أقلام حرة

رسالةٌ موجَّهةٌ إلى مجلس محافظة كربلاء والمحافظ ونائبيه / باسم الماضي الحسناويّ

قد يقال إنك نجفيّ، ولا علاقة لك بما يدور في كربلاء، فهذا تدخُّلٌ سافرٌ من كاتبٍ غير مهذَّب، يحاول أن يثير القلاقل في محافظاتٍ لا تعنيه في شيءٍ، لأنه بعيدٌ عنها بعشرات الأميال، ولا يعيش تحت وطأة ظروفها واشتراطاتها القانونية والإدارية في جميع الأحوال.

والجواب:

أوَّلاً: إني من قبيلة بني حسن، وهي قبيلةٌ تمتدُّ أراضيها من مركز كربلاء حتى نهاية قضاء طويريج، مضافاً إلى أعدادهم التي تسكن في الأحياء، كما إنَّ نصف عائلتي تعيش هناك.

ثانياً: إني كاتبٌ وشاعرٌ عراقيّ، ولا أعترف بهذه التقسيمات الإدارية في حالة تعرُّض قسمٍ من شعبي إلى الظلم والإضطهاد في أيِّ مكانٍ من العراق، وقد تدخَّلت بالشأن البصريِّ من هذا المنطلق.

ثالثاً: إنَّ محاربة الظلم في أيِّ مكانٍ من الدنيا، حتى خارج العراق، من مسؤوليات المثقف الرساليّ، فلو فرضنا أنَّ طائفةً من الناس تتعرَّض إلى الظلم في الصومال أو في إنكلترا أو في أمريكا، أو في أيِّ مكانٍ آخر، فإنَّ من مسؤوليتي أن أوظف كتاباتي لنصرتهم وإنصافهم، حتى لو لم يفهم نبل دوافعي هذه التافهون من رجال السلطة وأعوانهم في كافة أرجاء العراق.

عموماً، أنا معنيٌّ بالشأن الكربلائيِّ منذ هذه اللحظة، فلا يستغرب المحافظ ونائباه وأعضاء مجلس المحافظة في كربلاء أن أوجه إليهم كلماتي بعد الآن، لأني رأيت بأمِّ عيني كيف يُظلم الناس هناك، وقد حدثني بعضهم لأكتب عن معاناتهم في موقع كتابات، وأنا أتشرف طبعاً بأن أقوم بهذه المهمة.

وبما أنَّ هذه هي المقالة الأولى التي أتناول فيها الأوضاع في كربلاء، فإني سأكتب بأسلوبٍ غير صادمٍ، وسأكون رقيقاً بما يكفي، بانتظار أن أسمع ردَّ المسؤولين على ذلك هنا في موقع كتابات، فإذا لم أجد صدىً إيجابياً لما سوف أطرحه من الإشكاليات، فإني سأكتب بأسلوبٍ آخر، وسألجأ إلى وسائل احتجاجيةٍ ربما تصل إلى مستوى الإعداد للمظاهرات في كربلاء، فلقد بلغ السيل الزبى كما يقال، ولا يمكن للشرفاء أن يدعوا تلك العوائل المهجَّرة والمنكوبة تُهدم البيوت على رؤوسهم وهم صامتون، فذلك لعمري غاية ما يكون عليه المثقَّف من الدناءة لو أنه شاهد كلَّ تلك المظلوميات ورضي عنها، أو لجأ إلى الصمت وكان الأمر لا يعنيه من الزاوية الإنسانية والدينية والوطنية.

في كلِّ يومٍ يُهدِّد مجلس محافظة كربلاء سكان التجاوز، ويأمرونهم بالرحيل، لا أعلم إلى أين، ربما أمروهم بالرحيل إلى جيبوتي أو إلى الصومال أو إلى إسرائيل أو إلى القمر أو إلى زحل أو إلى المرِّيخ.

كم أضحك إذ أذهب إلى محافظة كربلاء، وأنا كثير الذهاب إلى هناك في العادة، إذ أرى أحداً من المسؤولين يفخر بأنَّ المسؤولين تمكنوا من إنشاء ذلك الجسر البائس، حتى لكأنه يعدُّه إحدى المعجزات، وإذ أقلِّب نظري ذات اليمين وذات الشمال أرى الشوارع المنهكة المليئة بالمطبات، على الرغم من أنها شوارع رئيسيةٌ تؤدي إلى الحرمين المقدسين، وأرى كذلك مئات الآلاف من العاطلين عن العمل، وأرى النساء الأرامل يتجوَّلن بين المزابل بحثاً عن بقايا الطعام من موائد الأغنياء، وأرى البيوت الشامخة والقصور الفارهة للمسؤولين في المحافظة، ومن التافهين الذين يتحلقون حول المالكيِّ في مكتب رئاسته غير الموقر، وأرى ما لا نهاية له من التجاوزات على حقوق الإنسان، حيث ارتكبها التافهون في أجهزة الأمن المالكية ضدَّ الأبرياء من أبناء كربلاء، حيث تدلُّ مئات الشواهد المسموعة والمرئية على ذلك.

ثمَّ ماذا، ثمَّ أرى رجال الدين في تلك المحافظة -اللهمَّ إلا آية الله المدرسيّ- إذ شاهدته في التلفاز يتحدث عن تفاهة المسؤولين هناك، لا يحركون ساكناً، بل لا يوجهون نقداً كلامياً بسيطاً إلى هؤلاء، بل أعلم من خلال عشرات الشواهد أنهم يستغلون أولئك التافهين في قضاء حوائجهم الشخصية، ضاربين بمصالح الناس وضرورة أن ينطقوا باسم معاناتهم عرض الجدار.

نعم، أستثني كذلك سماحة الشيخ صادق الحسناويّ، فلقد سمعت صوته وأنا أتمشى في شوارع المدينة، وهو يندِّد باعتداء الحكومة المحلية في كربلاء على سكان التجاوز، وقال فيما قال وفق ما أتذكَّر:

1-   إنَّ هؤلاء الذين يسمونهم بسكان التجاوز، لهم المنة الكبيرة على الدولة المركزية والحكومة المحلية، إذ رفعوا عنهم عبء القيام بالمسؤلية، فبنوا لأنفسهم جحوراً مثل جحور الضباب والفئران فسكنوا فيها، بينما كان على الدولة واجب توفير السكن لهم، بل إنَّ عليها أن تتحمَّل تبعات زواج أيِّ مواطنٍ عراقيّ، وعليها كذلك أن تضمن له المستوى الأدنى من الحياة الكريمة في الأقلّ.

2-   إنَّ المتجاوزين هم أعضاء الحكومة كلها، لأنهم ينهبون ثروات العراق ويستأثرون بها، في حين يعيش ثلاثة أرباع الشعب العراقيِّ تحت خطِّ الفقر. فهم المتجاوزون في الحقيقة على الله والرسول وآل البيت، وعلى الشعب العراقيِّ تبعاً لذلك.

نعم، أستثنيه هو أيضاً، وأعلِّق التهمة في أعناق كلِّ رجال الدين في المحافظة بعد ذلك، فإنهم لم يقوموا بواجبهم الدينيِّ والوطنيِّ تجاه هؤلاء المساكين على الإطلاق.

كيف ينام رجال الدين هؤلاء هانئين جنب زوجاتهم، وبالقرب من أولادهم وأحفادهم، في بيوتهم الفارهة غالباً، وهم يشاهدون بأمِّ أعينهم بلدوزرات الحكومة المحلية في كربلاء تهدم مئتي بيتٍ على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ المسنين في وضح النهار؟.

هل يحقُّ لهؤلاء أن يطالبوا الناس بالصلاة خلفهم في الجماعات، فأنا أعتبرهم فاقدين للعدالة الواجب توفُّرها عند رجل الدين لكي يكون خليقاً بإمامة الناس في الصلاة، وعلى هذا الأساس، فأنا أقرِّر أن أصلي منفرداً في الحرمين المقدَّسين كلما قمت بالزيارة، كما سأتجنب أن أصلي مأموماً في كلِّ مساجد المدينة، حتى أراهم يقوموا بواجبهم في التصدي للحكومة المحلية، ومنعهم من أن يقوموا بهذه الجرائم كلَّ يومٍ بحقِّ هذه العوائل المنكوبة، ولا يهمني إطلاقاً أن يكونوا مقدَّسين في نظر الآخرين.

قلت مراراً إنَّ رجل الدين يمثل المثابة الأخيرة للطبقات المتعبة في عراقنا البرجوازيِّ الجديد، فإذا لم يتنبه إلى دوره هذا ولم يقم بأعبائه كان حقيقاً على المثقف أن يستهزئ به في كلِّ مناسبة، لكي يحثه على القيام بهذا الدور الرساليِّ الخطير.

ترى ما هي الحجج التي يتذرَّع بها التافهون في مجلس محافظة كربلاء، مضافاً إلى برجوازييهم الآخرين، المحافظ ونائبيه، ليبرروا عملية الإعتداء على هذه العوائل المنهكة.

الذريعة الأولى: الحفاظ على  جمال المدينة المقدَّسة

أسالكم بالله أيها البرجوازيون الحقراء، هل كانت كربلاء مقدَّسةً إلا بسبب الحسين عليه السلام، فماذا تقدِّرون في أنفسكم لو عاد الحسين، هل كان يوافقكم على هذا الصنيع، أم كان ينصحكم، فإن أبيتم النصح، خرج عليكم شاهراً سيفه دفاعاً عن إنسانية هؤلاء المساكين، ولكنكم قومٌ أبى الله إلا أن يخزيهم في الدنيا والآخرة، فاضطررتم باسم الماضي الحسناويّ إلى أن يقوم بسبِّكم علناً في موقع كتابات.

المهمّ هو الحفاظ على الإنسان أيها الأغبياء المسلَّطون على رقاب الناس في كربلاء، وليس الحفاظ على جمال المدينة بالعمارات الشاهقة التي يملكها الأرستقراطيون منكم ومن أقربائكم ومن متملِّقيكم، ومن دافعي الرشاوى الحرام لجموعكم المستهترة في المحافظة.

الذريعة الثانية: عائدية هذه الأراضي إلى الدولة

ومن أنكر أنَّ الأرض عائدةٌ إلى الدولة أصلاً؟ ولكنَّ الدولة إنما هي في خدمة الناس دائماً، بل هي مسؤولةٌ عنهم مسؤوليةً مباشرةً، فما المانع من أن يسكن هؤلاء في هذه الأراضي ريثما تتهيأ للدولة إمكانية أن تمنحهم المعونات، وريثما تتمكن من تقليص حجم البطالة القاتل في العراق، وريثما توزع لهم قطع الأراضي اللازمة للبناء والسكن في مناطق معقولةٍ، وليس في مناطق محاذيةٍ للإتحاد السوفيتيّ أو السعودية أو أفغانستان.

الذريعة الثالثة: حاجة مجلس المحافظة لهذه الأراضي من أجل إقامة المشاريع المستقبلية

من يقرأ هذا الكلام يتصوَّر أنَّ العراق قائمٌ على قدمٍ وساقٍ من أجل الإعمار، وواحسرتاه أين هو الإعمار، نعم هناك إعمارٌ تقوم به الدولة للمسؤولين، فهم لا ينفكون عن البناء مطلقاً، بل إنهم في حركةٍ دائبةٍ من أجل بناء العمارات والفنادق الفارهة للإستثمار.

ليس هذا فقط، فأنا أقرأ في إعلام مجلس المحافظة أنَّ لديها خمسين مليون مشروعٍ لم تنفذ منه سوى مشروعٍ واحدٍ هو مشروع بناء الجسر البائس لعنه الله، أما المشاريع المليونية الأخرى فربما قام الملأ في السماء الأولى ببناء بعضها على المريخ بأمرٍ من السيد المحافظ، وبدعاءٍ من المعممين الذين يتلقون منه المساعدات، فليدع السيد المحافظ هذه المعزوفة رجاءً لأنها لم تعد قادرةً على إطراب أحدٍ على الإطلاق.

المهمّ، لا أشاء أن أطيل في هذا المقال، فأنا معروفٌ بإصراري وإزعاجي لجميع مجالس المحافظات في العالم، ولهذا فإني أكتفي بهذا المقدار من التنبيه، أما بعد ذلك فسأجعل الأخ أياد الزامليّ يلعن اليوم الذي سمح لي فيه بالنشر في موقعه الكريم هذا، لأني سأوجه المقالات المزدوجة تباعاً للتنديد بمجلس محافظة كربلاء، من دون أن أشعر بالملل أو الكلل أو التعب أو النصب أو الخوف أو ما إلى ذلك من العوارض التي تصيب غيري في العادة، والله من وراء القصد.

 

 [email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1471 الاربعاء 28/07/2010)

 

 

في المثقف اليوم