أقلام حرة

يسعى الاسلام السياسي لاعادة التاريخ في كوردستان / عماد علي

 ربما تحصل التشابه في زاوية او جزء او عملية ما او حادث يتكرر، ومع ذلك فان هذا ايضا لا يمكن ان يتطابق مع سابقه بشكل مطلق وانما يكون هناك وجه للتشابه تلك في صورة او حالة ما . لقد اُستغفِل الشعب الكوردي في العديد من مراحل التاريخ وفُرضت عليه امور كان بوسعه ان يتجاوزها او يتلافاها او على الاقل يقلل من تاثيراتها السلبية، لو كان يتمتع بمقومات وسمات تؤهله على التعمق في جوهر القضايا التي مر بها، وكان في جميع الاحوال اما اُجبر على ما ادخل فيه او ارتضى بما اريد منه لقناعته العقلية والفكرية التي كان يلتزم بها حينئذ، وكان متضررا هو قبل غيره من مجريات الامور. نرى عبرتاريخه الطويل استغلاله واستخدامه في تحقيق مآرب جهات اخرى بحجج ومبررات اقنعته على الاقدام على اتباع توجهات وافعال كان هو في غنى عنها ولم تكن لصالح مسيرته الحياتية باي شكل كان . عبر مسار التاريخ فرضت عليه افكار وعقائد واديان ومذاهب بكل الطرق غير ما كانت اصيلة نابعة من ذاته، سوى كان الفرض ترهيبا او ترغيبا او بالحيل والخداع واستغلت خصائصه وسماته الفضيلة العامة ودخلوا الى عمق داره مستغلين الثغرات المختلفة في تركيبه لتحقيق مرامهم ونجحوا كثيرا فيما هم نووا ووصلوا الى اهدافهم بسهولة لاسباب وعوامل عديدة سوى كانت سياسية ام اجتماعية ام اقتصادية او ثقافية او كافة هذه العوامل مجتمعة.

اليوم وبعد التغييرات الهائلة في طبيعة وشكل المجتمع الكوردستاني  وانفتاحه واستدراكه للعديد من الامور وتحليله لتاريخه وقراءته لما مرً به وتحديده لنقاط ضعفه وقوته ومحاولاته في ردم ثغراته في تركيبته المختلفة لحدما، والاهم ازدياد نسبة الوعي العام للمجتمع وغوره في مواضيع وامور لم يكن يقترب منها خوفا او حذرا من قبل وهي تمس حاضر ومستقبل اجياله وكان من الواجب ان يدرسها ويهتم بها بشكل دقيق جدا.

الجانب الهام الذي يفرض نفسه علينا، ومن الواجب التعمق فيه وتحليله ودراسته بشكل مفصل هو ما اعتنقه طوال تاريخه من الاعتقادات والخرافات والافكار والاديان والمذاهب وكيفية انتشارها بين ظهرانيه والظروف العامة التي كان يمر بها وكل ما يتعلق بهذا الموضوع من كافة الجوانب سوى كانت بالدراسة المتانية العلمية العميقة في قراءة الاحداث التاريخية او الظروف الاجتماعية السياسية الاقتصادية العامة التي عاش فيها وعوامل نجاح الوافدين مرات عدة وفشلهم عادة في مواقع هنا وهناك للوصول الى مبتغاهم او تراجعهم لصعوبة الامر وتحديد الطرق المتبعة من قبلهم، في سبيل الاعتبار منه وعدم التكرار والاخذ بالايجابيات وتجاوز السلبيات ومحاولة ازالتها مع اثارها .

من جانب المعتقدات والافكار والاديان، وما استورد فيما بعد تجسيد الحال ونجاح المحتلين والوافدين القدامى،  فاننا يجب ان نستذكر ما كنا فيه وما آلت اليه اوضاعنا وكيف تغيرت احوالنا وفرضت علينا امور لم تكن من صلب تارخنا ومسيرتنا ولم نكن مؤمنين بها لا من قريب او بعيد، وبعد تحقيق اهدافهم العديدة، استغلوا هذا الشعب المسالم كوسيلة في مواضيع ابعد من المعقول ومن اجل تحقيق اهدافهم البعيدة في مراحل من تاريخه العريق. لقد ثبتت الافكار والمعتقدات نفسها سوى ارتضينا ام لا وورثتها الاجيال وفرضت مغالطات وشوه التاريخ وانقاد هذا الشعب نحو اهداف وهو في غنى غنها ويدل على مدى سذاجته بعض الشيء في مراحل متعددة من تاريخه.

استغل الدين منذ ابنثاقه او فرضه هنا بالقوة لتحقيق مجموعة من الاهداف اضافة الى ما يحوي بنفسه على امور مادية بحتة متحركة بدوافع وحجج مثالية وبوسائل من الناحيتين. لم يكن الاقتصاد والمصالح المختلفة بعيدة عنه يوما بل كان في مقدمة المواضيع المتصلة بامور الدين، لذا نلمس نحن بان الشعب الكوردي استخدم كاداة بيد المتنفذين مستغلينه بدوافع دينية بحتة في اعماقه للوصول الى الاهداف الاخرى وهو لا يعلم بها وفرضوا عليه ما كان عليه الا يتقبله لو كان لديه المستوى المطلوب من الوعي والادراك بجواهر المفاهيم التي اتبعها الاخر دائما. فواجه الموت والدمار والحصار والفناء جراء اتباعه لطرق المصلحيين الدهاة من الاخرين الذين وفدوا واحتلوا كردستان بكل السبل، ولم يكن ينظر الى ما يخصه ويهمه بانفراد وعزلة عن مصلحة الاخرين، الى ان وصل الى ما هو عليه دون ان يستفيد مما اقدم عليه مثقال ذرة تُذكر في جميع مراحل التاريخ والتي دخل الاخرون الى ارضه وقدم تضحيات جسام وادخلت في حساب الاخرين.

بعد ترسيخ ما فرض عليه بشكل نهائي وتوارث الاجيال من الترسبات وبقت احواله كما هي طوال القرون والعقود المنصرمة،  ابعد عن صفاته الاصيلة وما كان يتميز به في كثير من الجوانب، فاليوم نرى من يحاول اعادة التاريخ في هذا الصدد وما شاهده تاريخ هذه المنطقة، ولكن بوسائل عصرية مغايرة ولكن لنفس الاهداف والتوجهات القديمة الحديثة. ان لم تبق من العوامل والارضية المناسبة لتساعد في اعادة الكرٌة من الاحتلالات والاستغلالات والسلب والنهب والسرقة للثروات والاستعباد، فان هناك من يعمل على الوتيرة ذاتها سوى كان بعلمه او مستغفلا من قصر عقليته او تفكيره او لفقره الذهني وسيطرة الافكار والعقائد المتوارثة المساعدة على تكرار ما حدث من قبل. ان كانت المراحل السابقة من تاريخ  كوردستان بالذات ونحن تحت ضيم الاعداء والمحتلين ونفذوا فينا ما كان يحلو لهم ووصلوا الى غيهم بشتى الوسائل، فاليوم ما افرزه التاريخ من الافكار والعقليات وما فرضت من العادات والتقاليد تساعد على التزام العديد من ابناء هذا الشعب بما ليس من عمق مصلحتهم، الا ان التطورات اصبحت عائقا موضوعيا امام اعادة التاريخ. فاستغل الدين من قبل الاخرين لتثبيت الذات وترصين الاوضاع الخاصة والامور التي تهمهم بنفسهم دون غيرهم، اما نحن فلم نكن ولو لحظة نفكر في مصلحتنا لا بل ساعد ما التزمنا به وما فرض علينا على فرقتنا وتبعيتنا للاخرين واستغلالنا لما استهدف الاخرون اليه .

يسعى الاسلام السياسي بالذات في هذه المرحلة في اقليم كوردستان ولمصالح حزبية واعتقادات وافكار لاعادة التاريخ بوسائل اليوم من التجمع كاحزاب سياسية مشابهة لاخرى فيما كان عليه في حينه في الجوهر ومختلفة عنها في الشكل والتركيب، ومستغَلين من قبل الاطراف الخارجية، وهم يستغلون الظروف الاجتماعية الاقتصادية وما لصالحهم منها لتحقيق ما يعملون ومن يساعدهم من اجله، ولكن التغيرات الكبيرة الهائلة في الاوضاع العالمية وما فرزته العولمة من جوانبها المختلفة والايجابية منها وخاصة الاتصالات والاكترونياتمن الجانب الموضوعي والتطورات الحاصلة ذاتيا في الشعب الكوردستاني لم تدع العقليات والافكار المنتشرة ان تكون محصورة في بودقة واحدة ولم تدع الامور بيد شخصية او جهة معينة، فالاحتكاكات وما يتلمسه الشعب الكوردستاني من التطورات لم تدع ان تصبح الطرق مفتوحة وواسعة وسهلة كما كانت عبر التاريخ كي يسلكها الاسلام السياسي لتحقيق ما حققته اسلافهم في القرون الماضية، لذلك لم نشهد تطورا ملحوظا في بنية وثقل احزابهم ، ولم تمتد ايديهم لغير مساحة معينة ومحددة من ابناء الشعب غير الذي استغل الظروف الاقتصادية السياسية الاجتماعية القاسية التي مرت بها كوردستان وخاصة هذا الاقليم  في مرحلة محدودة، واليوم انتقلت لمرحلة اخرى مغايرة تماما وهي ليست لصالح الاسلام السياسي واهدافه وشعاراته المعلومة. 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1526 الجمعة 24/09/2010)

 

 

في المثقف اليوم