أقلام حرة

موقف الاتجاهات من ارتكاب الجرائم ضد الحريات العامة في العراق / عماد علي

وتتبحج بانها ساهرة على صون المكتسبات وانها مدافعة قوية عن المنجزات وتعلن تضحيتها بكل ما يمكنها في سبيل التطور وضمان مستقبل الاجيال، هذه الجهات ليست بقليلة اليوم، فمنها ما انبثقت في التاريخ المناسب ومنها انفلقت في الظروف الطارئة ومنها استغلت ما استحدثت من الاوضاع والارضية المؤاتية لتطفو الى السطح .

 لا يمر يوم الا ونسمع الكثير من المثاليات ويعلنون ما يشاؤون من الكلام الرصين، وما تجاري النوابغ من النطق والجوهر مظهريا وكلاما فقط،و يستغلون كافة قنوات الاعلام من اجل المزايدات مع البعض، وفي الحقيقة ليس الا من اجل المصالح الحزبية والشخصية الضيقة، ويناقشون باحسن وجه وبكلمات رنانة وحقة بما يراد بها الباطل في جوهر نواياهم الحقيقية.

منهم من يعتبر نفسه صاحب الامر وذاق الامرين الى ان اوصل الحال الى ماهي عليه ولا يعطي الحق لغيره بان يستمتع بما جاهد من اجله وضحى، ومنهم من يدعي بانه لولاه لما سقطت الدكتاتورية وكنا لحد اليوم تحت رحمتها وما اقترفتها ايديها من الجرائم كما كانت، ومنهم يقول انه نخر كيان الدكتاتورية من الداخل واختزل من جماهيريته وكأنها كانت صاحبة الجماهير الحقيقية، وانه يوضح الصحيح والحقيقة للجميع وباية طريقة كانت ويدعي السرية في العمل على الاكثر اثناء محاربتها للدكتاتورية، ومنهم من يعلو بنفسه ويستهين بالاخر ويعتبر نفسه المحق ولا يمكنه التنازل عن حقه في الحصول على اي مكسب لانه هو من كان في الداخل والخارج على حد سواء وعايش الوضع واتصل بالقوى وناضلب من اجل التغيير، وينبري الاخر الا ان ينفي الاخر بكل ما يملك، وهو يصر على انه يملك الحق وليس غيره في ادارة البلاد ورضوخ العباد ويعتبر الكرسي من حقه التاريخي وليس لاحد ان يشاركه فيه، وهناك اخر واخر وما شاء العراق الجديد من التعددية المعلومة وكيف فرشوا الارض وينتظرون ان يستولوا على السماء ومن ثم البحر والنهر ان تمكنوا من الوصول اصلا، وهذا ما افرزه الواقع العراقي الجديد ان ارتضينا به ام لم نرتضي، ولكن في الحقيقة لو كنا محايدين نعلم بانه ارحم بالف مرة من عهد الدكتاتورية البغيض وما اقترفه من الجرائم التي لا يمكن ان تغتفر . اما الواقع وما فيه فحدث ولا حرج، فترى من التناقضات لم نشهدها من قبل ولاسباب وعوامل ربما طبيعية في بعض منها نظرا لحساسية المرحلة ومتطلباتها، الا ان هناك من الاحداث والظواهر لا يمكن تقبلها وليس لها اي مبرر مقارنة مع ما فيه من الزمان والمكان والسمات والمواصفات. لا يمكن وصف الدولة التي نعيش في كنفها بشكل علمي ولا يمكن تشريح مضمونها او تحليله باي شكل كان، أ هل تتسم بما قبل الحداثة او دولة الحداثة هي بذاتها ام دولة الخيال وما بعد الحداثة في التصور فقط بعيدا عن الارض، ام كما يحلو للبعض ان يسميها بالفاشلة من كافة النواحي . الاصح انها متنقلة بكل معنى الكلمة ولا يمكن تقييمها بشكل موضوعي ومحايد الا ان يستقر الوضع والامور العديدة ويستوضح ما ننتقل اليه من كافة جوانبها، ولكن السؤال الرئيسي الذي يدور في مخيلة الجميع وهو كيف سيكون المشهد السياسي الاجتماعي الثقافي الاقتصادي في العراق المستقبلي، والى اين سيتوجه في مساره .

ما يهمنا هنا وما يحمله العراق من التحليلات والبحوث هو وجود الحرية المستباحة من كل جوانبها من قبل  الجميع دون استثناء واصبحت هذه الدولة ضحية الصراعات السياسية ومتطلبات المرحلة .

 مسالة الدمقرطة التي تتطلب توفير الارضية المناسبة والعوامل المساعدة والتطور التدريجي قبل اي شيء اخر،و لكن الموقع المراد تطبيقها فيه قد يدفع  الحال الى السقوط في مآزق عديدة ومنها حدوث الفوضى وعدم السيطرة على المجتمع ومكوناته، وخاصة في مجتمع موزائيكي التركيب ولم يذق طعم الحرية،  وكل ما يحصل له منذ سقوط الدكتاتورية ليس الا صدمات متتالية، لم يعلم كيف يتقبلها ويتبع الطريق الصحيح. اضافة الى فراغ واسع في السلطة اثناء عملية التحول برمته، وليس في فترة تداول السلطة بحد ذاته فقط وحصرا كما يمر به العراق خلال هذه الفترة القصيرة.

ما يعنينا هنا هو كيفية التحول واتباع الوسيلة الصحيحة والطريق السليم وتجاهل السلبيات، وما نعلمه وارشدتنا  تجارب الاخرين اليه فان ما يحتاجه الواقع احيانا هو المجاراة والمسايرة والوقت المطلوب لتجسيد المفاهيم الجديدة، ويجب ان لا  يكون هناك انتهاز للفرص، ويجب قطع الطريق امام من يريد خلق الفرص للاستيلاء والسيطرة على الحكم فقط وباي ثمن  وشكل كان، وهناك من يريد اعادة عقارب الساعة بين مجتمع تحكمه الفوضى، وخاصة في الوضع الحالي  نرى ان العراق يتميز ببنية هشة ولا يتمتع بنظام مطلوب مقتنع به من قبل الجميع، كما هو ضروري ومن الاولويات في تنظيم شؤون المجتمع في اي وقت كان وليس الان فقط، فكيف بحال العراق الان.

ما يسير عليه العراق اليوم يحتمل المنحنيات المتذبذبة من الوضع السياسي العام وقد يصل الى حال الانفجار والانفراط في زمان ومكان معينين لو لم يسيطر عليه في وقته، ومن ثم ينتقل الىالوجه المناقض تماما من الهدوء النسبي، ولا يمكن ان يطمان المواطن لان كل الاحتمالات واردة ان لم يترسخ النظام الجديد في وقته المناسب، وان لم يتوفر عوامل الحفاظ على كيانه بفعالية وهذا ما يحتاج الى جهود مضنية من قبل الجميع، وما ينتظره المراقبون من ثقل ومكانة وهيبة له لا يمكن الاستخفاف او الاستهانة به ان توصلنا الى ما هو المراد لو تحقق الاهداف.

الا ان ما يحز النفس هو تكرار المآسي وخرق الحريات المتوفرة من قبل الاكثرية لاسباب واهداف ذاتية دون ان يرف جفن اي احد من المتابعين والمهتمين ناهيك عن اللاعبين انفسهم، وما تلح عليه الاكثرية هو الاستيلاء والاستئثار بما يتهافتون عليه وربما يمكنهم من هذا،و هذا ما يبعد الطريق اكثر ويطيل المرحلة. وفي بعض من هذه الخروقات تستباح دماء الجهات العدة ومن الفئات والاطراف المختلفة وتتكرر الاعتداءات على الناس والقيم والمباديء الانسانية السلمية، وتضييق الحريات من كافة الجوانب متواصلة وهو الافة الكبرى، والاحزاب والجهات التي اصبحت هي الاعمدة الاساسية للعملية السياسية لم تبدي من المواقف المطلوبة منها، وهذا ما ينذرنا ويدعنا ان نتشائم بعض الشيء من النظر الى المستقبل اكثر من التشاؤم الى صراعات الاحزاب فيما بينها بشكل خاص .

 

 

.

في المثقف اليوم