان ما يعيشه اقليم كوردستان في هذا القرن لا يمكن مقارنته باي شكل كان مع العهود السابقة لما اجتاحته وسائل التقدم العلمي المؤثر بشكل مباشر على حياة الشعب جذريا، وعليه يجب اعادة القراءة لما نحن فيه وفق ما استحدث ومن ثم تحليل الواقع الجديد وما تغير ومن ثم تقييم عمل الاحزاب وما تتمناه النخبة لنقارن ما نتخيله مع ما يفرضه الواقع لنجد افقا جديدة ونجهد انفسنا للوصول اليها.

 الجماهير بشكل عام بعيدة شيء ما عما تفكر فيه النخبة في هذه المرحلة، انها تعيش لحد كبير في تناقض على الارض تحتك مع المستجدات وما تفرضه العولمة والتقدم العلمي الاتصالاتي وتعيش هي بالكامل تقريبا في الانغلاق الفكري والسياسي والاجتماعي، وهي اسيرة ما يفرضه التاريخ وهي تريد تجاوز العملية الموضوعية التي تفرض نفسها باخفاء الذات وانتظار ما يحمله الغد فقط.

تغير المجتمع لحد ما بفعل المؤثرات الصناعية الثقافية الجديدة ايضا سوى امن واعترف بها ام لا، فلا يمكن مقارنة المجتمع الريفي في هذا الاقليم مع ما عاشه قبل عقدين، لذا عملية التغيير نابع من رحم هذا المجتمع بعد ورود المغيرات ولكن بشكل بطيء وسلس، وما تفرضه السياسة والمصالح ليس الا صراعات بين الاحزاب والقيادات، والنخب واقفة مكتوفة الايدي غير ابهة بما يجري وكأن الامر لا يعنيها سوى كان هذه الجمود بارادتها او ما يفرضه الواقع عليه، والجماهير ثابتة في نظرتها لحد كبير وهي التي تتاثر قليلا بمجريات الامور وتؤثر من الناحية السياسية وتعيش في هذه المرحلة بالذات على المنجزات دون ان تهتم بالقفزة المرادة لاعادة تنظيم الذات لاقتراب تفكيرها وعقليتها مع النخبة.

ما تلمسناه من اعادة تنظيم اصطفافات الاحزاب بعد الانتخابات المتتالية، انها برزت واقعا سياسيا جديدا ورشحت جهات وابعدت اخرى او لم تزكي العديد، ولابد ان تفكر هذه الجهات في تحديد مسارها وخصوصا انها ايقنت ابتعاد الجماهير عنها بخطوات وفقدت ثقتها بها، وعليها ان لا تعيش في الاوهام وتقيٌم الواقع بما فيه وليس استنادا على المصالح الضيقة لعدة معدودة فقط، ان كانت تهمها المصالح العليا وليس السياسة المجردة الخالية من المباديء والاهداف والاخلاقيات، والمبنية على المصالح فقط.

ان تكلمنا بكل صراحة، فاننا يجب ان نعلن للملأ ان مجتمعنا غير ناضج بشكل كامل كي يفرض مصلحته وهناك مفاهيم جديدة ولواعيب في الساحة تلعب بالاليات البالية المشروخة فقط، وبداية الطريق يجب ان تبدا من اعادة النظر في التربية والتعليم والثقافة العامة واسلوب التحزب، وهنا يبرز دور النخبة في فرض ما يؤمن بعقلانية وان يرشد الجماهير ويوجهها بالاتجاه الصحيح، وهذا هو اهم واجباته الصعبة ولابد من الارادة الصلبة والعزم الكبير على سلك هذه الطريق، ومن ثم التنسيق مع الاحزاب والتيارات المتنورة لعدم احداث التضارب في اداء الواجبات التي تقع على عاتق الجميع، وتقسيمها  بشكل صحيح، فعندئذ يمكن ان نقلل من تاثيرات الافرازات السلبية التي تسيلها اية عملية، وخاصة ما تشترك فيها جهات متنوعة ولكل منها دورها الخاص سوى كانت النخب بذاتها او الجماهير بشكل عام، وكيفية التخطيط لتحديد دورها الفعال في اية عملية معقدة، ومن ثم الاحزاب وكيفية قرائتها للواقع وتخطيطها وتحديد برامجها بشكل علمي. اذن المرحلة بحاجة الى تنظيم ادوار الجهات استنادا على ما يفرضه الواقع لخلق الارضية المناسبة في تقدم المسيرة بشكل صحيح . النخب والجماهير والاحزاب الكوردستانية لازالت بعيدة عن بعضها ولم تنسق كي تنجح في اداء المهمات الصعبة التي تقع على عاتقها وخاصة في هذه المرحلة الحساسة .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1456 الثلاثاء 13/07/2010)

 

في المثقف اليوم