أقلام حرة

اين العلاقات الانتاجية من متطلبات العصر في كوردستان؟ / عماد علي

هي عليه الان من التخلف وعدم ركب التطور الحاصل في العالم،  انها لم تستقر ولو لفترة قصيرة، فان ما تتصف به خارج نطاق المعقول ولا يمكن ان يقبل به اي شعب في العالم. اننا لن نكشف جديدا لو قلنا ان العلاقات الانتاجية مضطربة وقلقة ولم تتخذ مسارا طبيعيا لها في هذه البقعة من العالم لاسباب وعوامل ذاتية وموضوعية وفي مقدمتها سياسية وهي التي اثرت على الحياة العامة بكل جوانبها، ومنها الوضع الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، ولم تنظم العلاقات الانتاجية بشكل ولو بسيط بل لم ترسخ ارضية لبناء بدايات ماهو المطلوب من هذا الجانب.

المراحل المتنقلة لم تسر بصورة طبيعية وسلسة كما هو حال المناطق الاخرى في العالم، ولم نلمس الا اشباه المراحل تلك والتي بدات طبيعية هناك، اما في منطقتنا لم يكن من شيء الا مرحلة شبه بدائية بداية ومن ثمن انتقلت الى الشبه الاقطاعية، ومن ثم ملامح برجوازية او شيء من الراسمالية هنا وهناك ناهيك عن اختلاف منطقة مع اخرى في كوردستان نفسها، بحيث نحس بوجود خصائص هنا وانعدامها هناك، وكما نكشف عن وجود اشباه الفيودالية في مراحل غابرة وفي مناطق معينة هنا،مع بدايات لفترات شبه صناعية وبالاخص اليدوية منها.

لذا لا يمكن ان نشخص المراحل الطبيعية ونحدد صفاتها ولم نلمس عملية التطور الطبيعي في الحياة العامة في اية مرحلة كانت في هذا المجتمع عبر التاريخ . وكل ما كان هو تاثيرات المتسلطين ومزاجاتهم الشخصية ومصالحهم باي شكل كان، والتي سيرت العملية الحياتية الى وقت قريب جدا. لذا يمكن ان نصف ما في المنطقة بانها تمتلك العلاقات الانتاجية المتفاوتة والمتباينة حتى ضمن حدود منطقة او بقعة صغيرة واحدة مهما كانت الطبيعة الجغرافية فيها. لم يصل الواقع الاقتصادي العام لكوردستان الى الاكتفاء الذاتي بمعناه الصحيح يوما، بل الطبيعة الجبلية لم تمنعها من ما يمكن ان نسميه باصطلاح العصر استيراد او جلب الاحتياجات البسيطة من اية جهة من محيط المنطقة على الرغم من محدودية عدد السكان فيها بشكل عام.

اما في العصر الحديث،فان القوانين والاحكام الصادرة المؤثرة على العلاقات الانتاجية سوى كانت سياسية ام ادارية فزادت من تعقيد الوضع بشكل واضح، واهم العوامل هو ترحيل القرى والارياف والهجرة الطوعية والاجبارية الى المدن والاعتماد على الواردات او المستوردات الزراعية الخارجية بشكل مطلق تقريبا. فلم نلحظ ما يتسم به هذه الفترة من  اية خصائص تساعد على تنظيم العلاقات الانتاجية السائدة او تدفع بالواقع الاجتماعي الى التقدم باي شكل كان.

و بما ان هناك علاقة جدلية واضحة بين الجوانب الزراعية الصناعية السياسية الثقافية كافة  مع ما موجود من النظام العام فان التخلف الزراعي اثر بشكل مباشر على هذه العلاقات والظروف العامة والتي اجبرتها على التراوح مكانها، لذا لم نجد حتى ما يمكن نسميها البدايات الاولية للعصر الصناعي المنشود كما هو حال جميع مناطق العالم .

اظلم مرحلة في هذه المنطقة هي الفترة التي حُكمت كوردستان من قبل الدكتاتورية البغيضة التي لم تسلم منها الارض والحجر،و لم تحسب ولو بقيد شعرة حساب ما للعلاقات الانتاجية من ارتباط بالوضع الاقتصادي العام في اي جانب كان، بل الاوامر العسكرية القرقوشية خلطت الحابل بالنابل، وكل ما كانت تهدف اليه هو السيطرة على هذه المنطقة باي ثمن كان ولجم الاحرار بطرق شتى، والهدف الاكبر لها هو بقاء الاستجداء من المركز لكافة الضروريات اللازمة للحياة البسيطة للفرد الكوردستاني، واثارها باقية على الحياة العامة لحد اليوم.

 كان من المنتظر ان يهم المخلصون من ابناء هذا الشعب نفسه في اعادة النظر من الجوانب كافة بعد الانتفاضة المجيدة، وبعد تحسن الاوضاع من جوانبها المختلفة،  من ثم يؤثر التحسن مهما كانت نسبته من تلقاء نفسه على العلاقات الانتاجية، والبدء بوضع الحجر الاساس لبناء حياة جديدة تتضمن تغييرا متعدد الجوانب ومنتجا ومبرزا لعلاقات انتاجية جديدة وعصرية ملائمة مع متطلبات اليوم ولو بخطوات بسيطة، الا ان الصراع السياسي والاخطاء الكبيرة منعت هذه التوجهات  التي اهتم بها الخيرون، و وأدت الافكار التي تهدف الى هذا من مهدها، لا بل عملية تسييس الفرد والعائلة عقدت الامور وابعدت احتمالات التصحيح، وهذا ما يحتاج لخطوات تصحيحية جذرية متعددة الجوانب، ووضع خطط وبرامج مستندين على البحوث الواقعية لاعادة النظر في كافة الامور الحياتية، وهذا ما يحتاج بالطبع الى عقول وقوانين مناسبة ونظام اقتصادي اداري ملائم وخطوات حاسمة وارادة وردع ما يقف حجر عثرة امام التغيير الشامل لما موجود لحد اليوم، لنلمس بدايات علاقات اجتماعية مختلفة بعد البدء بعلاقات انتاجية جديدة.

العالم يتقدم واصبحت متطلبات العصر هائلة، ليس امامنا  الا الجهود المضنية والاخلاص والعمل المناسب، وكل ما نستطيع قوله اننا نلمس في السنين الاخير بصيص من هذا الضوء الخافت لهذه التوجهات المطلوبة، والبداية يجب ان تكون من الريف، وعلى العكس منه بدانا نحن من المدن وبتوجهات راسمالية مظهرية فقط غير ملائمة للواقع الخاص بنا، ودون ان نهتم بالبنى التحتية التي هي اساس التغيير المراد والتقدم المامول، ولم نستهل بعد خطوة واحدة فقط.

البداية يجب ان تكون من العمل على ازالة الاختلافات الواسعة الموجودة بين جميع المناطق الكوردستانية ومن كافة الجوانب، وفي مقدمتها الوضع الاقتصادي العام، لتحسين مستوى المعيشة ودخل الفرد، وبعد رفع المستوى العام للثقافة والتقليل من التاثير السلبي لنسبة الامية المتفشية (الامية بمعناها الواسع وليس انعدام القراءة والكتابة فقط) والاهتمام بمصادر العلم والمعرفة. والبداية يجب ان يكون بالتوجه نحو الاطراف اكثر من المركز ولو لمدة معينة، لتقريب صفات ومستوى مكونات المجتمع من بعضها ومحاولة التساوي النسبي المنشود والتركيز على ضمان العدالة الاجتماعية والتي لا يمكن الوصول اليها في ظل العلاقات الانتاجية السائدة وما موجود من النظام والقوانين الصادرة في هذه المرحلة.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1519 الجمعة 17/09/2010)

 

في المثقف اليوم