أقلام حرة

مناظرات موجد واوروك بين الحرية الفاسدة والعبث / سلام جمعه المالكي

في دياجير العتمة الغليظة وتكبلت فيها الكلمة الصادقة المباشرة، بل والانفاس والزفرات، عن الانبعاث حتى تمر في مرشحات راكمتها ارادات السلاطين والحكام و"اولي الامر" على مدى تلك الحقب وزادتها استسلام الامة وخنوعها وتصاغر الاهلين تحت عناوين شتى، " الدفع بالكصبة" و"المشي بسد الحائط" وسواهما، وعلى ما يبدو فقد انطبعت تلك المرشحات على العقول والنفوس من جيل لجيل.

بعد احداث 2003 بشتى توصيفاتها من احتلال وتحرير وغزو وتغيير، توهم البعض ان قد حان اوان الانعتاق من ربقة تلك المرشحات نحو فضاء الحرية، وان ستنطلق الامة نحو فضاءات التعبير عن مكنونات الصدور، من اعترافات باخطاء الماضي وتسمية الاشياء بمسمياتها الحقة ورد الحقوق المعنوية لاهلها ورفع الستر عن ركم الزيف الذي صورته مئات سنين من تزييف التاريخ والاحداث والشخوص وبالتالي فهي مخاض لولادة جديدة جدية لهذه الامة المنكوبة بأهلها قبل غيرهم. كل ذلك، كما توهم البعض، ضمن اجواء التسامح والعض على الجراح والترفع عن الصغائر والاعتراف بالضعف وسواها مما يليق بمعنى الحرية كما تفهمها الاذهان الراقية المستعلية عن السفاسف وحطام الدنيا وعقلية المؤامرات وصغار الصراعات الشخصية الضيقة، والتي ان خالطت عملية المخاض تلك فلن تزيدها الا خبالا وانكفاءا نحو العبثية والغوغائية التي لا تليق الا بالرعاع والسوقة.

لقد انشرحت الصدور وانفرجت الاسارير بادئ ذي بدء عند ظهور ذلك العدد الكبير من وسائل التعبير المرئي والسمعي منها والبصري والمقروء، من فضائيات واذاعات وجرائد ومجلات ومواقع الكترونية، والتي وان كان الغرض الاساس منها (او لنقل من معظمها) الترويج لهذه الجهة او تلك، فلا غضاضة ولا ضير، فلسنا في جنة الفردوس حيث الكمال والتنزه التام عن الاطماع الشخصية او الجهوية، الا انها قد استقطبت الكثير من الاراء والافكار والرؤى والطروحات الفكرية والثقافية وغيرها. غير ان ما اخمد ذلك الانشراح وضيق الاسارير، ان انكشف عدم وجود ضوابط حقيقية (لمعظم) تلك الفضاءات فيما يتعلق بمستوى المعروض فيها من النواحي الادبية واللغوية والاخلاقية، فتراها تعج بكل ما يمكن لناقد بسيط جدا ان يميزه من الاخطاء الاملائية والنحوية وانواع الخروج عن الاعراف الاخلاقية والاعتبارية. بل قد تحول الكثير منها الى ساحة لقلة الادب والقذف والسب العلني والتنابز بالالقاب الذي لو حدث في سوق شعبية كسوق العورة واسواق الوشاش لوجد من "ذوي الحظ والبخت" من يوبخ المشتركين فيه، وكل ذلك تحت مسمى حرية التعبير.

من تلك المواقع التي كنت امل فيها خيرا، موقع "كتابات" الذي لاحظت فيه منذ فترة ليس بالقصيرة ميلا نحو نشر كل ما يتعلق بالنيل من جهة واحدة بالتحديد وكل ما يتعلق بشخوص من مذهب واحد بالتحديد، ولا اجد عندي اي غضاضة من ذلك فكما بينت سابقا ان مثل تلك الامور تتبع اوليات كثيرة قد يكون منها فكر الجهة المؤسسة وتوجهاتها وعلاقاتها ومصادر التمويل وبالتالي فهي فكر مقابل فكر وكلمة مقابل كلمة. الا ان ما ثّبط ذلك الامل أن رايتها تنحدر نحو نشر بعض غث الكتابات المغرقة في استخدام ضحل المفردات العامية اضافة الى انحدارها (بعض المنشورات) نحو مستنقع السب المج دون اي اعتبار لمكانة الاخرين العلمية والادبية حتى اضحى موقع كتابات اشبه بالجدار المدرسي الحر الخارج عن المحددات والاطر العرفية والاخلاقية. ليت يصدر ذا عن عناوين بسيطة، لكان الوقع اهون ومؤمل اصلاحه، ولكن بتنا شهودا على معارك كلامية ومشادات سباب وطعونات اخلاقية وشخصية بين شخوص تنسب ذواتها لمجتمع الثقافة والشعر والادب (او هي منسوبة فعلا ولست اعرفها بحكم عدم تذوقي لنتاجاتهم لكوني من مدرسة قديمة اعشق فيها عبق الجماليات الاصيلة الضاربة في عمق التاريخ وبالتالي فلم تمر اسمائهم امام ناظري قبلا قط، مع احترامي لهم ولكل ابناء الامة العراقية كشخوص). ماذا ينفع القارئ ان يعري اوروك موجدا او ان يدفع مشذوب باسانيده ثم يرد موجد ويعيد الكرة اوروك، وكل يلمع تاريخه النضالي ويحط بالاخر مستشهدا ب "قلت" و"قال"؟ اليس الاجدى والاقل تصديعا لرؤوس ابناء الامة العراقية ان يتراسل المعنيون مباشرة فيقولون ويسمعون ماشاء لهم وطاب؟

بلى كلنا في العراق، واعنيها وارمي بالمخادعة كل من يقول عكس ذلك، كلنا رضخنا وطأطأنا الرؤوس امام جبروت الطغيان البائد سواء بالمساهمة المباشرة انتفاعا او غير المباشرة مداهنة او حتى بالسكوت واغماض العيون خوفا.  اما الحديث عن نضالات وبطولات في معارضة الوضع البائد فمعلوماتي ان من عارض حقا قد سعد بأن ضمته احضان وادي السلام وسواها من ترب ارض العراق الطاهرة، او انه قد وجد ملجأ خارج العراق ولا جرم ولا عار، وليس من شيم الاهل ان يعير احدهم الاخر بسقطات خاصة اذا لم تبلغ حد كسر العظام او سفك الدم، والام الغزل على نول ابراز الذات من خلال الحط من شأن الاخرين؟ لم لا يكون التنافس من خلال الفعل الايجابي ثم يكون الفائز صاحب القدح المعلى من يجمع نقاطا ايجابية اعلى؟ فما نفع الفوز على فاشل او خامل الذكر او (خائن)؟ خاصة ونحن في خضم بناء دولة على ركام بائس طال بقاءه مهملا وداسته هوام الارض من كل اطرافها، ومثل هذا العمل بحاجة ملحة لاقصى درجات ضبط النفس والعقلانية التي لن ينهض بها سوى العلماء الحق، وان تجريم هذا او رد مظالم ذاك لهي من عظائم الامور التي ينبغي القيام بها من قبل الجهات القضائية، بدلا عن ان يكون الشارع او الفضائيات والمواقع الالكترونية ملعبا لها يصول بها الصائلون دون حسيب ولا رقيب.

انما العتب على القائمين على تلك المنابر التوعوية والاعلامية ممن فتحوا مصاريع ابوابهم لتصفية حسابات شخصية ونشر غسيل قد لا يكون له وجود اصلا مما يحول تلك المواقع الى "علاوي" اكثر منها وسائل فكر ودعاية...المصيبة ان يكون ذاك هو المقصود فعلا. 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1519 الجمعة 17/09/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم