أقلام حرة

العرب والسلطة..وقراءة الطالع / قاسم حسين صالح

عبر فضائيات عربية وعراقية متخصصة أو مهتمة بقراءة الطالع وعلاج الأمراض على الهواء!.

واللافت ان زخم المتصلين بقارئي الطالع "الفضائيّن" من عرب الوطن وعرب بدول اوربية! يفوق اضعافا" عدد المتصلين ببرامج طبية يقدّمها اطباء اختصاص،مبدين انبهارهم بهم  واعجابهم بمعرفة خباياهم وقدرتهم (الاعجازيه) على علاج حتى الأمراض العقلية. ففي احدى الحالات التي تابعتها كان المتصل يصف حالة اخيه بأنه يرى أمه المتوفاة ويتحدث معها كما لو كان وجودها حقيقة..وهلاوس واعراض شيزوفرينيه أخرى، فيقدّم له جناب الشيخ وصفة على الهواء بكتابة آيات قرآنية بالزعفران،وتنقيعها بالماء وشربها في الصباح لثلاثة أيام،ويعدّه عن يقين بأن الجنّي الذي في رأسه سيخرج مذعورا! مع ان صاحب هذه الأعراض يحتاج الى ان يدخل مستشفى للأمراض العقلية يتلقى فيه العلاج اللازم.

والمخجل ان ثقافة الخرافة شاعت بيننا نحن العرب وصارت اكبر حجما" واوسع انتشارا" منها قبل خمسين سنة!. فألى جانب هذه القنوات الفضائية هنالك عشرات البرامج عن الحظ والأبراج في قنوات عربية أخرى،وصفحات في مئات من الجرائد الرجعية والتقدمية! تقرأ للناس ما سيحصل لهم من مجرد معرفة اسم الشخص واسم أمه وتقسيم ناتج جمع الأحرف على (12) لمعرفة رقم برجه ما اذا كان ناريا" أو مائيا" أو ترابيا" أو هوائيا..وكل بمواصفاته،من الاسد الناري العصبي المزاج الى الدلو المائي الهاديء الطبع.

فلماذا نقبل نحن العرب على قراءة الطالع؟ ولماذا يؤمن كثيرون بـ(الشيخ أو الشيخة) أكثر مما يؤمنون بجراح الجملة العصبية والطبيب النفسي؟!

التحليل السيكولوجي لها أن قراءة الطالع والأبراج لا يلجأ اليها الا الانسان المقهور من حاضر يعيشه،والعاجز عن السيطرة على مستقبله..لخفض القلق لديه والشعور بالطمأنينة. فحيثما ضغط الاضطهاد على الناس واضناهم القهر والحرمان..اقبلوا على قراءة الطالع والأبراج،فأكثر ما يشغل الانسان هو التفكير بالمستقبل. ولأن المغلوب على أمره عاجز عن مجابهة حاضر يصفعه بما يوجعه، وخائف متطير من مستقبل مجهول..فأن تفكيره يستسلم الى الاقدار ليجد في (القدريه) بعض العزاء والتمويه على النفس بحيلة لا شعورية بأن القدر اذا قسا مرة فأنه آتيه بالفرج في الثانية.وعلى هذا الايقاع يعزف (الشيوخ والشيخات) ومقدمو برامج الابراج في القنوات الفضائية..فحرفة العّراف الذكي تقوم على مبدأ سيكولوجي هو: قل لمن يأتيك ما يحب أن يسمعه!.

وهنالك نوع آخر من الخرافة.ففي دراسة سرّية أجريت في سنوات الحرب العراقية الايرانية، تم جمع عدد من الرسائل التي ترمى بأضرحة الأئمة والرجال الصالحين،تبين بعد تحليلها أنها تتضمن طلبات تخص: عودة أسير، اطلاق سراح سجين،شفاء مريض،او شكوى تطالب أخذ حق مظلوم من ظالم..وطلبات أخرى تخص مجلس الأمن والصليب الأحمر الدولي!.وقد سبقتها دراسة مصرية مماثلة بعنوان (رسائل الى الامام الشافعي)تبين أنها تتضمن طلبات تخص وزارات الداخلية والعدل والصحة.

والمفارقة ان علم التكنلوجيا وفّر التلفزيون والاقمار الاصطناعية ليوظفها من لا نعرف نياتهم الخفيه في اشاعة الخرافة بين الناس الذين يعانون مشكلات صحية واقتصادية واجتماعية، حلها من اختصاص السلطة التي شجعت بذكاء خبيث ظهور قنوات فضائية تبث ثقافة العرّافين.. لتشغل العرب عن التفكير بمصدر شقاء وقهر وحرمان شعب وصف بأنه كان خير أمّة أخرجت للناس، تقهقرت في زمن التقدم لمرتبة متأخرة بين الأمم بمقاييس التمدن،فيما تصدرتها على مقاييس الفساد والفقر وقراءة الطالع!.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1495 الثلاثاء 24/08/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم