أقلام حرة

من يخشى من الغرب والاتجاهات الغربية / صالح الرزوق

عند احتمال تحويل تركيا إلى صورة من ماليزيا هم في الواقع خائفون على نحو أعمق من (غربنة) تركيا. ويجب أن نلاحظ أنه في وسط هذه التحولات التاريخية، إن المؤيدين والمعارضين للغرب والاتجاهات الغربية، قد تعرضوا لتبديل في مواقعهم داخل تركيا. ولذلك من المستحيل أن تفهم من يمثل السياسة التركية. بتبني تحليل تاريخي، تبدو النخبة الكمالية القديمة بصورة ميالين للغرب، والقوى المحافظة في المحيط بصورة المعادي للميول الغربية. ولكن ها إن الصورة التاريخية قد انعكست في السنوات الأخيرة، وذلك بسبب ديناميكية ليس لها كوابح أطلقت سراحها السياسات الأوروبية.

إن الإصلاحات السياسية التي تطلبها استراتيجية التقارب مع أوروبا قد دقت جرس الإنذار عند النخبة الكمالية المسنة. وتتضمن القناعات بخصوص تلبية الشروط التي تضعها أوروبا الموحدة إعادة بناء لعلاقات المجتمع مع الدولة وذلك من ناحية الطرف الأول، وهذا سوف يخاطر بجميع الميزات المتاحة للمؤيدين لإيديولوجيا الدولة . وهذا يفرض على النخبة الكمالية المؤيدة للغرب أن تتعامل معها بعين الشك سواء فيما يتعلق بظروف الانضمام لأوروبا الموحدة أو دواعي (الغربنة). وهنا كانت العناصر السياسية والاجتماعية للغربنة، والتي ستتعمق من خلال العضوية بأوروبا الموحدة، موضع تمحيص وقلق على يد النظام الذي يعرّف نفسه من خلال ثقافة سياسية متجانسة ومركزية وحذرة.

إن النخبة الكمالية القديمة، ولأنها تعتقد أن الغرب يتآمر ضد سلامة الأراضي التركية، يذكر باستمرار باتفاقية سيفريس، وهي الاتفافقية التي بموجبها قسمت تركيا بعد الحرب العالمية 1، وذلك كلما أخذ الغرب موقفا نقديا من حقوق الإنسان والمسألة الكردية.

و قد ساهم ذلك في النظر إلى عضوية الاتحاد الأوروبي وكأنها مؤامرة سوف تفرض شروطا غير مقبولة فيما يتعلق بموضوع قبرص وموضوع الأكراد والإدعاءات الأرمنية.

و نتيجة ذلك إن موضوع عضوية الاتحاد الأوروبي، في مرحلة ما بعد هلسنكي، لم يتعرض للمساءلة على يد النخبة الكمالية القديمة والتي لها تمثيل قوي في جهاز الدولة، ولكن أيضا وبشكل جوهري من خلال دوائر القوى المدنية والتي تنظر لهذه المسألة كفرصة تاريخية ستساهم في السيطرة على العناصر المتسلطة التي تعمل من ضمن الدولة.

و من هنا، إن هذه القوى المحيطية في الاقتصاد والسياسة التركيين قد انتقلت لموقع قبول مبدأ (الغربنة). وهي الآن تتحرك نحو مسألة عضوية أوروبا الموحدة، وتضغط باتجاه النهاية المنطقية المرسومة لها : تشكيل ديمقراطية ليبرالية. إن الغاية من الغربنة، وهذا يحصل لأول مرة في التاريخ، قد بدأت بالتحرك بفعل قوى اجتماعية واقتصادية مجال عملها هو البنية التحتية.

و بناء عليه، إنه من داخل سياق أوروبا الموحدة شرعت الأطراف المحافظة بالنظر إلى عملية مشروع الغربنة بطريقة مختلفة : فهي ليست بعد الآن أسلوبا للتحكم بالمتطلبات الإجتماعية والاقتصادية للأطراف، وليست بعد الآن آلية لإقصاء الأطراف أمام النخبة الكمالية المسنة. بالعكس، إن الغربنة قد تحولت إلى ميكانيزم من خلاله يمكن للدولة، بسلطتها وبقوة نخبتها، أن تكون تحت مراقبة وسيطرة عموم أفراد الشعب. وهكذا، إن الغربنة الآن كما تعرّف بمصطلحات العضوية في أوروبا الموحدة تتطلب مضمونا مدنيا وديمقراطيا يقف ضد الميول والنزعات التسلطية التي تمثلها نخبة الدولة، والتي بدأت بالغربنة من الأعلى إلى الأسفل منذ حوالي قرن سلف. ولذلك، من خلال الإنضمام للمجتمع الأوروبي، إن نمط الغربنة النخبوي قد استبدل بغربنة ديمقراطية. ومن هنا، تقف الغربنة لأول مرة في تاريخ تركيا على قدميها بمواجهة الانضمام للمجتمع الأوروبي، فهي تقدم الحافز لإعادة التفكير بالغرب وبالميول الغربية من قبل النخبة الكمالية / والعاملين بالدولة للتخلي عن الغرب ومثاليات الاندفاع إلى أحضانه، ومن قبل القوى المحيطية التي ترحب بالغربنة كوسيلة ديمقراطية و" شعبية " ذات أفق مختلف وجديد.

و إن نجاح حزب العدالة والتنمية ( A K )، مع غيره، يعود لقدرته على حمل مفهوم الغربنة وفق حدوده ومصطلحاته المتمثلة بالعضوية لأوروبا الموحدة، وهذا شيء نتوقع له أن يوسع من إمكانيات تحرير عامة الشعب مقابل الدولة. وهو بمقدوره أيضا، أن يفسر حقيقة أنه خلال السنوات الخمسة الأخيرة، كان التأييد للعضوية في أوروبا الموحدة يأتي من العمق الداعم لحزب (A K )، وهو شيء كان باستمرار أعلى من المعدلات المعروفة في تركيا.

إن عملية الاتجاه لأحضان أوروبا قد خدمت كحافز لإعادة تشكيل المواقف السياسية في تركيا، حيث أن الكماليين، أنصار الغرب التقليديين، يبرزون كمعارضين لعضوية أوروبا وللميول الغربية، بينما المحافظون المتشككون بالغرب منذ الأزل، تحولوا إلى مدافعين عن الميول الغربية.

إن تركيا تتجه، بسبب قوة دفع الكتل في المحيط، وبسبب الجاذبية الديناميكية للعولمة، نحو أوروبا، وليس آسيا.

 

......................

المصدر:

Who Is Afraid Of The West And Westernization ?. by : Ihsan Dagi . in : Turkey Between Democracy And Militarism – Post Kemalist Perspectives.. Orion publication. 2008 . Ankara. ISBN : 978 – 9944 – 769 – 19 – 8 . p.p. 59 – 62 .

 

تموز 2010

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1468 الاحد 25/07/2010)

 

في المثقف اليوم