أقلام حرة

رسالة إلى المبدع الكبير "يحيى السماوي" / حسين سرمك حسن

"أشلائي ممزقة .. والمشكلة بإهمال"

أخي الأعز المبدع الكبير "يحيى السماوي"

تحية العراق والإبداع ..

لا تسأليه الصبر لو جزعا   مما رأى .. بغدادُ .. أو سمعا

فردٌ ولكن بين أضلعه              وطن وشعب يخفقان معا

صادٍ يبلل باللظى شفة            ويصدّ عن مستعذب نبعا 

ولندخل في موضوعنا مباشرة فأقول :

 

# أولا :

لا يخفى عليك أخي ما يمرّ به شعبنا ووطننا من شدة فاجعة صممها ونفذها الأمريكان وأتباعهم .. لقد مزقوا كل شيء وسينسحبون – طبعا إنسحابا مخادعا لأنهم ثبتوا وجودهم نهائيا في العراق بطرق أخرى معلنة ومستترة -  أقول سوف ينسحبون بعد أن دمروا العراق بل قتلوه .. مزقوا نسيج العراق شر ممزق ، وزرعوا الفرقة بين أبنائه الشرفاء المضحين .. ولم يبق للشعب العراقي خط يحمي به وجوده على الإطلاق سوى خط الإبداع بعد أن صار حتى الدين الموحِّد سببا للفرقة كما خططوا وهو من هذا براء .. لا يمكن لعراقي أن يسمع قصيدة للجواهري ويقول هذا شيعي .. أو قصيدة للسياب ويقول هذا سني .. لا يمكن أن يدخل أي عراقي معرضا لمحمد مهلر الدين أو شداد عبد القهار أو مؤيد محسن ويقول هذا الللون الأحمر شيعي وذاك الأبيض سني .. وفي بغداد عزلت الأسوار الكونكريتية التي تكلف كل كتلة من كتل بريمر –لعنه الله – وهي بالملايين (500) دولار .. أكرر (500) دولار .. هذه الأسوار جعلت الطائفية أمرا ماديا واسمنتيا مؤسسا على أرض الواقع ، ولاشيء يوحد البغادة العظماء الآن سوى نصب الحرية لجواد سليم  .. والأمريكان يدركون ذلك بقوة ولهذا يسعون بكل السبل لتلويث خط الإبداع وتهشيمه أو على الأقل ترقيقه ..

إذن فالإبداع هو آخر سلاح بيد الشعب العراقي للحفاظ على تماسك روحه ووحدة وجدانه ..

حاشاك تنثر للغزاة ورودا                 فلقد خُلقت كما النخيل عنيدا

لا زال فيك من "الحسين" بقية         تأبى الخنوع وأن تباح وريدا

ومكبرون يرون في وثباتهم          باسم الحنيف على الغزاة سجودا

ومرابطون يشدهم لترابهم                   ما شدّ للكتف السليم زنودا

يا ابن الأباة المرخصين نفوسهم   ونفيسهم – عن عرضهم – ووليدا

كن مثل طين الرافدين .. ولا تكن     إن أوقدوا نار الضلال – حديدا  

 

# ثانيا :

ولا يخفى عليك أيضا أنني لا أدعو إلى تبعية الموقف الثقافي للموقف السياسي ولا لإلحاق العمل الإبداعي كذيل للآيديولوجية . أبدا .. فالثقافة هي المفهوم الأم وما السياسة إلا جزء منها .. والأمور عندنا مقلوبة منذ قرون حيث تتبع الثقافة الكل السياسة الفرع ، فتسقط في الفخ وتعجز وتتشوه .. قبل أيام شاهدت نقاشا على إحدى الفضائيات العراقية .. دار النقاش حول قيام محافظة النجف بتهديم نصب ثورة العشرين .. قال المحافظ لدينا نفق يمر بالمنطقة ويخفف الاختناقات المرورية ولم يكن أمامنا سوى تهديم نصب ثورة العشرين .. قال له المعترضون غدا قد يمر نفق جديد بمرقد الإمام علي .. واشتبكوا في نقاشاتهم .. قد يكون رأي المحافظ صحيحا جدا وقد يكون رأي معارضيه صحيحا أيضا .. لكن المبدع لا علاقة له بكل هذا .. إنه سيكتب قصيدة تقول إن جرحا أصاب روحه وشرخا حصل في ذاكرته. وسيتناول هذا الأمر بطريقة لا صلة لها بالمحافظ ولا معارضيه .. قد يتحدث عن أن هذا المكان كان ملتقى له بحبيبته .. أو أنه يستذكر بطولات الثورة التي انكفأت .. وهذا يقودني إلى النقطة الثالثة :

شدّ الضلوع إذا عدمت أسنة             وأقم عليهم بالجهاد حدودا

واكنس بمجرفة الرصاص قمامة           بشرية لا تستحق وجودا

شطبا لهم من لوح طينك .. حسبُها    أن شرعت يوم احتلالك عيدا

 

# ثالثا :

وأنت عشت هذه الظاهرة التي سأتحدث عنها وهي التأثير الرائع الذي أحدثه وصول كاسيتات مسجل عليها قصائد المبدع الكبير (مظفر النواب) في السبعينات بصوته وهو خارج العراق .. كان الجميع يتداولها سرا .. حتى الموالون للنظام السابق.. لم يكن فيها أي إشارة لمسؤول عراقي متسلط .. ولم يكن فيها أي إشارة للقادة الماركسيين ومظفر شيوعي معروف .. كانت القصائد تحتفي بالأبطال الشعبيين من الفلاحين البسطاء : صويحب .. لعيبي .. حجام البريس .. وغيرهم .. وكان الناس يرددون هذه الأسماء بما يعزز إيمانهم بوطنهم وأرضهم وقدراتهم على التصدي .. كما تعلم أيضا أن أغنية المبدع الكبير "طالب القره غولي" : هذا آنه .. تبث حتى الآن من قناة العراقية – وهي للدولة - فتبكي العراقيين وتثير في نفوسهم محبة ارضهم والحرص عليها :

شفت بعيونك بلادي  سهل وجبال والوادي

شفت دجلة وفي مثلك يفيض لخيري ولأجلك

شفت موجاته يا موجاته مثل معاضدك فضّه

تتهادى ويه جاري الماي هلهولة فرح غضه

ومن حبك غناي آنه تعلمته .. وهذاك إنته

ولم يكن ممكنا أن يكون لهذه الأغنية مثل هذا الحضور المهيمن لولا الشاعر الراحل "زامل سعيد فتاح" .. وهو من جديد كاتب أغنية "حاسبينك" التي لحنها أيضا طالب وغناها "فاضل عواد" والتي يلقبها البعض بأنها النشيد الوطني العراقي..

الوطن استراح مني

وأنا استرحتُ

لأنني

منذ تمردت عليه

متُّ

 

# رابعا:

للصديق الشاعر "محمد البغدادي" قصيدة رائعة عنوانها "وجوديات عراقية" .. لحنتها وغنيتها بصوتي .. وظل محمد يلح علي بأن أرسلها إليه وأنا أنسى وأتناسى وأهمل الطلب بفعل ضغوط الغربة .. أخيرا ومصادفة كنت أحملها في الفلاش خلال إحدى زياراتي له فنقلها .. وبعد مدة حولها إلى (يوتيوب) ومنتجها مع صور مدمرة من فاجعة العراق وأطلقها على شبكة الإنترنت .. هل تصدق ماحصل؟ .. تسلمنا مئات الرسائل والمكالمات من جميع أنحاء العالم : استراليا.. السويد .. الولايات المتحدة . العراق .. الإمارات .. الدنمارك . . و غيرها الكثير وكلها تقول : لقد دمرتمونا .. نحن نجلس مع عائلاتنا كل ليلة ونبكي على الأغنية .. إن أي شيء في الإبداع له حضوره وفعله مهما كان بسيطا في الظاهر وليس عبثا أن الله سبحانه يقول للشيء كن فيكون.. الكلمة تحيي وتميت .. ومن هنا أصل إلى بيت قصيدي في (رابعا) ..

 

لكن بعض "رؤوسنا" يا صاحبي    جُبلت على فسد فليس تثوب

غرسوا بنا سُلّ الشقاق فليلنا           متأبد .. وصباحنا معصوب

بتنا لفأس الطائفية محطبا           فلكل حقل "سادن"  و"نقيب"

عللُ العراق كثيرة .. وأضرّها    أن الجهاد "الذبح" و"التسليب"

 

# خامسا:

أنت الشاعر العراقي المقاوم الذي واجه الطغيان والدكتاتورية .. ولكنه لم يخدع بلعبة "التحرير" المحمل بالكهرباء والهمبرغر مقابل افتراع بكارة بغداد المحروسة الأم .. رفعت صوتك حد تمزق حنجرتك ترفض وتحذر من الإحتلال .. ثم واصلت حتى هذا اليوم .. التعرض بجرأة وشراسة وغيرة للمحتلين الأمريكان الخنازير الغزاة ومن يساندهم وينفذ مخططاتهم .. أنت صاحب النصوص الأكبر كما ونوعا بين كل الشعراء العراقيين شيبا وشبابا – ولا شيخوخة في الإبداع - بما يعادل أربعة عشر مجموعة شعرية وهو رقم قياسي في الإبداع العراقي والعربي والعالمي في مجال الشعر المقاوم نتباهى به أمام العالم.. وهناك ملاحظة هامة أخرى هي أنك أكثر شاعر عراقي "مفهوم" الآن بعد أن اصبح الشعر ألغازا وأحاجي في ظل موجة الحداثوية ومابعد الحداثوية التغريبية .. صار حتى طالب الكلية لا يفهم الشعر الجديد .. بينما يتغنى طلبة المتوسطة سابقا بشعر السياب !! .. شعرك يحاكي وجدان المواطن العراقي المقهور والمظلوم والمذل المهان وهو لا يستحق ذلك ، يفهمه العامل والفلاح والطالب واستاذ الجامعة وربة البيت .. هذا يذكرني بمنجز "الحداثة الشعبية" الذي اجترحته في كتابي الأخير .. وهنا أصل إلى الختام وهو طلب أو رجاء أو تحفيز لمشروع وهو ما يتلخص في (سادسا) أدناه :

 

# سادسا :

أدعوك وألح عليك وبقوة أن تقوم بتسجيل قصائدك وخصوصا مطولتك "نقوش على جذع نخلة" بصوتك .. صوتك المعبر والقوي والهادر.. وبإلقائك وأنت من القلائل – وبشهادة كل من سمعك – الذين يلقون شعرهم بقدرة فائقة باهرة نادرة ومؤثرة .. سجل قصائك بصوتك وأطلقها على الإنترنت لتصل إلى أبناء شعبك المغدور الذي يحتاج أي كلمة تذكره بسلالات أمجاده وبتاريخه المقاوم الجبار ، وبأن ثمة كوة أمل ستفتح في هذه الظلمة التي يرفع فيها كفه فلا يراها .. ظلمة يفرّ فيها الأب من بنيه .. والأخ من صاحبته وأخيه .. وصدقني سيدوّي صوتك في أرجاء المعمورة .. والأهم هو أن يدوّي في عراقك – حبيب الله وشهيده - .. وينبت في روح أبنائه العظماء الصابرين .. و.. و.. و:

أعوذ بالله من الصلاة خلف لحية)

تمجّد الغزاة

ومن رصيف  ينبذ الحفاة

أعوذ بالله من الساسة ينسجون للعراة

ثوب الشعارات التي تبايع الطغاة

أعوذ بالله من الأئمة التجار

الشاكرين نعمة الدولار

في الليل يبكون "عليّاً"

ويبايعون قاتليه في النهار ..) 

يا يحيى .. خذ الكتاب بقوة

أخوك في دم الإبداع والمحنة :

 

حسين سرمك حسن

بغداد المحروسة بالله

8/8/2010

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1482 الاثنين 09/08/2010)

 

 

في المثقف اليوم