أقلام حرة

هل يعي بعض الفطاحل والعباقرة من سياسيينا قبل ان يولوا الادبار وحينها لا ولم ينفع الندم ..؟؟!! / جمال الطالقاني

منذ ان وطأت الديمقراطية ارض بلدنا بعد سقوط النظام الدكتاتوري الاهوج ... (وأتانا البعض من اهوج منه وارعن) ..!! حيث لايخفى على احد ان البلد يواجه مأزقا كبيرا قد لا تحمد عقباه فيما بعد ... لو اصر بعض ممن يتمشدقون بالوطنية على عنادهم ... تاركين ابناء هذا الشعب يعاني الويلات من جراء توقف اغلب الخدمات الحياتية بالاضافة للوهن الامني الذي اصاب الوضع العام واستقراره  وخير دليل على ذلك التفجير الارهابي الاخير الذي طال المساكين الذين ذهبوا للتطوع حالمين بتوفير لقمة عيش لهم ولعوائلهم التي نكبت بهم  ... وقبلها الاستهدافات البشعة لسيطرات ونقاط تفتيش قواتنا الامنية ... من قبل خلايا مجرمة كانت نائمة في جحورها نشطت واستغلت الوضع العام  ... وقد لا يجد المتابع  طريقا للحل في القريب العاجل نتيجة حالات التقاطع التي ساهمت وتساهم في ضبابية المشهد السياسي الحالي ... فالجميع  يائس ومعتقد بأن لا حكومة ستشكل في المدى الزمني المنظور لان الامر تجاوز قدرة اللاعبين المحليين والخارجيين بمستقبل بلدنا وللاسف الكبير ...!! وان ازمة تشكيل الحكومة برمتها اصبحت معلقة على شماعة الصراعات والحسابات الاقليمية والدولية ... وعقدتها  تتجمع بخيوط الازمة الداخلية والازمات الاقليمية والدولية فلا مجال لقطعها بالسيف ولا سبيل لحلها حتى الان بالعقل والحكمة التي يفتقدها اغلب المتصدرين على الساحة السياسية ... وبانت  الان الساحة العراقية اكثر وضوحا ... واصبحت مكشوفة لصراعات المحاور العربية والإقليمية والدولية  حيث نشاطات المجاميع الارهابية المتعددة الولاءات التي استغلت الوضع الراهن ... فلم يعد الأمن محصنا ... وقد اهتز في أكثر من محطة ... وما  عمليات السطو والاغتيال والتفجير التي تحدث الان الا بداية لانزلاق الوضع الامني نحو حرب اهلية وطائفية يراد بها حال العراق ... بعد أن نلاحظ بين الفينة والاخرى تعزيز الخطاب الطائفي والمذهبي بين الكتل والاحزاب التي فازت بالانتخابات ... اذن على متصدري القرار رسم خارطة طريق نحو قيام دولة مدنية ... فتشكيل الحكومة الذي تأخر اكثر من خمسة أشهر ليس هو الأزمة بذاتها ... بل انبثاق السلطة الذي يبدأ من مكان آخر ... وهو مجلس النواب  الذي حور الصلاحيات وضرب مواد الدستور ...  وأساسه ... قانون انتخاب خارج القيد الطائفي ... فليست المرة الأولى التي تحصل فيها أزمة حول تأليف الحكومة ... فتاريخ العراق الحديث ما بعد التغيير  يكشف عن ذلك ... والسبب يعود إلى المحاصصات الطائفية والمذهبية التي كرسها النظام السياسي الجديد ... حيث لم يتمكن العراقيون من الخروج منه وعليه ... إذ منه تولد الأزمات ... ومنذ أن أبصر النور مع التكوين الطائفي والمذهبي والفئوي الذي تجذر بعد عملية تحرير واحتلال العراق ... فكان هذا التوزيع السياسي الطائفي ...  فبدون إجراء إصلاحات على النظام السياسي  ... الأزمة ستظل قائمة والفتن مشتعلة بين فترة واخرى  والتقاطعات والمناكفات مستمرة ... إذ تكمن العلة في تكوين السلطة التي لم يتفق على شكلها المتكون لتجمع طوائف لسلطات متعددة ... لا لسلطة مركزية واحدة ... وأن الانتخابات الأخيرة أفرزت “فدرالية طوائف وقوميات ومذاهب” ... وهو ما يعقد تشكيل الحكومة الحالية ... أو أية حكومة أخرى ... لأن الخلاف هو حول مشاركة الطوائف في السلطة ... وان فرصة تحررهم من العلة الطائفية التي هي المرض الذي يعانون منه منذ نحو سبع اعوام ونصف ... ولم يتهيأوا بعد للشفاء منه إذ استوطن فيهم وتساكنوا معه ... لكنه تساكن مع السكين المسنونة دائماً وهي على رقبتهم تعمل فيهم تقطيعاً وقتلاً على الهوية عند كل أزمة سياسية وفتنة طائفية ...!!

لذلك فإن الحكومة المسماة بحكومة الوحدة الوطنية او غيرها من المسميات المبتكرة إن تشكلت فإنها ستعكس صورة النظام السياسي ... وهي لن تكون بالتأكيد سوى انعكاسا للواقع السياسي الطائفي المنقسم بين محاور ومعسكرات ... إذ يبدو الخارج مؤثراً في الداخل ... وان ما سمح للغير بالتدخل في الشؤون العراقية .. هو النظام السياسي الطائفي ...  وعلى الشرفاء المخلصين قول الفصل في تقرير سياسة العراق ... ولن يتغير هذا الواقع إلا مع تغيير صيغة النظام ... ونزع الوصاية الخارجية عنه نهائياً ... وهذا الأمر لن يتحقق إلا مع إجراء إصلاحات جذرية وحقيقية ... تبدأ ليس في تشكيل الحكومة بل بانبثاق السلطة ... وتفتيت مجلس النواب من الكتل الطائفية ... وهي بعد الانتخابات الأخيرة متقاربة في الحجم ... ومتوازنة إلى حد ما في التمثيل ... إذ تم احتكار تمثيل الطوائف والمذاهب ...  بسبب النظام الأكثري واعتماد القضاء في الانتخابات ... حيث كان الخطاب الطائفي والمذهبي هو البرنامج ... والشعارات الطائفية عناوين المعارك الانتخابية ... وصناديق الاقتراع مشاريع مقابر جماعية جديدة تنتظر العراقيين .. لأن ما فيها من أوراق .. كان رصاصا وقذائف يضعها كل فريق طائفي في صندوق الاقتراع ... يحملها مواطنون مدججون بأفكار إلغاء الآخر وكرهه وتأجيج الحقد عليه وهذه هي الحقيقة والاعتقاد ... !!

هذه هي صورة الواقع المأساوي في العراق  الذي يعيش منذ لحظة سقوط النظام _الا_ مقبور ... والتي دبت فيه الروح بأشكال متنوعة وفطاحلنا ساهوووووووون...!!! وانها مرحلة انتعاش للحالة المذهبية والطائفية ... وأن من خطط لهذه الجريمة أراد أن ينقل التجربة اللبنانية المريرة والتي امدها خمسة عشر عاما من النزف والاحتراب الى العراق وممارسة كل أنواع التخلف والرجعية والتقهقر الثقافي والحضاري .. واللجوء إلى القتل على الهوية ... واستخدام الإبادة الجماعية .. وارتكاب المجازر كما حصل خلال الفترات المظلمة التي مررنا بها بعد تفجير قبة الامامين العسكريين (عليهما السلام ) (( ولو على شكل مصغر ))والتي ادت كذلك  لعملية التهجير  القصري .. على طريقة عصابات “الهاغاناه” الصهيونية التي طردت الفلسطينيين من أرضهم في عام 1948 ... فمارس بعض العراقيون وللاسف النموذج اليهودي نفسه ... وتدربوا عليه ... فكل ما يجري حول تشكيل الحكومة ليس إلا مظهراّ من مظاهر النظام السياسي المتخلف ... وكل ما يقال عن ديمقراطية العراق ... حتى لو سميت توافقية ... ما هي إلا ديمقراطية شكلية ... لا تعبر كما يحددها العلم السياسي والدستوري ... من أنها حكم الشعب للشعب ... بل هي دكتاتوريات طائفية ومذاهبية ... تحكم العراقيين عبر زعماء تكرسوا بالخطاب الطائفي والمذهبي ... وتكونت زعاماتهم على أساس التخويف والخوف من الآخر في الطائفة الأخرى والمذهب الآخر وكلامهم حول النظام السياسي ليس مفيداً ... لذلك هم استسلموا للدكتاتوريات الطائفية ... التي سميت زوراً ديمقراطية توافقية ... وتشكيل الحكومة يدخل في إطارها ... وعليها ان تغير وتؤكد على ضرورة بناء دولة الاستقلال ... والخروج من الحالة الطائفية ... وتحقيق إصلاحات في النظام السياسي ... وتعزيز اللامركزية الإدارية ... وإلغاء طائفية الوظيفة واعتماد الكفاءة ... وتوسيع الإنماء وتوزيعه على مختلف المناطق لا سيما الريفية منها والنائية ... بالاضافة الى محاربة الفساد ومنع الرشوة ومحاسبة الفاسدين والمرتشين ... وإنجاز استقلالية القضاء ومنع تسلط السياسيين عليه ... بفصله عن السلطة السياسية ... وتقوية الجيش واجهزة الامن وتعزيز قدراتهما لمواجهة التهديدات الخارجية والداخلية ومجاميع الارهاب الآتية من بطون دول الجوار .

 

فالإصلاح عبارة ترد على كل شفة ولسان .. وهو عنوان دائم عند كل السياسيين والأحزاب .. وحتى عند بعض رجال الدين ... لكن في التطبيق ... لا يتقدم أحد باتجاهه .. فيهربون من هذا الاستحقاق .. الذي لو أقر وسار نحو التنفيذ فإن الكثير من الزعماء الذين تقوم مكانتهم السياسية وحضورهم الشعبي على الطائفية ومضامينها .. يفقدون هذا الامتياز الذي يجنون منه المقاعد النيابية والحقائب الوزارية والعسكرية والأمنية والقضائية والتربوية ... فيوزعونها على أزلامهم والمحسوبين عليها ... ويحمونهم في المواقع التي ينتدبونهم إليها ... حتى لو أفسدوا ... ويجمع العراقيون بعد تجاربهم المريرة مع نظامهم السياسي وعلة الطائفية فيه أن الإصلاح يبدأ من المكان الذي تنبثق منه السلطة ... وهو مجلس النواب الذي هو أم المؤسسات ... فهو من يشّرع القوانين ... وهو من يحدّث الدولة ... ويفرض المراقبة والمساءلة والمحاسبة على كل السلطات ... وان المجلس النيايي المرتجى منه أن يقوم بدور المشّرع والرقيب والمحاسب  ليخرج لنا من رحمه قانون انتخابات معدل لا طائفي ... لينتج مستقبلا ... مجلساً نيابياً متحرراً من الطائفية والمذهبية والإقطاعية السياسية ... ونفوذ المال ... ويفتح الباب للتنافس بين الأحزاب التي يفرض تشكيلها ان لا تكون طائفية ... وعندها تصبح الانتخابات على قاعدة سياسية لا طائفية ... كما في كل الدول التي تخطت الطائفية في نظامها ... فارتقت الى مصاف الدول المتقدمة ... ومارس شعبها الديمقراطية في كثير من الرقي ... وعندها يصبح الفرز السياسي بين موالاة تحكم ومعارضة تعارض ... وتتحول الديمقراطية من طائفية توافقية ... الى ديمقراطية حقيقية على أساس برامج ... لا تتمحور حول أهداف طائفية أو مذهبية أو فئوية ومناطقية.

 

فالإصلاح المنشود يجب ان يبدأ من  قيادات الأحزاب والتيارات السياسية والنخب في المجتمع المدني  ... وعلى الإصلاحيين في السلطة القادمة الذين يواكبون الإصلاح والتغيير ان لا ينظروا إليه من منظار أن يكون التغيير في النظام باتجاه استبدال طائفة بأخرى في السلطة ... أو قفز مذهب إلى الحكم مكان آخر ... أو ان يستأثر فريق طائفي بالقرار ... دون الآخرين ... فهذا ليس اصلاحا ... وأن لا يقوم بإلغاء حالة طائفية لصالح طائفية أخرى ... بل التأسيس لإزالة كل الحالة الطائفية من كل المواقع السياسية والحزبية الإدارية ... والتدرج باتجاه إقفال كل المؤسسات التي لها طابع طائفي ... وتقويه مؤسسات الدولة على المؤسسات الطائفية ... وتحرير الدولة من هيمنة رجال الدين ... وتنزيه الإدارة من الطائفيين ... ويبقى من يقوم بالإصلاح هم الإصلاحيون ... ومن يلغي الطائفية هم اللا طائفيون ... ومن يحارب الفساد هم أصحاب الأيادي النظيفة ... ومن ينشئ إدارة نظيفة بعيدة عن الرشوة ... هم موظفون كفؤون لم يصلوا عبر بوابات الزعماء فيتحولون إلى أزلامهم ...  فهل يعي البعض من فطاحلنا وعباقرنا من سياسيينا ماقصدته بمقالي قبل ان يولوا الادبار  وحينها لا ولم ينفع الندم ...؟؟؟!!!

 

ولنا وقفة اخرى

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1496 الاربعاء 25/08/2010)

 

 

 

 

في المثقف اليوم