أقلام حرة

الدولة البخيلة / عبد الجبار منديل

فقد راقب ماكلهم ومشربهم وملابسهم وخالطهم في تدبير منازلهم وشاهد كيف يتداوون من السعال بماء النخالة وكيف يطبخون الشاه فلا يضيعون اي جزء منها وكيف يطعمون الضيف بروائح الطهباج (اكلة عربية قديمة من البيض واللحم والبصل زكية الرائحة) والسكباج (طعام عربي قديم من اللحم والخل زكي الرائحة ايضا) فللضيف الروائح ولهم الطعام .

 

  اما اشهر من كتب عن البخل والبخلاء في الادب الاوربي فهو الكاتب الفرنسي (موليير) والبخيل عند موليير هو البخيل المرابي الذي يستغل الاخرين ويسرق جهودهم ويعتصر ضحاياه بلا رحمه حتى اخر قطرة دم . وقد صور موليير على المسرح عيوب البخلاء وقسوتهم واستغلالهم للناس .

 

  دهاقنه الدولة العراقية العتيدة (البخلاء ) يبخلون على شعبنا ويستلبون كل حقوقه ولكنهم يتنعمون ما شاء لهم النعيم ان يتنعموا ويترفهون ما شاء لهم الرفاه ان يترفهوا ولكن عندما يصل الامر الى حقوق المواطن العراقي فهم (يغلسون) ويتناسون ابسط حقوقه . وقد بدأو بشطبها بالترتيب . فالبطاقة التموينية التي كانت حتى في اشد اوقات الحصار الاقتصادي قتامه تصل الى كل المواطنين العراقيين كاملة غير منقوصة تتقلص الان مساحتها لتشطب جزء من العراقيين كما تتقلص مفرداتها لتقتصر على بعض المواد فقط مع ان ميزانية الدولة تتزايد مع تزايد اسعار النفط وكميات انتاجه . رواتب المتقاعدين هي الاخرى تتقلص بالنسبة الى فئات واسعة من محدودي الدخل من الموظفين والعمال كما تحجب الدولة رواتب الالاف من المتقاعدين من اساتذة الجامعات والاطباء والمهندسين وغيرهم من عراقيي المهجر ممن لديهم خدمة تقاعدية تقدر بعشرات السنين .

 

  وفي الطرف الاخر تتزايد الرواتب والمخصصات بالنسبة لانصار الاحزاب الحاكمة من السياسيين والوزراء واعضاء مجلس النواب واعضاء المجالس المتنوعة الكثيرة في المحافظات والاقضية والنواحي . وتقلصت ايضا الميزانية الاستثمارية والنفقات الجارية الخاصة بالخدمات الصحية والتعليمية والبلدية والهياكل الارتكازية وذهاب شطر لا يستهان به من اموال العراق الى جيوب حيتان الفساد من الفاسدين المفسدين .

 

  اذا كان بخلاء الجاحظ وموليير يبخلون لانهم حريصون على اموالهم الشخصية فدهاقنه الدولة الرشيدة يبخلون باموال العراق بالانفاق على العراقيين غير انهم والحق يقال (كرماء) جدا في الانفاق على انفسهم وشركاءهم في (العملية السياسية) النزيهة جدا .كما انهم غير بخلاء في ان يستنشق العراقيون الروائح الشهية للطهباج والسكباج في حين يتعبون هم في نسفه نسفا . رحم الله الدولة العثمانية التي كانت تمنح كبار المسؤولين مخصات (المضغ والبلع) في ولائمها الكثيرة . وهاهي الدولة العراقية السعيدة تعيد الامجاد وتمنح رواتب ضخمة لكبار المسؤولين لانهم لا يعملون شيئا سوى المضغ والبلع والعلس .

 

أ.د عبد الجبار منديل /اكاديمي عراقي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1511 الخميس 09/09/2010)

 

 

في المثقف اليوم