أقلام حرة

حصوننا الثقافية المدكدكة / يحي أبوزكريا

بإعتبار أنّ القادم المحتّل يفد إلى جغرافيتنا وفي يده صليب ومشروع فكري وثقافي من سنخ المنظومة الفكرية التي ينتمي إليها ويشرع في هدم المقومات الحضارية ومعالم الشخصية الثقافيّة في هذه الأمة وفي تلك، أو يقوم بتحويل المساجد إلى إصطبلات أو كنائس كما فعلت فرنسا الإستعمارية في الجزائر وتونس والمغرب وغيرها . وهذا الهادم الحضاري مكشوف للصغير والكبير ولا تنطلي لعبته لا على خواص الناس من النخب المثقفة ولا على عوام الناس من الفلاحين والحرفيين والبسطاء ولذلك حاربه الجميع، فالثورة الجزائرية وجبال الأوراس في الجزائر جمعت الطبيب إلى جنب الشاعر وإلى جنب الفلاح وراعي الماعز والبطّال والأمي، والأمر عينه ينطبق على الثورة المصرية والفلسطينية والسورية وغيرها من ثورات الإنقضاض على الإستعمال الذي أذلّ بلادنا العربية والإسلامية على مدى قرنين كاملين والذي خرج من قمقمه مجددا من خلال الأمركة الزاحفة إلى حصوننا المدكدكة في العالم العربي والإسلامي .

و لم تنجح الحركة الإستعمارية التي ربضت على مقدراتنا وجغرافيتنا في تحطيم مقومات الشخصية العربية والإسلامية حيث كانت الحيّاة تتجددّ في ينابيع هذه المقومات دوما بل كانت الملاذ الذي حال بيننا وبين السقوط الحضاري المريع،

ويعترف إستراتيجيو الحركات الإستعمارية كديغول في مذكراته وغلوب باشا في مذكراته وغيرهما كثير أنّ الأمة العربية والإسلامية كانت تملك دوما ماء الحياة وهو الإسلام والثقافة التي صاغها الإسلام والتي حالت دون تذويب الشعوب المستعمرة – بفتح الميم  – في الدول المستعمرة -  بكسر الميم -، ولعلّ إستراتيجيي الحركة الإستعمارية قد أدركوا منذ ذلك الوقت أنّ الدبابة وحدها لا تكتفي في إستئصال هذه الأمم من ثقافتها وإدماجها في الثقافة الغازية القوية، فأسسوا مدارس كولونيالية ضموا إليها أبناء الإقطاعيين والمتعاملين مع الحركات الإستعمارية وكونوّهم على أعينهم وزجوا بهم بين أبناء الأمة يروجون لثقافة المستعمر بلسان الأمة المحتلة والمغزوة .

وربما لذلك نجد أنّ أغلب الذين تصدوا للإسلام في راهننا وسبوه وسبوا رسوله وإستهانوا به هم من العرب والمسلمين الذين إحتضنتهم الحضارة الغربية وينتمون إلى حضارة مغايرة وهي حضارة الإسلام إذا جاز هذا التعبير وكلفوا بأداء المهمة من قبيل سلمان رشدي في بريطانيا وتسليمة نسرين التي لجأت إلى وهرسي النائبة الهولندية من أصل صومالي التي سبّت رسول الإسلام في هولندا .

و إذا كانت الأمة العربية والإسلامية قد حسمت موقفها من الحركة الإستعمارية لوضوح نواياها وإفتضاح مشاريعها العدوانية التي تطال الإنسان والكيّان، فإنّها ظلّت محتارة في أمر الأقلية الفكرية التي تتكلم بلسان علي وخالد وعمر وتتبنى فكر جوزيف وبيار وكايم وبيرل وغيرهم .. وهذه الأقلية التي تكتلّت اليوم في إطار ما يعرف بالليبيراليين الجدد تلعب أكبر الأدوار في تحريف الأمة عن مسارها وتسهيل إندماجها الفكري في المنظومة الإستعمارية الراهنة التي لجأت إلى أساليب جديدة للإستعمار الجديد وعلى رأسه الإستعمار الأمريكي .

ففي فترة الحركة الإستعمارية شككّ هؤلاء الإستئصاليون في جدوى الثورات على الإستعمار وإعتبروا هذه الثورات جزءا من الجنون والخبل بإعتبار أنّ الإنفصال عن الحركة الإستعمارية سيورّت ويكرّس الجهالة والأمية والتخلف والأمراض وعدم القدرة على تسيير شؤون الدولة واقتصاد والثقافة والزراعة، وأنّ الإستعمار هو مصدر القوة وينبوع العطاء في كل المجالات السياسية والإقتصادية والثقافية، بل إنّ بعضهم في الجزائر طالب محمدّغا رسول الإسلام بضرورة مغادرة الجزائر لأنّه دخيل عليها، وقررّت ثورة المليون والنصف مليون شهيد أن تغادر فرنسا ومعها الحلف الأطلسي الجزائر ويبقى محمد فيها  إلى يوم يبعثون .

والليبيراليون القدامى المرجع الروحي لليبيراليين الجدد طالبوا بوأد الثقافة العربية والإسلامية وإحلال الثقافة الفرانكفونية والإنجلوسكسونية محلها، وطالبوا بالقضاء على التعليم الأصلي والمعاهد الأصلية التي كانت تخرّج رجالات من قبيل عبد الحميد بن باديس وعبد الكريم المغربي وخير الدين التونسي وعمر المختار والسيد المقراني وعز الدين القسّام وغيرهم من رجالات هذه الأمّة، ولعبّ المتحالفون مع الإستعمار من أبناء جلدتنا أكبر الأدوار في ترجمة ثقافة المستعمر إلى شعوبنا ويسروا تسللّها إلى حصوننا ومواقعنا، وهذه النخبة هي التي عناها أحد الإستراتيجيين الفرنسيين بقوله :

في السابق كنّا نوجّه آلاف الجنود والدبابات إلى الجغرافيا العربية والإسلامية لإحتلالها، أما اليوم فإننّا نكونّ بعض نخب هذه البلاد في جامعاتنا ونرسلهم إلى تلك البلاد ليؤدوا الوظيفة بإحكام .

و في الواقع لقد أدوها بإحكام بأتمّ معنى الكلمة ولذلك كوفئوا من قبل الحركات الإستعمارية بتسليمهم مقاليد الأمور في بلادنا فأدوا الوظيفة الإستئصالية على أكمل وجه بعد الإستقلالات الوهمية لبلادنا  عن الحركات الإستعمارية .

وقد خلف من بعد هؤلاء خلف أضاعوا الصلاة وأتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا، فالليبيراليون الجدد وفي الوقت الذي تتعرّض فيه الأمة العربية والإسلامية إلى أبشع أنواع الإذلال والتركيع والسلب والنهب يطالبون هذه الأمة بالتخلي عن كل ثوابتها ومتغيراتها والقبول بالديموقراطية الأمريكية والإسرائيلية، فقد برروا لأمريكا كل تصرفاتها العدوانية في الصومال وأفغانستان والعراق وفي مواقع مختلفة في العالم العربي والإسلامي، وأعتبروا ما يقوم به رجال المارينز الأمريكان جزء من عملية تحديث هذه الأمّة ونقلها من الظلامية إلى النور ومن الأصولية إلى الدمقرطة، وراحوا وفي خطّ مواز لما يقول به رجال المارنز الأمريكان يدكدكون مواقع هذه الأمة، فالجهاد في العراق ضدّ الإستعمار الأمريكي إرهاب، والجهاد في فلسطين ضدّ أعتى دولة عدوانية خرافة ووهم، بل إنّ رموز الليبيراليين الجدد زاروا إسرائيل متحدين بذلك مشاعر كل العرب والمسلمين في خطوة تدشين التحالف الجدد بين الليبيرالية العربية الجديدة والصهوينة، وطبعا سيكتب ويتحدث أبواق هذا التيار عن ضرورة الصلح مع اليهود كخطو مركزية لتحقيق قوق الشعب الفلسطيني .

إنّ الليبيراليين الجدد قد أتقنوا بإحكام وبدقةّ فعل الديّوث والديوثّ هو السمسار الذي يتاجر بأعراض النساء، فهم نجحوا في جلب المستعمر إلى بلادنا وأجازوا له أن يمارس الفاحشة السياسية والثقافية والإقتصادية والأمنية مع بلادنا العربية والإسلامية، وهم عاجرزن عم تقديم أي مشروع ثافي وفكري ينهض بهذه الأمة، بل هم في الوقت الذي يتبجحون به بالمشروع الديموقراطي يقبضون أموالا بالجملة والمفرّق من أعتى الدول الملكية والديكتاتورية في العالم العربي والإسلامي .

وهم بعد أن كشفوا عن حلفهم المقدّس مع أمريكا راحوا يتحالفون مع الكيان الصهوني، وهما بهذا يتحالفان مع أعتى اعداء العالم العربي والإسلامي راهنا أمريكا والكيان الصهيوني اللذان هما كطرفي المقّص ظاهرهما مختلف وباطنهما متفق على تمزيق العرب والمسلمين .

 

بقلم / يحي أبوزكريا .

 

 

 

 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1475 الاثنين 02/08/2010)

 

في المثقف اليوم