أقلام حرة

إني أعترف: قتلنا الحسين! / نجاح محمد علي

كانوا يقصدون به آنذاك الامام الخميني كونه نائبا عن الامام الغائب المهدي المنتظر، واليوم فأن أنصار الولي الفقيه، يصرون على هذا الشعار وهم  يتحدون بذلك كل من يعارضه أو يعتقدون أنه يخذله عندما لايمتثل لطاعته بشكل كامل!.

 

كنا في إيران أثناء هجرتنا التي أضطررنا لها بعد سقوط الشاه، بسبب تأييدنا لثورة الخميني، نواجه أيضا  حتى قبل سقوط نظام صدام، سؤالا مستفزا أزعج الكثيرين منا، لأن معظم الذين كنا نواجههم ويٍسألوننا : لماذا لايثور العراقيون على صدام كما فعلت إيران؟ وبالفارسية كان السؤال أكثر ازعاجا: " چرا ملت عراق قيام نميكنند ؟!!" وفيه الكثير من الاستعلاء والفخر والاهانة للعراقيين، وأنهم خذلوا عليا في الكوفة، وخذلوا من قبل ابنه الحسين، بل هم الذين قتلوه.

ولأن السؤال السابق خلق رأي عام في إيران مضاد تماما – آنذاك-  للمهاجرين والمهجرين العراقيين، وأثر على معاملاتهم اليومية في الشارع، واثناء شرائهم الخبز، وفي صفوف الطوابير  الطويلة على الحليب وكل ماهو ضروري،حيث قننت إيران توزيعها في زمن الحرب، فقد تصدى بعض زعامات المعارضة العراقية للرد على السؤال : أين هي ثورتكم ياخذلة الأئمة؟!!  ..

 

ومن هؤلاء بالطبع ، المفكر الداعية الكبير عز الدين سليم ،وكان أول من كتب عن " چرا ملت عراق قيام نميكنند ؟" ، وشرح بالتفصيل كيف يتحرك التأريخ، مدافعا عن العراقيين.

وأذكر أن  عز الدين سليم " أبا ياسين" رحمه الله ، كتب مقالا آخرا عن الظاهرة الكوفية ، وشرح أن ظاهرة " أهل الكوفة " الذين تخلوا عن الحسين وملأوا قلب علي قيحا وخذلوه، ليست عراقية، واستشهد، بآية " وتلك الأيام نداولها بين الناس" شارحا أيضا التداول الحضاري من منطلق علمي، ومبينا أن " الكوفة" التي خذلت الحق في مقطع ما من التأريخ،عادت نصرت الحق وممثليه، فكانت حركة التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي في الاتجاه الصحيح،وكانت ثورة المختار الثقفي تعبيرا حيا عن الأخذ بالثأر لصالح الدم الثائر المارق في الطفوف..

 

أبو ياسين أي عز الدين سليم كان من أوائل الدعاة الى التقريب ونبذ التطرف، وكانت عنايته بالتأريخ وبوحدة المسلمين في العراق وتصديه لبدايات الفتنة الطائفية، سببا لكي يتم أغتياله بعد أيام من انتخابه رئيسا للعراق وتحديدا يوم 17 مايوم ايار العام 2004  مع رفيق دربه الطويل الداعية  المعروف طالب الحجامي " أبي محمد العامري" .

 

وأثناء رئاسته لمجلس الحكم ، اتصل بي أبو ياسين من العراق، بعد أن حذرته عبر نجله الشاب الجميل المؤدب بأخلاق أسرة أبي ياسين كلها ،البار"ياسر"،واسرني بكلام "هائل" عن حجم المؤامرة ضد وحدة العراقيين، لاشعال الفتنة الطائفية في المنطقة بأسرها.

 

ماعلينا ..

قتل أبو ياسين ، و قبل ذلك أسس مركزا  للدراسات التأريخية والاجتماعية،وكان همه كيف يوفق بين العمل العام والعمل الخاص، وأن يتعلم دعاة العمل الخاص أن لكل مقام مقالا، وهم يتحركون في إتجاه تحريك الأمة باتجاه الاسلام.

كان عز الدين سليم يركز على نشر الفكر الصحيح الذي تحتاجه النهضة ، ولطالما تحدث لنا وهو يستذكر ثورة الحسين بألم ، عن "الدم الذي مازال يبحث عن مختار جديد"!.

أتذكر أبا ياسين، وذلك لأنني التقيت في مقهىً شعبي بسيط في دبي بشقيقه السائر على نهجه بكل أدبه الجم" عبد الهادي " الذي يعمل حاليا ملحقا تجاريا للعراق في دولة الامارات العربية المتحدة، وتحدثنا عن تلك الأيام !.

في بداية هجرتنا الى إيران في ربيع العام 1980  ، كنت ألقي بعض المحاضرات الخاصة في حي " العراقيين المهجرين" في ضاحية دولت آباد، لشبان وشابات هجرهم النظام قسرا عن وطنهم، وكنا نريد تحريكهم باتجاه الاسلام.وعندما وجدت اقبالا اقترحت على أبي ياسين أن يشارك في هذه الجلسات التي كانت تتم معي  في شقق ضيقة سرعان ما توسعت وخرجت الى العلن في مساجد وتكايا اكتضت بالحاضرين والحاضرات لأن المتحدث كان عز الدين سليم!.

 

وأذكر أن من بين المحاور  التي ركز عليها المرحوم وهو يتحدث عن الفكر الذي تحتاجه الأمة لتنهض، كان تطهير ما وصل لنا من طقوس وممارسات باسم الدين .

وإذ شرح أبو ياسين بعمق طبيعة نهضة الحسين، كان يحذر أيضا من أساليب ومخططات هدفها "سلب قيمة الأفكار "التي جاءت بها تلك الثورة العظيمة.

أقول قولي هذا وكنت  ناقشت مؤخرا  البعض من " شيعة " الحسين أو هكذا يعرفون أنفسهم، وهم يدافعون عن " الحسين  الذي يتوسل القوم ليسقوه شربة ماء" وهو العارف أنه بعد لحظات سيعانق الحور العين ليسقيه جده شربة ماء لايظمأ بعدها أبدا..

والأكثر إيلاما أن هؤلاء يصرون على أن يظهروا الساعة الأخيرة فقط من حياة الحسين وأهل بيته ، لكن في أسوأ  صورة لرجل عاش 58 عاما من العطاء الممزوج بعصمة رسول الله "ص"..

 وهاهي المراثي الحسينية بل وبعض نصوص الزيارات لاتنفك وهي تردد عن نساء الحسين وبناته أنهن " برزن من الخدور ناشرات الشعور ، على الخدود لاطمات الوجوه سافرات ،وبالعويل داعيات ...".

أهذا هو الثمن من ثورة رجل  خرج يقيم الأود،طالبا الاصلاح لا مفسدا وأشرا؟؟!!

 

لله درك يازينب ويابنات علي والحسين ،ويامن غطاكن الله بكساء الولاية من عنده ،كم تحملتن من مصائب ، هاهي اليوم مستمرة عليكن  !.

 آه ياحسين!

ياحبيب قلوب الثائرين على الـ" نعم"  في كل زمان .

يارغبة آمال المستضعفين الباحثين عن الحرية والكرامة والعزة الأبدية حيث لازمان، وكل شيء هالك الا وجهه!.

ياحسين ..كم شوهوا باسمك الدين، وكم قتلوا " التشيع " لك وهم يرددون اسمك .!

يا سيدي :

"ظنوا بأن قتل الحسينَ يزيدُهم لكنما قتل الحسينُ يزيدا"

ياحسين يامظلوم ..

وإذ عجز يزيد بكل جيوشه العسكرية وأتباعه الفكريين عن قتلك ،لأنك أيها الدم الفوار والروح العظيمة انتصرت بدمك الطاهر على يزيد عصرك  وعلى كل طواغيت العصر، فان من شيعتك من يصر على قتلك كل يوم، وهم الذين خذلوك مرددين : " ياليتنا كنا معكم سادتي فنفوز فوزا عظيما .."

يا أبا الأحرار ..من شيعتك من خذلك ، ومن هم من ساهم في قتلك ، بل وفي قتلك " سيوفهم عليك وقلوبهم معك" وهاهم اليوم يقتلونك كل يوم ويسبون حرائرك  ..دون حجاب!.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1530 الاربعاء 29/09/2010)

 

في المثقف اليوم