أقلام حرة

العرب وكيمياء الذهب (المثلّث الذهبي) (2-3)/ عدنان الظاهر

عن جعفر الصادق وعن الكتاب المنسوب إليه الذي يحمل عنوان " كتاب رسالة جعفر الصادق في علم الصناعة والحجر المُكرّم ". ثم قام بترجمة هذا الكتاب إلى الألمانية معتمداً مخطوطتين: الأولى أسماها نسخة غوثا Gotha المُرقّمة 1292 (Haleb 338) A. وهي متوفرة لديَّ، والثانية مخطوطة مكتبة رامبور

Library , Manusctipt XVII Rampur التي تبدو من خلال ما نشر روسكا من بعض مقاطعها بلغتها الأصلية أفضل وضعاً ولغةً وتسلسلاً من مخطوطة غوثا.

لقد بذل روسكا عناية فائقة في ترجمة هذه المخطوطة خاصةً وأنه مُلّم باللغة العربية والكثير من اللغات الأخرى. وقد دأَبَ على الرجوع في تفسير بعض الكلمات العربية إلى أصولها الإغريقية أو الفارسية أو حتى الآرامية. فما الذي قاله روسكا بحق الكتاب المنسوب إلى جعفر الصادق وما الذي وجدنا في هذا الكتاب؟

أولاً: إنه يُشكك في صحة نسبة الكتاب إلى الصادق. ويسوق أدلّة تأريخية ثم يجد في الكتاب نفسه شاهداً بالغ القوة ينهض دليلاً يُدعّم حججه المرتابة. لقد إستشهد الصادق بذي النون المصري حيث قال (… فهذا الركن الثاني الذي قال فيه ذو النون المصري…، وقد كان ذو النون رحمه الله وقفَ على هذا التدبير وعمله لا شك في ذلك وكان زاهداً عابداً وكان له تلامذة كثيرة – هكذا وردت - وأتباع من الزُهّاد والعُباد غير قليل وكان يقوم بأقواتهم ويُجري عليهم مما أفاء اللهُ عليه من هذا العلم) (المصدر 22، المخطوطة العربية، الصفحة 16).

ما هو وجه إعتراض روسكا وما علاقة هذا الإعتراض بذي النون المصري؟

يقول روسكا إنَّ ذا النون المصري عاش بعد الصادق بقرن من الزمان (المصدر 22 باللغة الألمانية، الصفحة 53).

ثانياً: رغم معرفته العميقة بخصائص اللغة العربية، أساءَ فهم معاني بعض الكلمات. فقد ترجم كلمة حق ب: حقيقة Wahrheit حين فسّرَ قَسَمَ جابر بن حيان بقوله

(وحقِّ سيدي): (bei der Wahrheit meines Herrn ) . الفرقُ كبير بين الحق والحقيقة ولو أنَّ الثانية مُشتقّة لغوياً من الأولى. فالذي يُقسِمُ بحق سيده إنما يقصد أن يؤكد ما لسيده عليه من حقوق. فالقَسَمُ هنا قسمٌ بالحقوق المترتبة على من يُقسِم لا بتأكيد حقيقة المقسوم به. وحقِّ سيدي كَقَسمٍ تختلف جذرياً عن وحقيقة سيدي. ونحنُ نقول لمن نَود أو نحترم: بحقّي عليك أو وحقّك عليَّ أي أُقسِمُ بحقي عليك أو أُقسم بحقك عليَّ.

ثالثاً: يقول روسكا إنَّ كلمة " إنجانة " هي بالآرامية " إجّانة ". وهي صحن كبير عميق من معدن النحاس (الصِفْر) عادةً. الكلمة شائعة كثيراً في العراق مع الإعتقاد بأنها فارسية في الأصل وتُلفظُ " نِجانةْ ".

رابعاً: يقول إن كلمة " مَلْغَمْ " إغريقية. فهل أن اللَغَم والألغام إغريقية الأصل؟ ولدينا الفعل ألغمَ يُلغِمُ أو لغّمَ يُلغِّمُ إلغاماً أو تلغيماً، ونقول مثلاً إنَّ هذا الطريق ملغومٌ؟.

خامساً: يعتقد أن كلمة " رَطْل " هي لاتينية – إغريقية مُحوّرة عن Liter أو عن Litra .

سادساً: يحسب أن كلمة " قنينة " هي إغريقية أصلاً. وإني لأحسبها مُشتقّة من الفعل " قنّنَ يُقنِنُ تقنيناً ". أما كلمة تقنية الشائعة في الصحف وسواها فإنها تعريب جيد لكلمة " تكنولوجي " التي أتتنا من الغرب. كلمة تقنية هذه هي الأخرى مُشتّقة من الفعل قنّنَ يُقنِنُ.

سابعاً:كذلك يقول إن كلمة " مِجسّة " إغريقية. لقد فات روسكا أنَّ الكلمة مشتقة أصلاً من الفعل جسَّ يَجِسُّ فكيف تكون والحالة هذه إغريقية؟.

ثامناً: لقد فهم روسكا كلمة " تُمْ " خطأً… يقول إنها تعني " رأس " ، رأس التنور. لقد فاته أن أهل الشام يُسمّون الفم " تُمْ ". فالأحرى به أن يجعل الترجمة " فم التنور " وليس " رأس التنور ". (وردت كلمة تُم في المصدر 22 , النسخة العربية، الصفحة 11).

تاسعاً: يقول روسكا في حاشية الصفحة 73 (المصدر 22 بالألمانية) إنَّ كلمة " شير " تعني " حليب " بالفارسية ، وأنا أعرفها كذلك تعني " أسد " أو " رجل شجاع " أو " حنفية الماء ".

عاشراً: ترجم كلمة " قَرعة " , وهي إناء زجاجي أو معدني إستخدمه الكيمياويون القدامى في تجاربهم بكلمة Kuerbis … التي تعني حرفياً نبات القَرَع أو اليقطين أو أحد أنواع اليقطين. قد يكون إسم هذا الإناء مُشتقّاَ حقّاً من إسم هذا النبات للتشابه بالشكل بين قرعة اليقطين وقرعة مختبر الكيمياء. ولكنها كإناء يُستخدم لإجراء التجارب الكيميائية يُسمّى Kolb فلماذا ترجمها Kuerbis ؟

أحد عشر: لم يلتفت لا روسكا ولا كراوس ولا هولميارد ولا برتيلو ولا غيرهم من كبار المستشرقين والمهتمين بترجمة ونشر التراث العلمي العربي – الإسلامي… لم يلتفتوا إلى الجانب العلمي من هذا الأمر. لم يعيدوا التجارب كما وصفها علماء هذا التراث، ولم يتثبتوا من مصداقيتها العلمية. بدلَ ذلك بذلَ البعض منهم جهودأً مُضنية ومطوّلة لإثبات صحة أو خطأ نسبة هذا الكتاب إلى هذا المؤلف أو سواه. ترجموا المخطوطات ترجمة حرفية وقاموا بتصحيح الأخطاء الناجمة عن سقوط بعض الحروف أو تبادل أماكنها في بعض الكلمات حسب إجتهاداتهم التي تُخطيء أحياناً كما رأينا قبل قليل. مع ذلك، فجهود هؤلاء العلماء لا تُقدّرُ بثمن. لقد إكتشفوا وجمعوا هذه المخطوطات القديمة من مكتبات المدن والعواصم المختلفة وقاموا بدراستها وترجمتها إلى الألمانية أو الإنجليزية أو الفرنسية. سوف نَظلُ نذكر فضلهم ولسوف يظلُ التأريخ يذكرهؤلاء الرجال الأفذاذ بالتقدير والإعجاب.

بلى، كان الدكتور يحيى الهاشمي (المصدر 2) الوحيد الذي قدّم تفسيرات علمية وبيّن بالمعادلات الكيميائية إمكانية إستخلاص (وليس تصنيع) عنصر الذهب من خاماته أو معادنه الطبيعية حسب الطرق المدوّنة في الكتاب المنسوب إلى جعفر الصادق (المصدر 22 المخطوطة العربية).

 

3-2-3 ماذا وجدنا نحن في هذا الكتاب المنسوب إلى جعفر الصادق؟

المخطوطة المتوفرة لديَّ هي مخطوطة غوثا الحلبية (كما يُسميها الدكتور الهاشمي) والتي تحمل الإسم والرقم 338 Haleb (المصدر 22 باللغة العربية).

تتكون هذه النسخة من 32 صفحة وهي مكتوبة باليد وخطها يتفاوت بين الجودة والسوء

وتتخلله بعض الأخطاء في كيفية كتابة الكلمات. سوف لن أتدخل في لغة المخطوطة حين أستعير بعض مقاطعها إلاّ إذا دَعَتْ حاجةٌ مُلحّة… سأتركها كما جاءت في الكتاب.

أولا: تبدأ المخطوطة بالقول (رسالة الوصايا والفصول لسيدنا الإمام جعفر الصادق لولده رضيّ الله عنه …). ليس في الكتاب ذكر لإسم هذا الولد، هل هو إسماعيل أم موسى الكاظم أم آخر سواهما؟

ثانياً: يقول مؤلِف الكتاب على الصفحة 4 (… وقد قال جدّنا صلّى الله عليه وسلّم إن إبتداء الصنعة كان نصّاً من الله تعالى إلى أنبيائه وأصفيائه ثم وقعت من الأنبياء إلى الأصفياء ثم إلى حكماء زمانهم…). ويقول على الصفحة 24 (… فإني عملته في إبتداء أمري وبه صرتُ جعفر إبن محمد الصادق …). ويقول على الصفحة 26 (… فيتبرك به ويُعظمونه وينظرون إلى أثر نعمته ومواقع كرامته وموهبته لأهل بيته الطاهرين شجرة النبوّة وأغصان الإمامة وميراثهم هذه الفضيلة من آبائهم وأسلافهم الطاهرين خلفاء أرضه وخُزّان سرّه وأُمناء وحيه فسلام الله عليهم ورحمته وبركاته…). ونقرأ على الصفحة 27 (… وأعلمْ أنَّ هذا الماء الأحمر من إستخراج جدّك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضيَ الله عنه…).

 يقول الصادق لولده في الصفحة 17 (… وإعلمْ يا بُني أنْ ليس في طاقة البشر إستخراج هذا العلم بنظرهم وتقييسهم وفطنتهم غير أنَّ أهل هذا العلم يقولون إنه كان وحياً من الله تعالى إلى أنبيائه وأصفيائه وصار منه إلى حكماء زمانهم فطرقوها طُرقاً كثيرة فكل حكيم عمل برأيه وعمل لتدبيره طريقاً غير طريق الآخر والأصل بينهم في الأركان واحد لا خلاف فيه وهو الذي نزل به الوحي يا بُنيَّ قد أوقفتك على تدبير الجسد والروح وطريق الحق وطريق الحق فيه عمل موسى عليه السلام والأنبياء بعده…).

ثالثاً: وردت في الكتاب أسماء بعض الفلاسفة والحكماء الذين مارسوا علم صنعة الكيمياء

مثل هرمس وإبنه طاطا وأبو شنايس الحكيم و ذو النون المصري وأسطانس الرومي وديمقراط و ريسموس و ماريّة الحكيمة فضلاً عن علي بن أبي طالب وموسى. الغريب أن أغلب هذه الأسماء كان قد ورد في " كتاب قراطس الحكيم " الذي سبق ذكره في بحثنا هذا.

رابعاً: في الكتاب مواقف تكشف لنا رجلاً عالماً عميق الخبرة واثقاً بنفسه وبتجاربه الخاصة. وتُفصِح في عين الوقت عن جرأة أدبية نادرة وعن طبيعة علمية فائقة الموضوعية. فحين حضّرَ ما أسماه ب (تدبير الباب الكبير) إذ جمع جزءاً واحداً من الجسد المُكلّس مع تسعة أجزاء من الروح المُحمّرة وخمسة أجزاء من النفس المُبيّضة المُطهّرة عقّبَ قائلاً (…

وهذه أوزان أسطانس الرومي وتلميذه دومقراط وطريق مارية الحكيمة وريسموس تلميذ دومقراط ومن جاء بعدهم من حكماء المصريين. وسبب وضعي لأوزانهم في هذا الباب الأكبر لأني جرّبته عشرَ مرّاتٍ على طريق الإمتحان لا على طريق الإعتقاد فخرج لي في غاية المُراد والجودة والنجاح) (المصدر 22 ، النسخة العربية، الصفحة 28). لقد جرّب الصادق أو من قام بتأليف هذا الكتاب طريقة (أوزان) غيره من الحكماء في تحضير المركّب المُعقّد (الإكسير). جرّبها لكيما يمتحن صحّتها لا إعتقاداً منه مُسبقاً بصحتها. ثم قد قرر بمتهى الأمانة والأعتراف بسابقة غيره عليه أن الطريقة جيدة وناجحة.

أي عالم فذ هذا الذي لا يكتفي بما يخترع ويكتشف بل ويُجرّبُ طُرق غيره من العلماء والحكماء كي يطّلع على مصداقية منجزاتهم أولاً ولكي يتثبتَ هو نفسه من مواقع قدميه

ومن صدقية ما أنجز هو نفسه. لا يسعُ المرء اليوم إلاّ أنْ يحني قامته إجلالاً لعالِمٍ سبقنا بما يزيد على ثلاثة عشرَ قَرناً من الزمان.

خامساً: إلى جانب هذا الموقف العلمي الفذ نجد في الكتاب أُموراً مُحّيرة تختلط فيها الكيمياء بخلق الإنسان وبالموت والحياة. فما الذي جعل هؤلاء الرجال الأفذاذ أن يربطوا مسألة تحضير مركب كيميائي قوي (الإكسير) يُذيب الكثير من المعادن بالموضوع الأكبر والأخطر: خلق الإنسان؟ ما الذي كان يدور في أذهانهم وقد نجحوا في تحضير هذا المركب فائق القوة؟ ولماذا الإفراط في ذِكر الروح والجسد والنفس؟ سأورد أمثلة لتبيان القصد. نقرأ على الصفحة الثالثة:

(… إعلمْ يا بُني أنَّ هذه الصناعة ليست من شيء ثابت بمفرده ولا طيّار بمُفرده وإنما هو من طاير ومُمسك وذكر وأُنثى وحار وبارد ورطب ويابس وأصل الجميع الماء القُراح ونتج ثلاثة أشياء نفس وروح وجسد ومنه تقوم الخلايق …). ونقرأ على نفس الصفحة:

(…وإعلمْ يا بُنيَّ بأن أباءنا الحكماء كان أشد الأشياء التي يستصعبونها إخلاء الروح في الجسد وهذا صعب جداً فإجتمع الحكماء من أقطار الأرض ودققوا أفكارهم في مثل هذا الأمر فقالوا لا بُدَّ من شيء يُلحِم الروح بالجسد إلحاماً تامّاً بحيث أنهما لا يفترقان أبداً وهذا إحياء الموتى وإجتمع الحكماءُ جميعهم على أن يحصلوا النفس طاهرة من الأوساخ والأدناس وهي المؤتلفة بين الروح والجسد فحينئذٍ يلزم تزوّج الذكر بالأنثى وإختلاط الحار بالبارد والرطب باليابس فينتجُ من بينهم المولود وهو لاذكرٌ ولا أُنثى …).

نقرأ على الصفحة السابعة:

(… فهو الروح الحق قد آنسَ بالجسد وربي معه وألِفه وهو مشتاق إلى مراجعته ومجامعته مثل تلهف الجسد البالي للروح والحياة ومثل إشتياق الأرض العطشانة إلى الغيث والماء ثم إعزلْ يا بُنيَّ هذا الروح فتتم تدبيرها بما أصفه لك وبعد تدبير هذين الركنين أعلمك تدبير الركن الثالث وهو تدبير النفس وتبييضها وبعد هذا أُوقفك تدبير المزاج بين هؤلاء الأركان الثلاثة بميزان الحق الذي كتمته الحكماء وأكشف لك ستوره وكيف يكون إزدواج الذكر بالأنثى والإلتزام الحق الطبيعي الجامع لهما حتى يمتزجا إمتزاجاً كليا مُحكماً لا يفترقا أبداً ولا يتزايلا وأُعلمك كيف إحياء الموتى وكيف إدخال الروح في الجسد وخلودها فيه …).

وعلى الصفحة التاسعة:

(… فحينئذٍ يستوجب الحياة الخالدة الأصلية الصمدية التي لا عذاب بعدها ولا موت أبداً…، فإفهم هذه الإشارات فإنما ركّبتُ لك هذا الإكسير كتركيب الإنسان سواء في تركيبه وفي حياته الأولى الأرضية وفي موته وفي نشوره وحياته الثانية السرمدية الخالدة).

ونجد على الصفحتين 12 و 13:

(… إعلمْ يا بُنيَّ أن الروح لمّا فرّق الحكيمُ بينها وبين الجسد كانا في غاية الشوق و الإشق (أي العشق، ربما) والتلهف لتميز كل واحد منهما عن صاحبه ولمفارقته له مثال ذلك كمثل جارية وفتى كانا طفلين وكانا شابين وربيا في مكان واحد وعرف كل منهما صاحبه فلما بلغا حد البلوغ والإمتزاج خيف عليهما أن يمتزجا ويتجامعا ويختلطا على فساد وغير طهر فيعسر خلاص كل واحد منهما عن صاحبه ففرق الحكيمُ بينهما وأوعدهما بأن يجمع بينهما بعد ذلك إذا طَهُرا وتهذبا بإجماع صلاح لا إجماع فساد ولا يكون بعده إفتراق أبداً…).

سادساً: أما عن التجارب العلمية وإعداد المراحل لتحضير الإكسير الأعظم أو إكسير الأكاسير أو الماء الإلهي فأجدني مُلزَماً أن أعترف أنَّ إعادة هذه التجارب للتأكد من صحة نتائجها هي من الصعوبة بمكان. ذلك لأن أسماء بعض المواد والمركبات التي تم إستخدامها في تحضير المراحل الوسطية ليست معروفة اليوم (في المصدر 2 تفسيرات لبعض هذه الأسماء). ثُمَّ إن الأجهزة والأواني ووسائل التسخين هي بمجملها بدائية جداً. ففي عمليات التسخين إستُخدِمت فضلات الأبقار وفضلات الخيول بل وحتى فضلات الحمْام حسب درجة الحرارة التي تقتضيها التجارب.

قسّم مؤلف الكتاب مراحل تحضير (أو تدبير) الإكسير الأعظم إلى أربعة مراحل هي: تدبير الجسد وتدبير الروح وتدبير النفس وتبييضها ثم مزج هذه الأركان الثلاثة للحصول على الإكسير الأصغر الضروري لتحضير الأكسير الأوسط اللازم لتحضير الأكسير الأخير وهو الأكبر، إكسير الأكاسير الذي يَقهر ولا يُقهر، يُذيبُ ولا يذوب.

 

3-2-4 تدبير الجسد:

(… الذي هو أساس العلم والعمل وتطهيره وتكليسه وتهبيته على طريق الحق. صفة تكليس الذهب وهو الجسد الخالص … الصفحة 5).

 يعتقد روسكا أن التكليس يعني إذابة الذهب. فأي مُركب إستعمل الصادق لإذابة عنصر الذهب؟

إستغرقتْ عملية تدبير الجسد جزءاً من الصفحة الخامسة وكامل الصفحة السادسة ومعظم الصفحة السابعة. إستخدم العالم الكيميائي مؤلف الكتاب العناصر والمركبات التالية:

الذهب والزئبق والماء والزاج الأخضر المُقطّر/ تمّ تسخينها جميعاً على نار سرجين (سرقين = فضلات الخيل والبقر المُجففة). بعد التسخين أُضيفَ إليها النشادر وسُخِّنتْ على نار هادئة لسبع ساعات (من صلاة الغداة إلى بعد الظهر). تُرك الخليط يوماً وليلة ليبرد فوُجِدَ (أن الزئبق والنشادر قد صعدا إلى القدح الأعلى بلون أبيض تعلوه صفرة). جمع الصادق بعناية هذا المحلول الخليط وسحقه مع الذهب المتبقي الذي ما زال صُلْباً غير ذائب وغير متفاعل وأضاف إليهما نشادر وشبّاً وقليلا من ماء الزاج المُقطّر (كاربونات النحاس الخضراء) وكرر العملية السابقة عدة مرات (خمسَ مراتٍ أو الأفضل سبعاً) فلاحظ أن الصُفرة التي تعلو اللون الأبيض لخليط الزئبق والنشادر تصبح ذهبية وتزداد عُمقاً بعد كل عملية تصعيد جديدة. كيف فسّر الصادق هذه الظاهرة؟ قال الصادق (… وتجد الزيبق والنشادر قد صعد إلى القدح الأعلى ذروراً يضرب إلى الصفرة الذهبية قد جذب معه في تكرار التصعيد شيئاً من لطيف الجسد وسلب روح الجسد وإمتزج بها إمتزاجاً لا يخلص منه أبداً لأنه الروح في تكرار إصعادها جذبت معها روح الجسد وسلبته منه وإنتزعته بمشاكلتها ومناسبتها له بالروحانية وأصعدته معها بالمناسبة والروحانية التي بينهما…)

(الصفحة 7).

يمكن كيميائياً تفسير ما حدث بتكون مُركّب ثنائي مُعقّد

 Binary Complex Compound من الذهب والنحاس والزئبق ثم الأمونيا ربما بالصيغة التركيبية التالية: AuHg(NH3)4.Cu(NH3)2 . وهو مركب سائل بفضل وجود ست جزيئات من الأمونيا في تركيبه. وهذا هو الإكسير الأصغر حسب توصيف الصادق.

هذا بحد ذاته إنجاز رائع وخطير إذ أمكن تحويل عنصر الذهب العصيِّ على الحرارة والإنصهار إلى أحد مكوِّنات مركب كيميائي سائل وليس صُلْباً.

يعود الكتاب فيذكر على الصفحات 9 حتى منتصف الصفحة 14 (تعذيب الجسد وهوتمام تدبيره وتكليسه وخروجه عن حد طبيعته الأرضية الدَنِسة وإلحاقه بالطبيعة السماوية اللطيفة الطاهرة المُهذّبة…). هنا نرى ذكر أسماء مركبات وبعض العناصر الكيميائية لا نجد بينها الذهب والزئبق والنحاس: إنها الزنجار (أُوكسيد الحديد) والراسختج (؟) والنشادر والمرقشيتا الصفراء (؟) والزرنيخ الأحمر والزنجفر الرمّاني والشيزرق (؟) والشب اليماني ثم صفار البيض. وبعد عدة عمليات معقدة من السحق والنخل والتقطير تحت نار شديدة يكون الناتج ماءً يطفو فوقه سائل أحمر يتم عزله. وتتواصل هذه العمليات العجيبة حتى يضيف بعد سبع تسقيات وسبع تشويات يقول الصادق (… فهذا يا بُنيَّ تعذيب الجسد) ثم يواصل القول (… ثم أَخرجْ البرنية وإفتحها وإستخرج الجسد منها تجده أحمر بلون الزنجفر الأحمر متكلساً كالذرور شديد الحمرة قد خرج عنه طبع الأرضية الغليظة وإنتقل إلى طبع السمائية اللطيفة وقد لبس ثياب الملك الفرفير…فهذا يا بني تكليس الجسد …).

 

3-2-5 تدبير الروح:

تتم عملية تدبير الروح على ثلاث مراحل. في المرحلة الأولى يتم تحويل المركب الثنائي المعقد وهو سائل إلى مركب في الحالة الصلبة على هيئة مسحوق أصفر كالدقيق Powder . وفي المرحلة الثانية يتم تحضير مركب أحمر قوي صابغ. وأخيراً يُصبُ هذا المركب الصابغ على المسحوق الأصفر الذهبي وتُجرى عمليات كيميائية هي الأخرى معقدة لغاية الحصول على مادة عسلية القوام لا تحترق بالحرارة العالية إنما تذوب كالشمع. نقرأ ما قال الصادق (… أخذتُ يوماً من هذه الروح وزن شعيرةٍ أعني الروح المُحمّرة بالتحمير الأخير فوضعتها على وجه صفيحة مجلية (هكذا وردت، بدل مجلوّة) وتركتها على الفحم حتى حَميتْ فذابت مثل الشمع وجرت على الصفيحة ولم تدْخن فألقيتُ الصفيحة بحرارتها في ماء بارد فإذا موضع الروح قد صار كالذهب الأحمر الإبريز… الصفحة 16).

ما تفسير هذا الكلام؟ إنَّ الحرارة العالية للصفيحة المعدنية (أَفترضُ أنها من الفضة بالنظر إلى السعة الحرارية العالية لهذا العنصر، وقد تكون من النحاس) كفيلة بتفكيك الروح المُحَمّرَة وتحرر الذهب منها إبريزاً حُرّاً طليقاً.

كان تفسير الصادق لهذه الظاهرة خاطئاً إذ حسِبَ أنَّ الروح المُحمَّرَة (المسحوق الذهبي زائداً المحلول الأحمر الصابغ) قد حوّلتْ الفضة أو النحاس إلى ذهب إبريز خالص.

مع ذلك، فهذا إنجاز كبير رائع في حقل الكيمياء: إستخلاص عنصر الذهب من بعض مركباته المعقدة. غير أن العالم النبيل الصادق يعترف (الصفحة 12) أنَّ للهند والروم طُرُقاً أخرى في عمل الإكسير تختلف عن طريقته.

ماذا يحدث لو سخّنا بالحرارة العالية المركّبَ الثنائيَّ المعقد دون تحميره وتحويله إلى مركب عسلي القوام؟ إنه سيتفكك عندذاك ويتطايرمنه غاز الأمونيا مع ترسب سبيكة ذات لون رمادي غامق من الذهب والنحاس والزئبق. أي لا نحصل منه على الذهب الخالص.

 

3-2-6 شيء عن تحضير الماء الأحمر الصابغ:

لتحضير هذا الماء تم جمع بعض العناصر والمركبات الكيميائية بنسب وزنية دقيقة وهي الجلو (مادة قلوية ضرورية لتهيئة وسط قاعدي للتفاعلات الكيميائية) والكبريت الأصفر والزاج الأصفر والأخضر والنشادر والشب والزعفران والزرنيخ الأحمر ثم النطرون

(النترات؟). سُحقت جيداً ووضعت في قدرنحاس مجلوة غير مُرصصة، منعاً لتدخل الرصاص في التفاعلات الكيميائية. أُضيف إليها رطلان من ماء النورة المركزة ورطلان من ماء القلو المُركّز.سُحق الخليط وُسخّن لثلاث ساعات حتى شرع بالغليان وإنقلب لونه إلى الأحمر كلون الدم. إستمر التسخين حتى فقد الخليط نصف ما كان فيه من ماء. بُرّد الباقي وصُفّي برفق ثم وُضع في إناء من الزجاج.

ولتحمير المسحوق الذهبي السابق صُبَّ عليه من هذا الماء الأحمر في قدر من النحاس المُطيّن (لضمان تساوي درجات الحرارة التي تصل إلى القدر). حُرَّك المزيج مع التسخين بعمود من الفضة أو الزجاج وقُلّب بإستمرار وعناية. وعندما جف الماء أُضيفت إليه كميات أخرى من الماء الأحمر مع إدامة التسخين الهيّن. (…ولا تزال كذلك حتى يشرب هذا الروح من الماء خمس إضافات فإن بلغتَ به سبعاً فهي النهاية فهذا أيضاً تعذيب الروح فأنزلها حينئذ عن النار وأسحقها سحقاً جيداً وأسقها من الماء الأحمر شربةً وأسحقها به تصير في قوام العسل… الصفحة 16).

جدير بالملاحظة تأكيد الصادق على أمور فائقة الأهمية. منها إلتزامه بدقة النسب الوزنية للمواد المتفاعلة وضبط درجات حرارة التسخين وزمن كل خطوة وتفاعل. ثم تحذيره من الغبار والدهن وإبعاد الرصاص لكي لا يشترك في التفاعلات الكيميائية.

 

3-2-7 تدبير النفس: صفة تدبير الركن الثالث وهو النفس وتبييضها وتطهيرها نجابه هنا في هذه المرحلة عدداً أكبر من المركبات والعناصر والمواد الغريبة الأخرى كالبول مثلاً. ويكون الناتج النهائي مركباً (… وعلامة بلوغه إنْ تأخذ منه قليلا وتُلقيه على صفيحة محمية فيذوب ويجري على وجهها كالشمع ولا يدخن ولا يسودُّ موضعه بل يكون بلون الطاووس بصفرة مليحة ذهبية…).

 

سأستعرض ملّخصاً لعمليات تدبير وتبييض النفس:

تم خلط على مراحل وتحت ظروف مختبرية متباينة من سحق وتسخين وتصعيد وتبريد كلا من المواد الأتية:كبريت أصفر وملح مشوي و روسختجا (؟) و آجُرّ أبيض وخل. سُحقت جميعاً لثلاثة أيام. جُعِلت بعد ذلك في كوز مُطيّن فُرِشت أرضه ملحاً وكبريتاً.

سُخّن الكوز ومحتوياته لمدة 12 ساعة تسخيناً ليّنا أول الأمر من ثم تسخيناً شديداً. تُرِك الكوز ليبرد وجُمِع ما صعد منه. سُحق هذا الصاعد بمثل نصف وزنه من برادة القلعي المُندّى ببياض البيض المُقطّر أو البول المُقطر وهو أفضل. يُترك الخليط تحت الشمس ليجف. سأترك الكلام للصادق نفسه نظراً لصعوبة فهم بعض القضايا المتعلقة بأسماء ما قد إستخدم من مُعدّات وآنية.

(… إفرش في أرض الأثال (؟) عِظاماً مُكلّسة أو نورة حارة وإجعلْ الدوا فوق الفِرش وشدَّ وصلَ الأثال وأدمْ الوقود عليه عشر ساعاتٍ ثم إفتحه إذا برد تجده أبيض مثل الملح قد صعد المكبّة إلى الرفرف فخذه وزِنه وأجعله في قدح زجاج مُطيّن أو صيني وصبَّ عليه من ماء الرايب الحامض أو المروّق بالراووق فصبَّ عليه ما يغمره بإصبعين وتجعله على جمرات مكشوفة فإذا رأيته قد شرب الماء فزده منه كذلك حتى تسقيه من الماء الرايب ثلاث شربات وعلامة بلوغه أن تأخذ منه قليلاً وتلقيه على صفيحة محمية فيذوب ويجري على وجهها كالشمع ولا يدخن ولا يسود موضعه بل يكون بلون الطاووس بصفرة مليحة ذهبية…).

ما معنى المكبّة والأثال والرفرف؟؟

تحضير الأكاسير الثلاثة: الأصغر والأوسط والأكبر.

 

3-2-8 تحضير الإكسير الأصغر

لتحضير هذا الإكسير الأصغر نقرأ على الصفحة 20 تحت عنوان " صفة المزاج وتركيب الأركان الثلاثة حتى يكون منها الإكسير الأحمر الأصغر " ما يلي:

(تأخذ من الجسد المطلق المُطهّر المعدني الأحمر جزءاً واحداً ومن النفس ثلاثة أجزاء ومن الروح سبعة أجزاء فتلك أحد عشر جزءاً وإجعل الثلاثة في هاون زجاج وإسحقها بعمود الهاون ويكون العمود أيضاً من زجاج ويكون السحق نصف ساعة ثم أسقه من الماء الأحمر الذي يأتيك وصفه وهو غير الماء الأول الذي حمّرتَ به الروح…).

 لمحاولة فهم هذا الشرح يواجه المرء أكثر من معضلة. فإذا فهمنا أن الذهب هوالمقصود بالجسد المطلق المُطهّر المعدني الأحمر فكيف سنفسر المقصود بالنفس والروح؟؟ هل أن المقصود بالنفس ما ورد في الفقرة 3-2-7 والمقصود بالروح ما ورد في الفقرة 3-2-5؟

ثم ما هي طبيعة الماء الأحمر الجديد المختلف عن الماء الأول الذي تم به تحمير الروح في الفقرة 3-2-6؟؟ كيف يطلب الصادق من ولده أن يستعمل مركباً كيميائياً لا يعرفه هذا الإبن ولم يقمْ بعد بتحضيره وسيأتي وصفه لاحقاً؟ يبدو من تسلسل عمليات تحضير الأكاسير الثلاثة أن هذا الماء الأحمر الجديد هو حلقة لاحقة في هذ المسلسل تقوم أساساً على أكاسير أخرى سبقته تحضيراً وإعداداً. فالإكسير الأصغر هذا موضوع البحث إنما هو الأرضية والأساس الأول ونقطة البداية لكل ما سيتم تحضيره من أكاسير.

بعد سلسلة من العمليات المطوّلة من التسخين والسحق والتحريك والتقليب وإضافة المزيد من الماء الأحمر بنسب وزنية محددة يوضع المزيج في قرعة من الزجاج يُسدُّ رأسها بجلد ويُشدُّ بخيط وثيق … تُدفن القرعة ومحتوياتها في (زبل الخيل الطري الحامي ويكون كثيراً أو في بير محفورة في الأرض وتكبسه بيدك كبساً شديداً حتى يحتقن فيه الحما (ربما المقصود حتى تحتقن فيه الحماوة) ويكون البير في موضع كمين لا يصيبه الهواء وتبدل عليه الزبل في كل يوم أسبوع (مرّةً في الأسبوع) أو في كل عشرة أيام مرة ثم أخرجه من الدفن بعد أربعين يوماً فتجده ماء سايلاً محلولا مائعاً كله أحمر كالدم رايقاً لا تفلَ فيه البتة ولا غلظ ولا كدورة تحللت الأركان كلها وإمتزجت إمتزاجاً كلياً لا إفتراق بين واحد منهم عن الآخر أبداً ولا يزول أحدهم إلا بزوال صاحبه وقد صار الجميعُ شيئاً واحداً…الصفحات 20 – 21).

مرة أخرى نواجه مصطلحات النفس والروح والجسد ثم دفن المُستَحضَرلأربعين يوماً في بئر محفورة في الأرض، وهي فترة إحياء ذكرى موتانا بعد وفاتهم بأربعين يوماً كما يعلم الجميع (أربعينية الموتى).

يبدي الصادق في هذا الباب حساً كيميائياً عالياً وموقفاً علمياً صارماً إذ يُقرر أن عدم كمال ذوبان العناصر والمركبات المتفاعلة ببعضها وبقاء شيء من الرواسب غير الذائبة دليل على (التنافر والتزايل وفساد التركيب وغلط من الصانع في تدبير أحد الأركان الثلاثة …الصفحة 21). لا يقف الصادق عند هذا الحد، بل يمضي قُدُماًفيعزو ذلك الخلل إلى الفشل في تحديد مقدارحرارة التسخين الحرِج الذي تستلزمه عمليات التسقية بالماء الأحمر. لكل تسقية مقدار محدد من الحرارة ترافقها في زمن التسقية: الزمن مرة أخرى يلتقطه الصادق بعصب وخبرة العالم الثاقب البصيرة والواسع التجربة.

هذا إذن هو الأكسير الأصغر، أول الأكاسير، سائل أحمر كالدم رائق لا تفلَ فيه ولا أيما رواسب.

بعد تحضيره يعمد الصادق إلى تحويل هذا المركب من الحالة السائلة إلى الحالة الصُلْبة في عملية تقطير إنعكاسي في فضاء مُحدود شبه منغلق وتحت درجة حرارة معتدلة هيّنة. نجد هنا موقفاً غاية في الدقة من جهة ويدل من الجهة الأخرى على علم راسخ في تكنولوجيا

(تَقَنيات) إجراء التجارب الكيميائية، فضلاً عن الثقة العالية في النفس. فلقد ذكرَ الصادق خلال إحدى مراحل هذه العملية حكيماً آخرَ أسماه (أبا شنايس) في معرض الإختلاف بينهما حول أهمية تطيين القرعة الزجاجية أثناء التسخين لئلا تنكسر ويضيع المركب هدراً في رماد النار. على الصفحة 22 نقرأ ما يلي (… قال أبو شنايس

الحكيم ينبغي أن تكون القرعة مُطيّنةً إلى رأسها بطين الحكمة (؟) فإنه لا يؤمن أن تنصدعَ عند حمي الرماد (هكذا وردت) فيذهب الإكسير المحلول في الرماد ضايعاً ولا يُنتفعُ به ولا يُحصلُ من البتة وذلك غاية التفريط إلاّ أن تكون قرعة من فضة بغطاء زجاج فإنها لا تحتاج إلى تطيين…).

بعد تحويل هذا الإكسير إلى مركب صلب يقترح الصادق سحقه والإحتفاظ به في آنية من ذهب أو بللور أو من الحجارة الصلبة. واضح أنَّ آنية المعادن الأخرى كالفضة أو النحاس تتآكل أو تذوب في هذا المركب.

قبل الصادق لم يذكرْ (أبا شنايس) أحدٌ من الحكماء ولا بعده. فمن هو هذا الحكيم؟

 

3-2-9 تحضير الإكسير الأوسط

نرى هنا تأكيداً غير مسبوق على الفضة يذيبها حكيمنا في بودقة مقاومة للنار مع النحاس والذهب بوجود البورق ومثقال واحد من مسحوق الإكسير السابق الأصغر (الفقرة 3-2-8) فيحصل على مركب شديد الحمرة ثم يواصل التسخين مع إضافة قليل من البورق والمزيد من الفضة الخالصة. إلا أننا في آخر هذه العمليات نصطدم بأمر غير متوقع: إذا أُلقيت الفضة الخالصة في هذا المركب السائل الذهبي الحمرة (تغوص فيه وتخرج في غاية الصفا والنور والضيا لم يكن الذهب عنده إلا كالنحاس الأصفر وهو خير من الذهب المعدني صابراً على التعليق باقياً ما بقيت الدنيا لا يُفسده بطن الأرض ولا تحرقه النيران ولا تعمل فيه الكباريت المحرقة للأجساد وإعلمْ يا بُني أن هذا الذهب يُصلحُ كل ذهب يخالطه من ذهب العامة الناقص العيار والنازل في المحك ويحيله إلى جوهره وتدب فيه رايحة الإكسير…) / الصفحة 25 . هذا هو الإكسير الأوسط فماذا عن الإكسير الأعظم؟

 

3-2-10 تركيب الماء الأحمر الكبير

يُطلق الصادق على هذا الُمركب إسم (الماء الأحمر الكبير الذي تُجمع به الأركان الثلاثة

وبه المزاج والإلتزام والتساوي والخلود والحل وهو الماء الذي وعدتك به) / الصفحة 26.

 لتحضير هذا الماء الأحمر يطبخ الحكيم في قدر مكشوفة من الفخار النقية والخالية من الدسم كلا من الخل والزاج والزنجار وزعفران الحديد (؟) والنشادر والشب على نار لينة لمدة ساعتين مع التحريك المستمر حتى الوصول إلى حالة الغليان. يُبرّد الخليط ثم يُنقل إلى راووق ضيق لتقطير محتوياته (فينزل صفو الماء كالدموع أحمر مُشرقاً كالياقوت في صفائه وحمرته). يؤخذ هذا الماء الأحمر الرائق المُقطّر ويوزن ويُحفظ في قنينة من الزجاج ثم يُلقى عليه لكل وزن مائة درهم منه خمسة دراهم دهنج (؟) وخمسة دراهم قلقند (؟) ودرهمين نوشادر (مُصعّد عن زاج قد جذب معه صبغ الزاج في صعوده) وثلاثة دراهم شب يماني ومثقال زنجفر ومثقالين نحاس مُحرّق بكبريت والأفضل إضافة مثقال من الكبريت الأحمر، وإذا لم يكن هذا الكبريت الأحمر متوفراً فيُمكن الإستعاضة عنه بثلاثة مثاقيل من حجر اللازَوَرد المحروق بربع وزنه من الكبريت الأصفر في سَفَطٍ من الطين في أُتون الزجّاجين يوماً وليلةً. يُسحق الناتج ويُنخل ثم يلقى في زجاجة الماء الأحمر ومحتوياتها الأخرى آنفة الذكر. تُحرك محتويات الزجاجة تحريكاً شديداً حتى ظهور الزَبدَ طافياً على سطح الماء الأحمر. عندذاك تُغلق القنينة وتترك في الشمس الحارة مدة عشرة أيام مع تحريكها مرّة في اليوم. تُقطّر المحتويات فيكون القاطر (مثل العلقة الدمعة أحمرَ صافياً مُشرقاً كالياقوت في حمرته). تُكرر عملية التقطير في حالة وجود شيء من الرواسب مع المحلول الرائق. يُحفظ هذا الماء الرائقُ أخيراً في قنينة مُغلقة لإستعماله في تحضير الإكسير الأكبر.

نقرأ على الصفحة 27 (… إعلمْ أن هذا الماء الأحمر من إستخراجنا نحن إستخرجه جَدّك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضيّ الله عنه وهو سيد المياه كلها…).

 

3-2-11 تدبير الباب الأكبر

في تحضير هذا الباب الأكبر يتّبع الصادق طريقة غيره من الحكماء في مزج المركبات بنسب وزنية ثابتة ويسميها (ميزان أسطانس) ثم يقول إنه بعد أن جرّبها عشر مرات (على طريق الإمتحان لا على طريق الإعتقاد فخرج لي في غاية المُراد والجودة) لم يجد ثمّةَ من فرق بينها وبين طريقته، أي النسب الوزنية الخاصة به (الصفحة 28). هكذا يكون العلم والعلماء منهجاً ومسلكاً وأخلاقاً. العلم بحث وتجارب ومقارنات مع نتائج وطرائق الغير من العلماء والحكماء ثمَّ إستخلاص النتائج والتعليق على صحتها. بعد ذلك لا يتحرج الصادق من الإعتراف أنَّ ميزان أسطانس هذا (خرج صبغهُ أكثر طرحاً من أوزاننا) ويواصل قوله لولده بشجاعةِ وصراحةِ العلماء (فأعملْ أنتَ بأيهما شئتَ وأنا عملتُ بالطريقتين جميعاً وخرجا لي على المُراد) / الصفحة 28 . الرجل الحر يطلب من طلاّبه أن يمارسوا أقصى درجات الحرية في البحث والإستقصاء: إعملْ أنتَ بأيهما شئتَ.

 تحضير الباب الأكبر: سأنقل عمليات تحضير هذا الإكسير حسب وصف المؤلف نفسه كما وردت على الصفحات 28 – 29 – 30 – 31 من الكتاب.

(خذ من الجسد المُكلّس جزءاً واحداً ومن الروح المُحمّرة بالتحمير المُرتفع تسعة أجزاء ومن النفس المُبيَّضة المُطهّرة خمسة أجزاء فذلك خمسة عشر جزءاً وهذه الأوزان لأسطانس الرومي…، فإذا جمعتَ هذه الخمسة عشر جزءاً من الأركان فإجعله (هكذا وردت، والصواب فإجعلها) في هاون زجاج وإسحقه (كذا) بدستج من زجاج سحقاً ناعماً رقيقاً ليناً ولا تعسفه (كذا وردت) في السحق ولا تزعجه وقطّرْ عليه قطرة بعد قطرةٍ من ماء الحياة اللإلهية (؟؟؟) الذي يأتيك وصفه وتدبّرْ سحقه بهذا الماء الإلهي ثلاثة أيام بلياليها تسحق ساعةً وتستريح ساعة في مكان كبير وتوقَّ من الغبار ثم أدخله في آلة الدفن وهي قارورة دقيقة طويلة مستوية الحيطان تكون في غلظ القناة (أية قناة؟) وسدَّ رأسها بجلد ومن فوقه لبد وشدَّ ذلك بخيط وثيق وأدفنها في زبل حمْام عشرين يوماً حتى تتخلخل أجزاؤه وتتناقل ويتونس بعضه ببعض فيتداخل ثم أخرجه (من…، سقطت من النص) الدفن فأَلقِه في هاون زجاج مُطين و خلِّ (هكذا وردت في النص) الهاون على رماد حار قد أخذته من تنور الخبّاز أو من أتون الحمّام وبيدك عمود من زجاج تحركه به برفق سحقاً رقيقاً حتى يدخن فمتى دخن أنزله عن النار ومتى برد رددته إلى النار فهذا هو التونيس ولا تزال كذلك حتى ينشف ثم صبَّ قليلاً بقدر ما ينديه من دهن صُفرة البيض الذي يأتيك وصفه فلا تزالُ تقطّره عليه قليلا قليلاً وتحركه بعمود الزجاج على سخونة لينة حتى تحرز بأنك أدخلتَ عليه من دهن صفرة البيض مثل نصف وزنه ثم إجعله في الدفن الذي تقدم ذكره كما عملت أولاً وعفّنه مثل الأول أربعين يوماً في زبل الخيل الطري ثم أخرجه وألقه في الهاون الزجاج وصبَّ عليه مثل وزنه مرتين من ماء الشب الذي يأتي ذكره ولا تزعجه تحريكاً وأتركه في الشمس مكشوفاً فإنَّ دهن البيض كله يظهر على وجه ماء الشب ويبقى الإكسير يابساً تحت فخذْ ماء الشب مع الدهن كلاهما

(هكذا وردت) على وجه الإكسير برفق بزجاجة خفيفة وإستقصي تنشيفه وإنْ بقيَ من ماء الشب شيئاً (هكذا وردت) لا يمكن تصفيته ولا تخليصه من الإكسير نشّفه بصوفة حتى لا يبقى منه شيء ويبقى الإكسير كالطين لأنه لا بُدَّ أنْ يخالطه من ماء الشب شيئاً

يسيراً (هكذا وردتا) لا يمكن تخليصه ولا بأس بذلك وليس يضره شيء وهذا يا بُني سرٌ عظيمٌ قد هلك فيه خَلقٌ من طالبي الحكمة لأن الدهن الحيواني لا بُدَّ منه في أبواب الحكمة وهي الأبواب الكِبار لأنه المتوسط من الأركان الثلاتة حتى تمتزج ويلتزم بعضها بعض (هكذا وردت) ويلحمها فإذا توسط بينهما جمعهما ومزجهما مزاجاً لا يفترق بعده أبداً بالتشوية اللينة والسحق الرفيق وسخونة التعفين فيحتال الحكيم بعد ذلك فينزعه من الإكسير ويخرجه بألطف تدبير فمتى بقي منه شيء في الإكسير أَحرَقه وأَلهبهُ وسوَّدهُ لسرعة النار إلى الدهانة فتفسده فساداً لا يُرحى صلاحه أبداً وأسرعت النار إلى الدهانة فإلتهبتها وأحرقت الإكسير معها وإنما الحكيم الدهانة (هكذا وردتا… سقطت كلمة أو ربما أكثر… لا أعرف ما هي) بقدر مزاجه وإختلاطه بانَ شمسهُ في ماء الشب فأخرج الدهنَ ماءُ الشب وخَلُص الإكسيرُ نقياً من الدهانة الغريبة التي دخلت فيه فقفْ على هذه النكتة الغريبة وتدبرها بعقلك قد ضلَّ فيها خلقٌ كثير من الطالبين لأن الحكماء قد ذكروا في مصاحفهم إدخال دهن الحيوان على الأركان الثلاثة التي (هي) الروح والنفس والجسد وتأليفها ومزاجها بتوسط الدهن الحيواني ولم يذكروا لهم إخراجه وعزله عن الإكسير وكتموا هذه النكتة وأخفوها عن الأولاد والأحباب فأعرفْ موضع هذه المنن عليك وأشكرْ الذي ألهمنا الكشف عمّا كشفناه لك من سرِّ هذه الأسرار فإذا خَلُص لك هذا الإكسير من الدهن وأخرجتَ عنه ماء الشب إيضاً فزنْه وفيه قليل نداوة وصبَّ عليه من الماء الأحمر الذي ذكرته لك في الباب الأصغر مثل ربع وزنه وإسحقه به في الهاون الزجاج من غير نار ثلاث ساعاتٍ سحقاً شديداً متتابعاً لا تفترْ البتة ثم إجعله في قارورة الدفن وأدفنه في زبل الخيل الطري عشرين يوماً أخرى فهذه ثلاث تعفينات لا تحتاج إلى غيرها ثم أخرجه وإجعله في الهاون المُطيّن الذي للتشوية وأسقه من الماء الأحمر مثل ربعه أيضاً في شربتين وحرّكه تحريكاً رقيقاً ليناً بدستج الهاون في سخونة الرماد حتى يشربَ الماء ويكاد أن يجفَّ فأنزله عن النار وفيه قليل نداوة وغطِّ رأس الهاون بقدح وإجعله في شمس حارة حت ييبس بقدر ما ينسحق لك مثل الزرود (؟) و زِنْهُ وإجعله على كل عشرة دراهم وزن نصف درهم نوشادر مُصعّد عن زاج وعن زعفران الحديد (؟) يصّاعدُ عنه مراتٍ حتى يأخذ النوشادر صبغ الزاج والزعفران بتكرار الإصعاد وتكون الحمرة في النوشادر فهذا هو النوشادر المُحمِّر لساير الأبواب فأعملْ منه نصف درهم على عشر دراهم من الإكسير وإسحقه به في الهاون الزجاج ثم صُبَّ عليه من الماء الأحمر لكل عشرة من الإكسير درهمين ونصف ومن الماء الإلهي وهو ماء الحياة لكل عشرة دراهم من الإكسير واحد (هكذا وردت) وإجعلْ الجميع بعد ساعة جيدة (؟) في قرعة صغيرة رقيقة طويلة أو قنينة واسعة الرأس وشُدَّ على رأسها جلداً أو لبداً وتوثق منه بخيط تشده جيداً وأدفنها في زبل كثير طري يحيط بها من كل جانب ذراعين تكبسه بيدك كبساً شديداً وتغطيه باللبود حتى يحتقن (هكذا وردت) فيه الحرارة وإن كان ذلك في بير قد حفرتها في غمق الأرض كان أجود وغيّرْ عليه الزبل في كل عشرة أيام وأتركه في الدفن مدة شهرين إنْ كان زمان الشتاء وإن كان الصيف فثلاثة أشهر كوامل وذلك لأن الزبل في الشتاء يكون أشد حما (كذا وردت) من الصيف وأسرع للحل فإذا تكاملت أيامه فأخرجْ المدفون وصبّه في قدح زجاج فإنك تجده قد إنحل كله ماءً أحمرَ صافياً كالدمعة لا تفلَ فيها البتة قد إنحلَّ كله وصار شيئاً واحداً سايلاً رايقاً يشتعلُ بحمرةٍ رايقةٍ مُشتعلة مُشرقة شعاعية ياقوتية تخطف الأبصار وربما ألانَ الزجاج الذي هو فيه ولوّحهُ كالذهب من غير نارٍ ولا إسخان من شدة قوته ونفوذه فإنْ قطّرتَ من هذا قطرة على صحفة (كذا وردت) فضة محميّةٍ خرقها ونفذ فيها إلى الجانب الآخر كالكوكب ذهباً إبريزاً لا يمتحن أبداً …).

 

 ملاحظات عامة حول مجمل هذه العملية المعقدة:

- إعتمد الصادق في تدبير الباب الأكبر (إكسير الأكاسير) على ما كان قد حضّر في الفقرة 3-2- 10 فقط (الماء الأحمر).

-  رجع مرة أخرى إلى الرمز فقال " الجسد المُكلّس " و " الروح المُحمّرة " و " النفس المُبيّضة " .

-  إعترفَ الرجل بصواب طريقة غيره من العلماء والحكماء في تحضير الإكسير: أسطانس الرومي وتلميذه دومقراط ومارية الحكيمة و ريسموس ومن جاء بعدهم من حكماء المصريين.

- أعطى ولده – تلميذه الحرية الكاملة في أن يُجرّبَ وأن يختار أية طريقة يشاء لتحضير الإكسير.

-  أكّدَ أن الحكماء كانت تعاني جديّاً من مشكلة كيفية التخلص من بقايا الدهن الحيواني الذي يُفسد وجودهُ الإكسيرَ. إستخدم ماء الشب للتخلص من بقايا هذا الدهن. ثم يقول إنَّ (الحكماء قد ذكروا في مصاحفهم إدخال دهن الحيوان على الأركان الثلاثة التي الروح والنفس والجسد وتأليفها ومزاجها بتوسط الدهن الحيواني ولم يذكروا لهم إخراجه وعزله عن الإكسير وكتموا هذه النكتة وأخفوها عن الأولاد والأحباب . الصفحة 30). تتكتم الحكماء إذنْ على بعض أسرار المهنة وتخفيها حتى عن الأولاد والأحباب.

-  كذلك أكّدَ على ضرورة التوقي من الغبار.

-  ميّزَ بين مواد التدفئة فتارة إستعمل زبل الحمْام وأخرى نصح بإستعمال زبل الخيل الطري.كما فرّق بين حماوة الزبل شتاء وصيفاً وقرر أنها تكون أشد شتاءً منها صيفا، وذلكم أمر غير سليم.

-  ما الإكسير الأكبر إلاّ ماء يشتعل حمرةً شعاعية ياقوتية ربما يُلين الزجاج الذي هو فيه.

-  وأن قطرةً من هذا الإكسير تخترق صفيحة من الفضة محميةً وتنفذ إلى الجانب الآخر ذهباً إبريزاً. فما هو التفسير السليم؟ إنَّ الفضة المحمية قادرة على تفكيك الإكسير وتكون النتيجة تحرر الذهب معدناً خالصاً نقياً وبالعيار الذي إستخدمه الصادق في تحضير الإكسير الأصغر (الفقرة 3-2-8) والإكسير الأوسط (الفقرة 3-2-9) / الصفحات 20 – 25 . الذهب موجود في جميع مراحل مسلسل التحضيرات.

-  إنه لا ريب إنجاز خطير بالنسبة إلى ذلك الزمان، أعني تحضير مركب غاية في التعقيد وفي الحالة السائلة يكون الذهب أحد مكوناته الأساسية. ثم قدرة هذا المركب على إذابة معدن الفضة المُسخّنة عالياً وإختراق صفيحة منها ثم تفكك المركب بحرارة الفضة نفسها.

- يبدو الأمر اليوم لنا كأنه إضاعة للوقت وإضاعة للمال الذي أُنفق على شراء الذهب والفضة وباقي المواد التي أُستخدمت في عمليات تحضير الأكاسير والمياه الحُمْر. إن الأمر شبيه بمقولة (وفسّر الماءَ بعدَ الجهدِ بالماءِ). تبدأ بذهب وتنتهي بذهب والتوكيد كل التوكيد على الماء واللون الأحمر.

 

 3 - 3 جابر بن حيّان  (100؟ - 200؟ هجرية)

الضلع الثالث في المثلث الذهبي

لقد قيل الكثير في جابر بن حيّان وفي مؤلفاته الكثيرة التي عدّدها إبن النديم في فهرسته والدكتور زكي نجيب محمود في كتابه " جابر بن حيّان " وكارل بروكلمان في كتابه

" تأريخ الأدب العربي، الجزء الرابع " الذي عدّه مؤسس علم الكيمياء العربية (المصدر11 الصفحة 307). لذلك فليس لديَّ الكثير الذي أستطيع أن أقوله بحق هذا الرجل خاصة وأن المتوفر عندي من الكتب المنسوبة إليه قليل.كما إني لم أجد في هذه الكتب شيئاً حقيقياً عن الكيمياء كالذي وجدناه في الكتاب المنسوب إلى جعفر الصادق (البند 3-2) سوى إشارات إلى علم الصنعة ووصف الإكسير الذي يُسمّيه حجر الفلاسفة، وهي التسمية التي لم نجدها في مؤلف الصادق مار الذكر.

لديَّ من كتب جابر كتاب الحجر وكتاب تفسير كتاب الأُسطُقس وكتاب أُسطقس الأُس على رأي الفلاسفة وكتاب أُسطُقس الأُس على رأي الديانة وكتاب أُسطُقس الأُس وهو الثالث وكتاب التجريد وكتاب المنفعة وكتاب الرحمة الصغير وكتاب الملك ثم كتاب الموازين الصغير. جمع هذه الكتب ونشرها هولميارد (30) مع ترجمات لها وتعليقات باللغة الإنجليزية.

فإذا صحّتْ نسبة كتاب " رسالة جعفر الصادق في علم الصناعة والحجر المُكرّم " إلى هذا الرجل - وليس هناك من سبب أو دليل أو حجة ثابتة تنفي نسبته إليه – وفي ضوء ما بيّنتُ في البند (3-2) من جهود الصادق الدؤوبة في برمجة مراحل تحضير الإكسير الأعظم، فإن مؤرخي العلوم العربية سيواجهون لا شكَّ موقفاً صعباً غيرَ مسبوقٍ يعتبر جعفر الصادق - أُستاذ جابر - هو مؤسس علم الكيمياء الأول وليس جابر بن حيّان.

وللمقارنة بين ما ورد في كتاب الصادق حول الكيمياء عموماً والإكسير خصوصاً وحول أُمورٍ أخرى لا تخلو من غرابة أو طرافة، سأستعرض أهم ما ورد في ما لديَّ من كتب جابرعن علم الصنعة والإكسير أو حجر الفلاسفة كما يسميه جابر:

 

3-3-1 كرر جابر بن حيّان الظاهرة التي كنّا قد رصدناها في كتب الحكماء وأهل الصنعة التي سبقت زمانه وزمان مؤلفاته، وهي ثلاثة كتب بقدر تعلق الأمر ببحثنا هذا. أعني ظاهرة مقارنة العمليات الكيميائية وتدبير (تحضير) الأكاسير وطبائع المعادن مع طبائع البشر وما يجري في عالمهم من نشاطات حيوية طبيعية من تزاوج وتلقيح وتخصيب وما يلزمها من أعضاء وأجهزة ذات علاقة. فهوكالصادق ومن سبق الصادق يتكلم عن الروح والجسد والنفس والجنين. ففي كتاب الحجر مثلا (المصدر 30) نقرأ على الصفحة

 18 / سأنقل النصوص كما هي دون أن أُصحح أو أُعلِّق:

(… ومنهم ماريّة القبطية إذ قالتْ لأسطانس إنَّ العملَ مني ومنك تعني بذلك من الذكر والأنثى).

وعلى الصفحات 31 و 32:

(… وأعلم أن حجرنا قابل لكل صفة يوصف بها ولذلك إتسع كلام الناس فيه وإختلف طريقُ المتأولين لذلك الكلام وذلك أنه مُشارك بجميع ما في عالم الكون من حيث كان مركباً من الطبايع الأربع التي منها تركّبَ كلُ شيء في عالم الكون والفساد ومُختصّاً بجميع أكثر أعراضها بحسب إختلاف أحواله وتبدلها في التدبير فلذلك قيل فيه هو كل شيء وصف يتصف به غيره فأمكن صرف القول فيه إلى كل وجه ولذلك سُمّيَ عالماً كبيراً وعالماً صغيراً لمّا تشبّهَ بالأنسان إذ كان تكوينه كتكوينه وذلك أنه تكوّنَ من مثل مادة الأنسان فيُميزُ في الكون تمييز أجزاء الأنسان من اللحم والعصب والعظام والعروق وأشباه ذلك وقد بينا أنَّ منه رطْباً ومنه يابساً وقلنا إنه لا بُدَّ من ذكرٍ وأُنثى وتكلمنا في كتبنا الطبيعية والطبية وفي كتاب الباه وتولد الجنين وقلنا إن الأنثى أرطبُ مزاجاً من الذكر وإن الذكرَ أكثرُ نارية … من الأنثى …).

وفي معرض الكلام عن الُمرَكّب يقول على الصفحة 34:

(… وكذلك ظاهر حاله وصفاته فإن الجنين المُرَكّب من المنىِّ ودم الحيض ليس بمنيٍّ ولا دم حيض وهو هما إذ كان تركيبه منهما وليس فعله ولا أثره ولا ظاهر حاله حال واحد منهما إذ ليست خواصه للمنيِّ ولا لدم الحيض…).

ونقرأ في الصفحات 37 و 38:

(… وذلك أن هذا الحجر يتكون في معادنه من بخار هذه صورته ولولا ما فيه من غريب أرضية لما إحتاج إلى تدبير وإنما التدبير كله لإهلاك هذا الغريب وخلاص الجوهر منه ولذلك شبهناه بالإنسان فصنفنا كتباً في التناسخ فإعلمْ ذلك وأما تسميتنا له بالدماغ في كتاب الصبغ الأحمر وغيره من كتبنا الذي سميناه فيها بذلك فلأن الدماغ إليه يجتمع الرأي وفيه البيوت الثلاثة الجامعة للذِكْرِ والخيال والفكر التي هي فضيلة الإنسان وقوى نفسه الناطقة فإما تسميتنا له بالبيض فلأجل البياض والصفرة والحرارة والبرودة وتكوّن الحيوان منه كتكونه من المَنيِّ ومن البيض وأما تسميتنا له بالمني فلأن رائحته في أول تكونه وإجتماعه مع الأنثى كتكون الحيوان منه على حد تكون الإنسان من المني وأما تسميتنا له بالدم فلأجل الحرارة واللون وتمام الخلقة به إذ كان دم الحيض جارياً للمني مجرى الأنثى من الذكر فأما تسميتنا له بالبول فلأجل التقطير والتصفية والتمليح …).

 

3-3-2 وكما فعل السابقون ذكر جابر في كتاب الحجر هذا أسماء 21 حكيماً وفيلسوفاً وبعض من شغل نفسه بعلم صناعة الكيمياء والإكسير.ذكرَ جابر أسماء هؤلاء الرجال وإمرأة واحدة هي ماريّة القبطية كمراجع يقوّي بها حججه وبراهينه كما يفعل بحّاثة زماننا المعاصر.لا أرى بأساً من ذكر هذه الأسماء التي سبق وأنْ قرأنا أغلبها فيما تقدّمَ من كتب درسناها في هذا البحث:

زيموش. فيثاغورس. أرسلاوس. إسكندروس. مارية القبطية. أسطانس. هرمس المثلث بالحكمة. أفلاطون. أرسطاطاليس. طاطا إبن هرمس. سرجس الرأس عيني. يزميندس. أسقليادس. سيمياس. فرفيريوس. أمادقليس. علي بن أبي طالب. سقراط. بُقراط. روسم الرومي. جالينوس.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1531 الخميس 30/09/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم