أقلام حرة

مُجَدداً..... خسر لبنان!؟

 إنّ الرئيس الأمريكي سيكون صادقاً، وصادقاً جداً في كلامه لو أنه استبدل كلمة الديمقراطية بالطائفية والمذهبية والإقطاع السياسي. وهذا ما هو متأكد منه ومسرور لأجله السيد أوباما. فهل يقبل هذا السيد أن تُحكم أمريكا فئات لها هذا الشكل الموجود في لبنان ؟.؟؟؟؟؟!!!!!!

 إنّ كل عاقل سيكون مدركاً جداً لكذب الرئيس الأمريكي بتعليقه حول نتائج الانتخابات ونجاح الديمقراطية وهذا التأييد العظيم للبنان.

حقيقة ليس عنوان مقالنا مرتبطاً بخسارة المعارضة أو بفوز الموالاة, فالعنوان يحاول أن يأخذ بُعداُ أرقى من ذلك, يُحاول أن يجد مساحةً على إحدى الأوراق التي خلت أسطرها من حسابات الطوائف والمذاهب, ليبكي همومه ويلطم وجهه ويصرخ منادياً: الخاسر ومثل كل مرة هو أنت يا لبنان. فمُجدداً فازت الطائفية والمذهبية والعشائرية والعائلية ومجددا ًيموت لبنان.

 إنّ ما حدث في لبنان مؤخراً ما هو إلا استمرار لاستفحال مرض الطائفية والمذهبية والعشائرية والإقطاع السياسي في العالمين العربي والإسلامي. ويُعتبر لبنان أكثر كيانات الأمة السورية تعرضاً لهذا السرطان المدمر. فبالرغم من احتواء لبنان على مجموعة جيدة من المثقفين, إلا أنهم إلى الآن لم يستطيعوا أن يخلّصوا لبنان من مرضه. وهذا لا يمكننا تفسير ذلك إلا بأنّ أكثر مثقفيه يُسخّرون ثقافتهم ومواهبهم في سبيل طوائفهم ومذاهبهم وزعماءهم. إنّ أكثرهم ليسوا حكّام أنفسهم وباتوا كغيرهم (من غير المثقفين) يتحدثون بحديث زعماء الطائفية والمذهبية والعشائرية, ويميلون لمنافعهم الشخصية وآراء أسيادهم رجال وعلماء الدين. بعبارة أخرى يُمكننا القول أنّ ثقافتهم مزيفة ولم ترتق للثقافة الحقيقية، إنها ثقافة الأفراد لا ثقافة الإنسان المجتمع. إذ لا يمكننا ولا بأي شكل من الأشكال أن نحكم على مجتمع برقيه وعلو ثقافته بصورة منفصلة عن ابتعاده عن التعصب الديني والمذهبي والعشائري. حيث تُقاس درجة رقي المجتمع ومدنيته بقدر درجة تحرره من العصبية الدينية والعائلية, ولا يكون التعصب مقياساً لرقي المجتمع إلا إذا كان تعصباً قومياً اجتماعيا له رسالة في الوجود.

وبالرغم مما يغلب على المظهر العام (الخارجي) للمتحد اللبناني من التقدم العمراني والعلمي والثقافي والفني بالنسبة لبقية متحدات العالم العربي, إلا أنه يفتقد داخلياُ إلى أهم عوامل رقيّه وهو روح الوحدة الاجتماعية الجامعة الموحدة . فأكثر اللبنانيين, المثقف منهم وغير المثقف, ينظر بالدرجة الأولى في حياته بما يصب وبالترتيب في مصلحة عشيرته, مذهبه, طائفته, دينه، وآخر شيء يُفكر فيه هو الوطن بمفهومه الكلي الاجتماعي وهو نقيض الخطاب المصرح به من قبلهم, وهو ما نسمعه في أحاديثهم اليومية وفي خطابات زعمائهم (الإقطاعيين, الطائفيين والمذهبيين) من كلمات ينبهر بها العقل وينشدّ لها القلب حال كثير من اللبنانيين حيث من أشهر مصطلحاتهم : (لبنان العظيم, لبنان الموحد , عاش لبنان حر مستقل , لبنان للجميع , لبنان العروبة .... الخ ).

صحيح أنّ لبنان يسير وفق دستور طائفي _ مذهبي, ولكن هذا لا يعني أننا يجب أن نعيش على آراء الغير وأن ليس لدينا عقولاً نفكر بها ولا نعرف طريق مصالحنا وسُبل حياتنا. هذا لا يعني أنّ الدستور والقوانين التي نعيشها والتي وضعها الاستعمار هي كتاب سماوي مُنزل يجب عدم التخلي عنه وعدم الكفر به.

إنني أثق تمام الثقة لو أنّ هذا الدستور والقانون آية إلهية وليس بها مصلحة رؤساء العصابات الطائفية والمذهبية في لبنان لكفروا بها وبربها, وهذا ما نشاهده في اختلاق أحاديث تُنسب لرموز الديانتين المحمدية والمسيحية على مر الزمن لتمرير الكثير من المشاريع والمتطلبات الشخصية وتثبيت السيادة للحكام والزعماء, وعلى عكس ما تدعو إليه كلتا الديانتين في جوهرهما, بالإضافة لتأويل كثير من الآيات الكتابية بما يتناسب ومصلحة زعماء الطوائف والمذاهب, وكيف لا وهم يعلمون ما للعامل الديني من وقع في نفوس الناس. دعونا أحياناً نقلب الأشياء ونفكر بها فقد نجد ما يصعب علينا فهمه والاقتناع به.

إنّ الدستور اللبناني وقوانينه الطائفية ليس كما يُخيل للبعض أو ليس كما يريد زعماء الطائفية أن يُقنعوا بها تابعيهم بأنه اللباس المناسب للبنان نظراً لتعدد طوائفه ومذاهبه... الخ. فالقانون الطائفي الذي يسير عليه لبنان واللبنانيون ما هو إلا استكمال واستمرار للمشروع الاستعماري المتهود في منطقتنا ووطننا, مشروع سايكس بيكو ووعد بلفور. وكما ترون في كل مرة أنّ الرابح الأول والأخير في لبنان هو مشروع سايكس بيكو الاستعماري, في حين أنّ اللبنانيين يُخيل لهم أو يحاول أسيادهم من زعماء الطائفية والإقطاع السياسي أن يُقنعوهم أنهم هم الفائزون وأنهم سائرون في طريق بناء لبنان العظيم الديمقراطي !!.

قبل عدة أيام تمّ تجديد الولاء والوفاء لسايكس بيكو والغرب الاستعماري وليس للبنان كما يظن الكثير من اللبنانيين، أو كما يُقٌال لهم, و سيستمر تجديد الولاء والوفاء لأربع سنوات أخرى حتى يأتي الاستفتاء لولاء جديد وطبعاً لغير لبنان. أربع سنوات أخرى سيستمر خلالها التكريس الطائفي والمذهبي والعائلي والجميع سينادي في نفس الوقت بلبنان الموحد, لبنان العروبة, لبنان الديمقراطي, لبنان.... الخ. وأكثرهم يكذبون إذا لم نقل كلهم.. أربع سنوات أخرى وستستمر المصالحات هنا وهنا وسيستمر التراضي هنا وهناك, وبالنهاية لن يُصالح أحد لبنان, وسيبقى غريباً عنهم !!. أربع سنوات أخرى والزعماء والطائفيين والمذهبيين والعشائريين سينعمون بما قدمته لهم سايكس بيكو وما أعطاهم الاستعمار الغربي والاحتلال العثماني, وسيُصلّون لهم صلوات الشكر والامتنان, مدّعين أمام الناظر لهم أنّ صلاتهم لأجل لبنان ولبناء لبنان ولحياة لبنان !!!.

إلى ماذا ترنو عيون الشرفاء في لبنان ؟ وبماذا يًفكرون ؟. فلقد مات لبنان في هذا الاستفتاء كما مات في الاستفتاءات التي قبله أمام أعينهم. وسنُركز على هذا الاستفتاء لأنه قُتِل هنا مرتين :

القتل الأول جاء بعد تفوق الولاء الطائفي والمذهبي والعشائري والخارجي على الولاء للبنان, وجاء القتل الثاني له وبصورة سريعة جداً لأنّ موته الأول جاء مُرحّب به من عدونا الأول, عدو لبنان والشام... عدو الأمة السورية خصوصاً والعالم العربي عموماً. لقد جاء مُرحّباً به من قبل اليهود, وما أدراك ما اليهود ؟.

لقد جاء مُرحّباً به من كل طامع بهذه الأمة , من أحفاد سايكس وبيكو. جاء مرحبا به من أشد أعوان اليهود علينا، جاء الترحيب من النظام المصري و السعودي.

ألا يُثير دهشتكم هذا الترحيب من هذه المجموعة ؟, هذا الترحيب والتهليل المنظم والمتقن على صُحفهم وبقية وسائل إعلامهم. ألا يُثير فكركم ومنطقكم لماذا بالضبط مشاركة هذه المجموعة في جنازة لبنان ؟.

أين أنتم أيها العقلاء في الكيان اللبناني ؟, هل تسمعون ؟, هل تشاهدون ؟.

أيها الشرفاء ... أيها الأحرار .... هل ستنتظرون أربع سنوات أخرى ؟. لماذا ..؟ هل تريدون مُجدداُ قتل لبنان ؟.

عندما كان لبنان تلك الأرض "الفينيقية", لم يكن هناك مسيحي ولا مُحمدي, لم يكن هناك مذاهب وعشائر. ولقد رحل الفينيقيون الأوائل أجدادنا، ولكنهم ظلوا إلى الآن يتلقون احترام الأمم والحضارات الأخرى. أتدرون لماذا ؟ لأنهم كانوا يؤمنون بأرضهم وروحهم هذا الإيمان الذي أنتج أعظم الحضارات في تاريخ البشرية , وبناء على هذا الأيمان بقي لبنان إلى الآن حاضراً بين الشعوب الأخرى, هذا ما أورثكم إياه أجدادكم الفينيقيين, والآن ماذا ستورثون أنتم لأبنائكم وأحفادكم ؟.

أيها الشرفاء اللبنانيين:

لقد ضاق جداً ثوب الطائفية عليكم وبدأت تظهر فيه تشققات أبرزت عوراتكم للشعوب الأخرى, لذلك آن الأوان لكي تمزقوا هذا الثوب الطائفي المذهبي العشائري، وتستبدلوه بثوب يليق بكم وبحضارة أمتكم السورية.لقد آن الأوان لكم أن تتحرروا من سُجّانكم, قذارة الاحتلال العثماني والاستعمار الغربي, مخاض وعد بلفور و سايكس بيكو.

أيها العقلاء:

لقد كان لبنان منبعاً للأدباء والفلاسفة والمفكرين والرجال العظام, ومنه ظهرت أولى حركات المقاومة في وجه اليهود. والآن ماذا يظهر من لبنان ؟ يظهر المجرمين, والرجال الطائفيين, والمذهبيين والساذجين, ويظهر كل من لا يليق بلبنان أن يكون فيه, ولا يليق بهم أن يكونوا أبناء له وللحياة العزيزة فيه, لا يليق به أن يكونوا أحفاداً لتاريخه وحضارته وورثة لأرضه. لا يليق بهم أن يكونوا حقيقته, وروح أمته.

 أيها الشرفاء: آن الأوان للفظهم ومحاسبتهم  ليعيش لبنان مجدداً حراً وواحداً لا خمسين لبناناً.

 

 * محرر في موقع أوروك الجديدة

[email protected]

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1085  الاحد 21/06/2009)

 

 

في المثقف اليوم