أقلام حرة

معنى الكرامة... درس من شافيز / بسام الهلسه

ولم تعد متداولة في سوق العولمة وشريعتها "الليبرالية الجديدة"، التي أحسن من وصفها بالمتوحشة. ومفرداته هي: الحرية، والاستقلال، والديمقراطية الشعبية -وليس "النخبوية"- والسيطرة على ثروات الأمة، وبناء اقتصاد وطني حديث يلبي حاجاتها ويوضع في خدمتها بعدالة، والسعي لتحرير القارة ووحدتها، والتضامن بين المستضعفين في العالم المقاومين لعدوان وهيمنة أميركا وأعوانها.

وقبل كل هذه المفردات تأتي "الكرامة"، في عالم صار فيه الهوان والإذلال والاستعباد أموراً طبيعية، يوصف من لا يتقبلها ويعتادها، بالإرهاب أو الشذوذ!

*    *    *

في درسه الجاري أمامنا، يستأنف "شافيز" خطى المسيرة التحريرية التوحيدية العظيمة التي باشرها المناضل الثوري الأميركي-اللاتيني في القرن التاسع عشر: "سيمون بوليفار", "المحرر" كما لقبته شعوب أميركا اللاتينية، لقيادته الكفاح من أجل الاستقلال من الاستعمار الإسباني، ومن أجل وحدة شعوب أميركا اللاتينية.

رحل "بوليفار"، لكن إجيالاً متواصلة من المناضلين الأميركيين- اللاتينيين سارت على دربه المضيء، نذكر منهم في القرن العشرين: "زاباتا" المكسيكي، و"كاسترو" الكوبي، و"تشي جيفارا" الأرجنتيني، و"الليندي" التشيلي، و"اورتيغا" النيكاراغوي –مع الفوراق بين تجاربهم- وغيرهم من القادة الذين كرَّسوا حياتهم من أجل خدمة أُممهم المستضعفة وتحريرها من الاستعمار الأميركي وريث الاستعمار الإسباني القديم، ومن أذرع وامتدادات الاستعمار الأميركي المحلية المتعاونة معه في استعباد ونهب شعوبها, سواء كانت من العسكر الدكتاتوري والأجهزة الأمنية، أو البنوك (وبخاصة وصفات صندوق النقد الدولي التدميرية)، أو الشركات، أو النقابات المسيَّرة من قطاع الأعمال، أو ملاك الأراضي الكبار، أو وسائل الإعلام، أو الأكاديميين المرتزقة الذين باعوا أنفسهم ومكَّنوا "الولايات المتحدة" من إنفاذ إرادتها وسياستها بتحويل "أميركا اللاتينية"، ليس إلى حديقة خلفية فقط للولايات المتحدة، بل إلى ماخور رخيص بحجم قارة، مفتوح لرجال ونساء الأعمال الأميركيين الشماليين –أو "الغرنغو" كما يسمونهم- ليقضوا فيه مباذلهم في العطل الأسبوعية.

*    *    *

بفضل هؤلاء وأسيادهم: بنوك وشركات ومخابرات "اليانكي"، أصبح اسم "جمهوريات الموز، وبلاد المخدرات" علماً على دول أميركا اللاتينية. اسم يخجل منه أصحاب الضمائر الحية والنفوس الأبية أمثال "شافيز" الذي عرف الحرية والعدل من مشاهداته ومعايشته اليومية لواقع القارة الناطق بالبؤس الضاري، والتبعية المخزية المطلية باستقلال شكلي.

ولم تُعْمِه امتيازاته كضابط في الجيش الفنزويللي عن الاحساس بآلام ملايين الملايين من الجياع المشردين، أو سكَّان بيوت الصفيح الملفقة.

وقاده إحساسه الحي إلى الإطلاع على أوضاع وتجارب بلدان القارة, وبلدان العالم التي تعيش ظروفاً مشابهة، ومنها بلادنا العربية؛ وهو ما أوصله إلى إدراك الترابط القائم بين اللصوص الحاكمين الناهبين في "الداخل"، واللصوص الدوليين الحاكمين الناهبين في "الخارج"، وكذا الترابط الوثيق بين الأمم المستضعفة في كفاحها العادل.

*    *    *

من هذه المعايشة وهذا الإدراك، إنطلق "شافيز" ورفاقه في مسيرتهم الباسلة التي نتابع وقائعها الحية بتقدير تستحقه، وبحسرة مريرة –لما هي عليه حالنا الأسوأ بكثير من حال القارة اللاتينية- والتي تستحثنا بقوة لإدراك ما أدركه شافيز، ولقراءة واستيعاب درسه –المثال- في معنى "الكرامة".

 

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1528 الاثنين 27/09/2010)

 

في المثقف اليوم