أقلام حرة

غورنيكـا.. عراقيـة! / قاسم حسين صالح

 (حلم فرانكو وسقوطه) يحتوي ثمانية عشر رسما" محفورا" بالمعدن تصور قسوة وعنف الحرب الأهلية. وحين ضربت مدينة (الجورنيكا) في نيسان 1937 بطائرات هتلر خدمة للجنرال فرانكو، كان قصفها بالنسبة لبيكاسو اكثر من تهديد واعتداء على اسبانيا. كان يراه عدوانا" همجيا ضد الانسانية التي وظّف فنّه للدفاع عنها. فهو لم يصور في (الغورنيكا) حادثة فردية تتعلق بقصف مدينة، بل احتجاجا على مستوى عالمي ضد فضائع الحرب وفواجعها التي جسدتها وجوه ملتويه وافواه فاغره باللعنة وحصان يصهل من شدة الفزع وامرأة تحمل طفلها الميت وثانية شاردة من بيتها المشتعل نارا" وأخرى تستفزك وتثير حميتك في انفعال يجسد تعرضها للاضطهاد والعدوان بتخطيطات حادة كالسيف!.ومن المفارقات أن بيكاسو كان يتصدر قائمة الفنانين الذين وصفهم هتلر بالانحطاط..وحين زاره مندوب هتلر في باريس وشاهد لوحة الغورنيكا، اندهش لما رأى فقال لبيكاسو:أهو أنت الذي صنعت ذلك؟ فأجابه على الفور:كلا بل أنتم الذين صنعتموه!.

  ومن اسبانيا ايضا رسم الفنان (غويا) لوحته الثورية (3 مايس1808) يصور فيها مذبحة حقيقية ارتكبها القائد الفرنسي (مورات) حين جوبه دخوله مدريد محتّلا بتظاهرات صاخبة في الشوارع فأمر باعدام مئات من المتظاهرين الاسبان في 3 مايس، سجّل فيها احتجاجه بلوحة عاطفية مثيرة، رسم فيها مشهد الاعدام ليلا يعكس منظره الفضيع ضوء مصباح على الضحية ودماء تلون الأرض بالأحمر القاني..مع أنه كان لا يفهم ما يجري من حوله لكونه كان يعاني من الصمم التام!.

ما يثير التساؤل، أن لدينا فنانين كبار، والفن التشكيلي العراقي عبر الحدود العالمية، وأن وطننا شهد أحداثا وفواجع في زمن الطاغية صدام أقسى وأكثر وأشمل من تلك التي ارتكبها سلفه الطاغية فرانكو.وأن عديد الضحايا في الاحتراب الطائفي بعد التغيير بلغ أكثر من مائة ضحية في اليوم الواحد وبأساليب قتل بشعة، مما يستوجب تسجيلها بأصدق الفنون تعبيرا وأبقاها زمنا..فالتصوير على امتداد تاريخ الفن هو تعبير عن الأحداث التي وقعت للشعوب وتجسيد لوجدانها بدءا من الفن البدائي وما يتضمنه من رموز وطلاسم ومجهول وسحر..الى تصوير الحضارات كما في الفن المصري الفرعوني والفن البابلي..فلولا تلك المنجزات لضاع الكثير من تاريخ العراق القديم وتاريخ الشعوب.

 والمؤسف أن الأحزاب والكتل السياسية صارت تتسابق على تسمية شوارع المدن بأسماء شهدائها، تكون الغلبة فيها لمن يمتلك مقاعد اكثر في مجلس المحافظة..دون أن ينتبهوا الى أن "فائز" اليوم هو "خاسر" غدا مما يعني استبدال أسماء الشوارع في عملية ديمقراطية مستمرة!تولّد الكراهية..فضلا عن تجاهل شهداء ليس لهم ممثلون في الحكومات المحلية..مع أنهم حاضرون في ذاكرة الشعب!.

 ان لدينا أكثر من جورنيكا عراقية ومئات المشاهد من 3 مايو عربية وكوردية ينبغي على وزارة الثقافة وامانة بغداد ومجالس المحافظات توجيه دعوات للفنانين العراقيين في الداخل والخارج لتسجيل تاريخ العراق الحديث في نصب ولوحات هي الأصدق والأبلغ، ليس بهدف التذكير بفواجع العراقيين، بل ايصال رسالة يومية للأجيال تدين الحروب وتدعو لثقافة السلام..فهل هم فاعلون؟!   

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1471 الاربعاء 28/07/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم