أقلام حرة

كلنا طل الملوحي / ثائر الناشف

بالأمس القريب كنا أسرى قانون الطوارئ، وغداً نصبح أسرى الطائفية، فإلى متى سيظل الإنسان يفتك بأخيه الإنسان، لمجرد الاختلاف بالرأي ؟.

نحن اليوم، كلنا طل الملوحي، فقضيتها العادلة قضيتنا جميعاً، وحقها في الحرية، لن يثني أصحاب الضمائر الحية والقلوب الشجاعة إلى طرق كل الأبواب ونزع حجب الخوف والرعب، فالعالم لازال يناضل دفاعاً عن المرأة وحقها في الحياة المتساوية مع الرجل، والنظام السوري يوغل في اعتقالها وتعذيبها وحرمانها من أبسط الحقوق .

هل يوجد نظام في التاريخ، يمنع الزيارة والتواصل مع معتقلة بعمر الزهر، مثلما يفعل النظام السوري الآن مع المدونة طل الملوحي ذات التسعة عشر ربيعاً، والتي لا يعرف ذويها ولا العالم عن مصيرها شيئاً ؟ .

إن المعتقلة طل الملوحي التي انقطعت أخبارها عن العالم، فيما يشبه الخطف من أحضان الحياة، لم تكن أول معتقلة ولن تكون آخر معتقلة، فمسلسل الاعتقالات مستمر، طالما استمر نظام الاستبداد بحكم سورية، وطالما استهتر النظام بحياة الإنسان السوري وكرامته وحريته في سبيل تثبيت عروش سلطته وإدامة استبداده على حساب حرية الإنسان .

غير أن عصر التعتيم والتجهيل والتضليل على أذهان الشعب، ولى إلى غير رجعة، وأن شعارات " الصمود والتصدي والمقاومة والممانعة " سقطت مع أول صفعة من سوط جلاد طائش، ومع أول صرخة ألم صدحت بها حناجر المعتقلين.

إن كل صرخة ألم أطلقتها طل الملوحي، في زنزانة التعذيب وغرفة التوقيف، وكل عسف وإرهاب مارسه الجلادون المستبدون، يجعلنا نتساءل عن أي ذنب اقترفته، وأي تهديد شكلته على أمن النظام ؟ هل دفاعها عن فلسطين يستدعي كل هذا العسف، أم أن حبها لوطنها المكلوم أزعج المستبدين وقض مضاجع حكمهم ؟.

كما أن الغموض الذي يكتنف قضيتها، وتضارب الأنباء حول مصيرها، يضع النظام السوري أمام مسؤوليته الجسيمة، إزاء أي أذى تعرضت له خلال فترة اعتقالها، ويكفي الأذى الكبير الذي سببه النظام، جراء حرمانها من التقدم لامتحانات الثانوية العامة لدورتين متتاليتين، قبل اعتقالها وأثناءه .

إن استهانة النظام السوري بحياة الإنسان وكرامته، لن يمر من الآن فصاعداً، دون مساءلة أو محاسبة، مهما بلغ حجم تواطؤ وتخاذل بعض الدول الساعية لتأمين مصالحها، على حساب مبادئها الأساسية في الدفاع عن حقوق الإنسان .

فعصرنا اليوم، هو عصر حقوق الإنسان، الذي طالما ضربت به بعض النظم المستبدة عرض الحائط، وما كان خفياً مضللاً بالأمس، بات مكشوفاً اليوم أمام الرأي العام .

إن أولى أشكال المساءلة، التي لم يعتد عليها النظام السوري من قبل، ولم يكن يتوقع حصولها على الإطلاق، تجلت في الدعوة المفتوحة للاحتجاج السلمي أمام سفارته في وسط القاهرة، بمشاركة الفعاليات المصرية والعربية والأجنبية المختلفة تضامناً مع قضية طل الملوحي، طالما كان ذلك متعذراً حصوله في دمشق بفعل القبضة الحديدية التي تحكم سورية، وحالة الرعب والخوف التي تنتاب الشارع السوري منذ أربعين عاماً .

إن مشاركة الفعاليات في عواصم مختلفة من العالم، ودفاعها عن معتقلي الرأي والضمير في سجون النظام السوري، توجب على الأخير، فهم رسالتها الاحتجاجية بالإفراج العاجل وغير المشروط عن كل المعتقلين الذين جرى اعتقالهم ومحاكمتهم بلا ذنب أو جريرة أمام محاكم تفتقر إلى الأساس القانوني لأي قضاء مستقل، وإلا فأن ميزان العدالة الدولية لن يتساهل بعد اليوم مع أي نظام كان .

إن قضية المدونة السورية المعتقلة في زنانين النظام السوري، والمصير الغامض حول اختفائها القسري، لما يقرب من العام، يجعلنا نقول كلنا طل الملوحي .

 

 كاتب سوري

    

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1521 الاحد 19/09/2010)

 

 

في المثقف اليوم