أقلام حرة

حب ّ الجزائر .. / أبو زكريا

ومن يتعمق في تاريخ الجزائر وراهنها يكتشف أنّ هذه البلاد كانت على مدى حركة التاريخ البشري مسقط رأس وموطئ قدم الثائرين والأحرار والفاتحين والفلاسفة والمفكرين والنحاة والمفسرين والفقهاء والبلغاء والشعراء والموسيقيين والمؤرخين والسياسيين والمصلحين والفلكيين وعلماء الفلك والرياضيات، ولم يتح التنوع الحضاري والإرث الفكري لأمة مثلما أتيح للجزائر ..

وعلى الرغم من أنّ الحركة الإستعمارية الفرنسية سعت لإستئصال الإرث الفكري والحضاري الجزائري والتعويض عنه بثقافة كولونيالية جديدة على قاعدة التبعية المطلقة للمحتل، إلاّ أن كل المحاولات الإستعمارية الفرنسية باءت بالفشل الذريع والإنكسار المريع أسوة بالحركات الإستعمارية الغربية السابقة التي حاولت سرقة الجزائر من تاريخها وأصالتها وإفراغها من وقودها الحضاري والفكري ..

و الثورات والإنتفاضات الجزائرية على إمتداد سنوات إرادة فرض الهيمنة الغربية على الجزائر لم تكن بدافع الحفاظ على الجزائر في بعدها الجغرافي وإن كان ذلك مطلوبا والأرض كالعرض من لم ينافح عنها لم ينافح عن عرضه، لكن هذه الثورات والإنتفاضات الجزائرية كانت تهدف إلى الذوذ عن الوقود الحضاري والثقافي والإرث المعرفي الجزائري وهو الأمر الذي جعل رجلا في قامة رائد الإصلاح الجزائري عبد الحميد بن باديس يرد على الحاكم الفرنسي في الجزائر عندما طلب منه إصدار بيان لدعم فرنسا في حربها مع الألمان بقوله :

و الله لو طلبت مني فرنسا أن أقول لا إله إلاّ الله لما قلتها ..

وقد ساهمت الثورة الجزائرية المقدسة في الإرتفاع بمكانة الجزائر إلى أعلى المستويات الدولية والجماهيرية، حتى أصبحت الجزائر كعبة للأحرار وصانعة لمسارات التحرير وداعمة لكل الراغبين في الإنعتاق من الظلم والطغيان، وقد أدّى طرفا المعادلة ثروة الفكر  وثورة التحرير إلى نتيجة حتمية مفادها أنّ الجزائر ذات خصوصية لا تتوفر في كثير من الأمم والشعوب، وقد أوجد الله الجزائر لتكون عملاقة رائدة ثائرة حضارية من البداية ..

و من هذا المنطلق على الأجيال الجزائرية والشباب الجزائري على وجه التحديد أن يعي أن الجزائر ليست مجرّد موقع جغرافي يمتدّ من نقطة إلى أخرى، وأن العلاقة مع هذا الموقع يجب أن تكون علاقة عابر السبيل بالمحطات التي يعبرها ..

إن حب وتقديس الجزائر وإدراك رمزية الجزائر وما تتضمنه من عناصر قوة ومكونات حضارية وإرث ثقافي وفكري هو المنطق لتأسيس الدولة القوية الناهضة، وقوة الجزائر والتمكين لها هو واجب كل الجزائريين، فالجيل الذي عاش عهد الثورة الجزائرية المقدسة يجب أن يروي لأجيال الإستقلال حكاية الثورة في كل مراحلها وصيرورتها وأن يورّث تفاصيل التفاصيل المتعلقة بهذه الثورة، التفاصيل المتعلقة بأبطالها ورجالها الذين كانوا عندما يقتادون إلى ساحات الإعدام يصرخون " الله أكبر، تحيا الجزائر "، والتفاصيل المتعلقة بنساء الثورة الجزائرية اللائي تركن الأنوثة جانبا  وقدن فيالق الجهاد والنضال، يجب على الجزائريين أن يعيدوا قراءة تاريخهم وثورتهم المجيدة، وعنفوان وكبرياء مجاهدينا .

وعلى وزارة الثقافة والإعلام ومؤسسات الدولة الجزائرية أن تحولّ كل هذا الإرث الحضاري والفكري والثوري إلى مسلسلات درامية وأعمال تلفزيونية وأفلام وثائقية وروايات ومسرح وأشعار وأناشيد وأغاني وفن هادف ولوحات تشكيلية ...لأنّ تشبّع أجيال الجزائر بالقيم الوطنية وحب وتقديس الجزائر سيكون مدماك النهضة الجزائرية المرتقبة، وعلى الجزائريين في كل مواقعهم وبكل إختصاصاتهم أن يبادروا إلى نشر ثقافة حبّ الجزائر وتقديسها، فالمثقفون يجب أن تتمحور نتاجاتهم الفكرية والإبداعية حول الجزائر، والعمال في المصانع يجب أن يتألقوا في تجويد أعمالهم، والطلاب والطالبات يجب أن يؤمنوا بأن العلم ثم العلم ثم العلم هو السبيل للنهوض بالجزائر والحفاظ على إرثها ووقودها الحضاري، وعلى القوى السياسية أن تؤمن بأن الحوار والنقاش هو المظلة التي يجب أن يلتقي الجزائريون تحتها، وعلى دوائر القرار أن تجعل من العدل والأمن الإجتماعي والثقافي والإقتصادي من الثوابت السياسية والسيادية ويجب تخصيص بعض من  ريع الموارد الطبيعية  للفقراء والمحتاجين ومساعدة البطالين في إيجاد مناصب شغل، ويجب قطع كل يد تمتد إلى أقوات الجزائريين وثروات أجيال الجزائر، فالجميع يجب أن يكون أمينا على الجزائر وخيراتها وموروثها الثقافي، وقبل أن نبني الجزائر يجب أن نحبها ونقدسها ونفهم من تكون، ونعرف تاريخها ودور رجالها السابقين واللاحقين .

فلنجعل من حبّ الجزائر وتقديسها منطلقا لكل أعمالنا ونتاجاتنا ومشاريعنا، فالجزائر ليست مجرد موقع جغرافي بل هي الجامعة والقدوة والرمز والشعلة والخطّ الأحمر ووطن المعجزات ...

 

يحيى أبوزكريا

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1473 الجمعة 30/07/2010)

 

في المثقف اليوم