أقلام حرة

توبة حاكم عربي / يحيى أبوزكريا

ربي إني أعترف لك بأنني أقترفت كل الموبقات والكبائر ما ظهر منها، وما بطن، فقد ظلمت نفسي وظلمت رعيتي إلى أبعد الحدود، أعترف لك أنني لم أترك مكيدة ولا مؤامرة إلاّ ولجأت إليها، مذ كنت ضابطا في المؤسسة العسكرية وأنا أؤذي من كان وطنيا ومخلصا ومؤمنا، فكتبت التقرير تلوالتقرير عن هؤلاء جميعا، فسجن من سجن، وظلم من ظلم وقتل من قتل، وأخفي قسرا من أخفيّ، وكان هدفي من كل ذلك أن أحظى بدعم كبرائي في المؤسسة العسكرية والجهاز الحاكم، وكنت لكي أترقى وأحصل على رتبة معينة، كنت أسحق هذا، وأدوس على ذلك، وأفتري على أولئك.

 وأستغللت نفوذي فسرقت وإبتززت وقامرت وزنيت ولطت وإغتصبت، وتحالفت مع المافيا ورجال المال، ونفذّت أقذر المهمات لجهاز الإستخبارات، وكان شرط الترقية أن أكون سيئا وأن أقترف المزيد من السيئات، وقد أفضي بيّ ذلك أن أصبح قريبا من العلبة السوداء ودائرة القرار التي كانت تتحكم بمصائر العباد والبلاد، وهي التي جعلتني رئيسا بدون تفويض من الجماهير.

 وبين عشية وضحاها أصبحت صانع قرار، ولم يكن ذلك إستنادا إلى ثقافتي، أوعلمي أوفكري الحضاري وقدرتي على إدارة الدولة، فأنا أعترف لك بجهلي وجهالتي، وغبائي المفرط، وعدم قدرتي على الكتابة ناهيك عن الإبداع وخلق الأفكار، وإنطبق عليّ ما أورده السلف بئس أمة ولّت أراذلها، فقد كنت من الأرذلين وأسفل منهم بل ومتفوقا عليهم.

 وعندما أجلسوني على كرسي الحكم وعرش المملكة، لم يكن هدفي إسعاد الأمة، وإخراجها من مآزقها الإقتصادية والإجتماعية، وتوزيع الثروة توزيعا عادلا على أبناء شعبي، بل قررت أن أسرق وأغتصب شعبي، وأصادر ثرواته لحسابي، ولحساب زوجتي وأولادي وعشيرتي والعلبة السوداء التي أوصلتني إلى السلطة لتعبث هي الأخرى بإسمي بمقدرات الأمة.

 أيّ ربي – يقول هذا الحاكم العربي – لقد صيرت ثروات الأمة ثروتي الخاصة، وعبثت بالمقدرات، وجعلت النفط نفطي، والغاز غازي، والذهب ذهبي، والفضة فضتي، والأراضي الزراعية أراضي، وكنت أخفي على الشعب حقيقة مداخيل الدولة من بيع الطاقة والنفط وبقية الثروات، وتحكمت في المصرف المركزي والسيولة الأجنبية، وكان وزرائي ورجال مخابراتي وأهل المكر من حاشيتي إذا سرقوا أوإغتصبوا الأبكار من الإناث، وصادروأراضي وبيوت الغير أغض الطرف عن زلاتهم، بل أعطيهم أمرا في الإسترسال في نهبهم وظلمهم، حتى يزدادوا ولاءا لي، ويبالغوا في حماية عرشي، وكان إذا سرق مواطن كسرة خبز أوكيس سكر، أبعثه إلى السجن بدون محاكمة.

 لقد أفسدت السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، فجعلت رجال الدولة فاسدين بإمتياز، وكنت أزني ببعض زوجات وزرائي بعلمهم، وجعلت القضاة يدمنون على الرشوة، فيحاسبون من أريد تصفيته، ويرخون العنان للقططة السمينية التي نهبت أموال المستضعفين، أما رجال التشريع والبرلمان فقد صيرتهم جزءا من أجهزتي الأمنية يصوتون لما آراه حسنا، وينفذون ما آمر به، يقولون نعم عندما أريد ذلك، ويقولون لا، عندما أريد ذلك أيضا.

 أي ربي، بإسم الثورة والعائلة الحاكمة قتلت المبدعين والمعارضين، في داخل الوطن وخارجه، وفرضت حالة الطوارئ، وكممت الأفواه وأغلقت العقول، وأجزت لأبناء الشعب يا ربي أن يسبوّك ويدوسوا على شرعك، لكن يكفي تأوّه واحد ضدي ليأخذ المتأوّه إلى الأرضين السبع، ويخفى إلى أبد الآبدين.

يا ربي، لقد أبحت لرجال مخابراتي أن يغتصبوا النساء الحرائر، وأن يقتلوا بدم بارد من لا يستحق الحياة، فأنا كنت أحيي وأميت كما كان النمرود تماما، وكان أولادي يتاجرون في الممنوعات، وكانت المستوعبات الضخمةتصل على متن البواخر بإسمائهم إلى الموانئ وتدخل بضائعهم إلى أرض الوطن دون أن يتدخل رجال الجمارك.

أعترف لك يا ربي، لقد خصيت المبدعين الحقيقيين، وعينت السكارى واللصوص في مناصب حساسة، فوزارة الثقافة عينت على رأسها سكيّرا، ووزارة الإقتصاد حشاشا، وعينت على رأس وزارة الدفاع عميلا يتعامل مع قوى غربية ضدّ بلادي، وعينت على رأس وزارة الداخلية رجلا كذابا دجالا قادرا على تلفيق التهم ضد الأبرياء الذين قتلنا منهم مئات الألاف.

أي ربي – يقول الحاكم العربي – سامحني يا ربي، فقد دمرت الشباب، وعهرّت النساء، ونشرت ثقافة الفساد، وفتحت السجون والمعتقلات، وأتحت للمواطن أن ينفتح على العهر الغربي وأفلام الخلاعة، وحولت الجامعات إلى بيوت دعارة، وسمحت لرجال الشرطة بضرب الأطباء والمحامين والأساتذة، وقد فقرّت المثقفين وأغنيت المطربين والمطربات، والمخنثين والمخنثات، وأمرت بالرذيلة وفتح الحانات والمواخير، وخصصت أماكن للزنا والمتعة الرخيصة، وعاشرت المطربات، ونوّعت في مضاجعة النساء، وكان رجالي يجلبون لي أجمل النساء من بنات الفقراء، وبنيت قصورا تحولت إلى مراتع الفساد، وكلما أصدرت قرارا كنت حريصا على أن لا يكون في مصلحة الشعب، وبدل أن أصادر ممتلكات وزرائي ورجال مخابراتي، فقد رفعت أسعار المواد الغذائية، ووأجبرت الناس على السكن أن في الأكواخ والقبور.

وسمحت لنفسي ولرجال حكمي أن يهربوا أموالهم إلى بنوك أوروبا، وقمنا بإستيراد النساء البيضاوات والشقراوات والسمروات من بلاد الفرنجة، وكنا نخصصّ لهم عطايا من خزائن الدولة والشعب.

وأمرنا الشرطة بإذلال الناس وإحتقارهم، في الطرقات والمطارات والمخافر، والسجون وحتى الذين كانوا يؤدون الخدمة العسكرية كنّا نذلهّم تحت عنوان: حبّ الوطن.

وأعترف لك يا ربي – يقول الحاكم العربي – وضعنا كل أوراقنا بيد أمريكا والكيان الإسرائيلي، وتآمرنا على الجار العربي، وهوأيضا تآمر علينا لأنّه من طينتنا وسنخنا، ولا يختلف عنّا قيد أنملة.

أي ربي، أقرب الناس إليّ من صانعي القرار كانوا يتجارون بالمخدرات فنشروها في المدارس والثانويات والجامعات فأثروا وأصبحوا وكلاء للتجار الكبار في كولومبيا.

يا ربي لقد تنصتّنا على مكالمات الناس وعرفنا أسرارهم، ودخلت عيوننا وآذاننا إلى مخادعهم، وراقبنا الجميع، وكنّا ندعم الرذيلة ونقضي على الفضيلة، ونكرسّ العهر ونحارب الطهر، وننشر ثقافة ولغة الإستعمار، ونردم ثقافة الوطن والقرآن.

يا ربي، لم يتحقق في عهدي شيئ، فالسياسة باتت دجلا، والإقتصاد تراجع، والثقافة ماتت، والتنافس الشريف قضي عليه، وبيوت الدعارة أصبحت أكثر عددا من بيوت الثقافة، والصحة تقهقرت.

لقد شطرت المجتمع إلى نصفين، الأول ثري وغني وإلى هذا الشق أنتمي ورجالي، والسواد الأعظم من الناس لا يجدون قوت يومهم، ناهيك عن بيوت كريمة لهم وكتب لأبنائهم وثياب لأطفالهم.

أي ربي، لقد أدمنت الكذب على الشعب المسكين، والذي كنت أضحك عليه إلى الثمالة، وهويصفق على ما أقول، وكنت أقول لهم في قلبي: أيها البلهاء الحمقى، أيها المغفلون، لوكنتم تعلمون من أكون لما وليتموني أموركم... أي ربي، لقد إبتكر رجال مخابراتي كل أنواع التعذيب، والقمع والتعسف، ومارسنا كل ما إبتكرناه على بشر أبرياء أسوياء، وحرمنا الأمهات من أبنائهن، وقتلنا وسفكنا الدماء، وكتمنا الأنفاس... أي ربي – يقول الحاكم العربي – ووووووووووووووو

وعندما وصل هذا الحاكم العربي، إلى جملته الأخيرة، أي ربي هل من توبة، سمع مناديا يناديه، لعنة الله عليك، لا توبة لك أيها الفاسق الفاجر...

وهنا عاد الحاكم العربي إلى أصله، وقال: يا من أسموك رباّ سأحاربك مثلما حاربت شعبي....

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1484 الاربعاء 11/08/2010)

 

 

في المثقف اليوم