أقلام حرة

متى نلمس دور المثقف الحاسم في حل الازمة العراقية الراهنة؟ / عماد علي

وكلما كانت نسبتهم ومستواهم عاليا كان لهم الدور الابرز في تحسين امور حياةشعوب تلك المنطقة التي يؤثرون عليها ومن ثم وفي اكثر الاحيان على العالم اجمع، والنهضات العديدة التي حصلت في مراحل التاريخ المتعاقبة شاهد على ما نقول،ومنذ عهود غابرة ولحد هذا اليوم الذي اصبحت لهم الكلمة الفصل في تسييركافة مفاصل الحياة العامة للشعوب كافة ومن خلال طرق مختلفة،  واكثر من قبل، ولولا نتاجاتهم المادية والمعنوية ومواقفهم وتاثيراتهم المباشرة على الجميع لما وصلنا لعصر الحداثة والتقدم وما نراه من العولمة وما نحس به ممابعد الحداثة وننتظر منه الاكثر، وخاصة في الدول المتقدمة التي لهم الراي والكلمة والموقف العالي التاثير. وهذا لا يعني انهم كانوا مكتوفي الايدي في البلدان النامية وفي العالم الثالث، بل هم ادوا ادوارهم الصعبة في هذه المناطق ودفعوا بمسار حياة شعوبهم نحو الامام وخاصة في المراحل والظروف الحرجة التي تحتاج اية بقعة تمر بها لكافة الفئات والشرائح والمكونات، وما مطلوب منهم ان تكون لهم الايدي الفعالة والقول والموقف والفعل اللازم لضمان المصالح العامة للشعب، واسناد الجانب الخير دائما كما هو شيمتهم، و منع الانحرافات وخاصة السياسية، فان كانت المستندات والركائز الاساسية للساسة هي المصالح الذاتية والحزبية المتنوعة وفعل ما يمكن ضمان هذه المصالح  قبل اي شيء اخرفانما المثقف هو المشخص المحايد الحقيقي للعلل الموجودة والمعالج الناجح والمرشد العارف لجميع الفئات، وهذا ما يعتمد على نسبتهم وامكانياتهم ودورهم وكيفية استغلال العقول المتنورة في عملهم، والمستوى الثقافي العام للشعب الساند لهم، والوعي العام الذي يجب ان يتمتع به المجتمع ليستجيب لما ينوي المثقف في تحقيقه من الاهداف الجوهرية الضرورية في المراحل المختلفة والتي هي اصلا لمصلحته، وهذا ينطبق على كافة الاصناف والاختصاصات من الكتٌاب والادباء والشعراء والصحفيين والاكاديميين والطلبة والمعلمين والمهنيين واتحاداتهم من العمال والشرائح الكادحة الناضجة ومنظمات المجتمع المدني، وجميعهم دون اشتثناء.

بعد قراءة الوضع العراقي الراهن وما توصلنا اليه بكل تفاصيله، وبعد تقييم الواقع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والنفسي العام، والتمعن في دور التاريخ ونشاة الفرد، وتحليل الاجواء التي سا ر فيه العراق وما مرَ به، ونظرتهم جميعا الى التغييرات المتلاحقة، يمكننا ان نعول على ما يمكن ان نحصد من تحركه ونستثمر من نتاجات ثقافته ومواقفه ازاء ما يحصل وهو الشريحة المثقفة بشكل عام.

من هذا المنطلق، وبعد قراءة الفترة الكئيبة لما مرت به هذه النخبة، وما حصل من تجريدهم لابسط الخصوصيات ومن ذواتهم وجواهرهم الحقيقية بقوة مفرطة، يمكن ان نستوقف قليلا عند مسيرة حياتهم في العراق ونبين السبب الحقيقي لخمولهم ان صح التعبير لتسمية دورهم، وما حصل لهم طيل تلك الفترة المظلمة نعذرهم احيانا من عدم اكتراثهم بما يجري وفقدانهم للارادة وانشغالهم بالامور الخاصة، وتشاؤمهم من الاوضاع يمكن ان يكون نتيجة طبيعية لما لمسوا من الفوضى والشواذ الحالات وتراجع الوضع المعيشي العام بدلا من الاحلام التي بنيت من حصول التقدم الممكن بعد زوال الكابوس والصنم، فمن جهة اخرى يمكن ان يلاموا ايضا لانهم لو يؤدوا دور الطليعة ويُظهروا قوتهم ويضغطوا بكل السبل على القادة ويخرجوا نسبة معينة من زمام الامور من ايديهم بالاستناد على الشعب كاهم السبل في نجاح اي عمل الذي يهدف الى التقدم العام والنجاح والخروج من الازمات وتحديد الطريق الصحيح لما وصلت الحال الى ما نحن فيه من التعقيد، فلم يفعلوا ما كان الشعب منتظرا منهم فبعد الساة يمكن ان يلوم الشعب النخبة المثقفة التي هي في طليعة التنغيير في كل زمان ومكان.

 من جهة اخرى الصحافة بشكل خاص ودوره المعلوم في كل مكان، لم تكن حرة بمعنى الكلمة، ولحد اليوم منذ التغيير، وهي مدارة وممولة من جهة معينة نظرا للظروف المعلومة . وكيفية الانتقال من الصحافة الحزبية الموجهة بعد التعدد الحاصل وانقضاء مرحلة الصحافة والاعلام للحزب والقائد الاوحد، فانها تعيش اليوم في حالة ذهول وتخبط مستمر ولم تستقر بعد لتؤدي دورها المطلوب المنتظر منها بشكل صحيح كما تفعل في كافة انحاء العالم، بل في اكثر الاحيان هي التي تُعقد الامور من غير قصد او بفعل فاعل خارجي او داخلي مدعوم من جهة خارجية.

لم تكن الصحافة الحرة في هذه الفترة بعد السقوط الا ابواقا لهذا الطرف او ذاك مهما كانت اهدافه، وهي تعمل من اجل ضمان مصالحه ومؤدية للدور المطلوب منها، ولما يهدف الداعم لها ويريد ان يصل اليه العراق،  غير ابه بوظيفة الصحافة والاعلام الحقيقية، لذا لا يمكن الا ان نقيٌم الصحافة كما هي وليس على ما نريد ونتمنى عاطفيا. والا فان وظيفتها الاساسية الحقيقية وهي الاداة الفعالة في اثارة الشعب للتحرك في سبيل وضع الامور في نصابها الصحيح،و لها الدور الحاسم في بناء المجتمع وبناء الضغوطات وفرض ما يمكن تطبيقه للصالح العام على المتنفذين.

لو كان للمثقفين جميعا نسبة ولو قليلة من الراي والمواقف والارادة المطلوبة لاداء دورهم المطلوب لما عشنا لمدة اكثر من خمسة اشهر في فراغ سياسي مكبل ومقيد لكل محاولات التقدم في البلاد، ولما تركت الساحة خالية للساسة ان تلعب كما تشاء وتعمل ما تفكر فيه فقط، وهي تعمل استنادا على وجهة نظر واحدة دون الاخذ بنظر الاعتبار ما يهم الشعب والضرورات قبل اية مصلحة اخرى.

فهنا يمكن ان يُعاتب  ويحسب على المثقف مهما كانت الاسباب التي منعته وحصرته وفرضت عليه عدم الاهتمام واللامبالاة وخلقت امامه السدود وما نبعت من امور كبلت ايديه وقيدته سوى كانت الظروف موضوعية ام ذاتية، فكان بامكانه ولو بحركة مؤثرة مثيرة للشعب ان يفرض كلمته المطلوبة بعد عزم وارادة . فهل ننتظر منه ما يجب ان يفعل، الم يحن الوقت  ام الساسة والاحزاب سائرون في خطاهم دون اي التفات لما يمكن ان تُقدِم عليه النخبة المثقفة بدعم واسناد كافة فئات الشعب، فهل ننتظر سنة اخرى لانبثاق حكومة عراقية جديدة التي تاخرت وشلت حركة الجميع ولم نلمس دور المثقف بعد، فكم ننتظر لتتدخل هذه الشريحة الطليعية الفاعلة للمشاركة في حل الازمة الحالية  كي نامل منها حل امور اصعب قد تواجهنا مستقبلا.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1474 الاحد 01/08/2010)

 

في المثقف اليوم