أقلام حرة

هل ممكن تشاطر العيش معا؟؟ / صالح الطائي

 

في سبعينات القرن الماضي تعرفت إلى مجلة ناشيونال جغرافيك (N G ) عن طريق الصدفة فأعجبت بها وسجلت اشتراكي فيها، وكان مبلغ الاشتراك يقضم ربع راتبي الشهري، ومع الضائقة المالية التي كان يسببها إلا أني كنت أنسى كل الماديات عندما أستلم العدد الجديد وأبدا بتصفحه بأناقة وعناية فائقين وتأن، ولا أخفيكم سرا أن التصفح كان يمتد حتى نهاية الشهر لأني لم أكن أغادر الموضوع الواحد إلا بعد أن أشبعه قراءة وإطلاعا على صوره المذهلة.

ثم لما دخل الستلايت بادرت إلى شراء جهاز متطور منها يسمح لي بمتابعة قنوات (NG) وهي جميعها قنوات مشفرة، وأشد ما جلب انتباهي منها كانت  قناة "كوكب الحيوانات" ابتداء من تسميتها التي تعطي للحيوانات الحق في مشاركتنا العيش على كوكب الأرض ثم تلك العلاقة بين الحيوان والإنسان ـ وأنا هنا أقدم الحيوان على الإنسان لأنه سبقنا في الوجود على الكوكب ـ ولاسيما تلك التي تتحدث عن التماس بين الاثنين والأضرار التي كانت لدغات ونهشات وقضمات وعضات الحيوانات الفتاكة والسامة تلحقها بالبشر حيث يصل المصاب إلى أعتاب الموت وينقذه الأطباء غالبا في اللحظات الأخيرة

وكم كان يبهرني موقف الناجين أنفسهم من لدغات الحيوانات التي كادت أن توصلهم إلى الموت،فهم لم يطالبوا بالانتقام منها أو إبادتها أو الحجر عليها أو تغريبها إلى بلدان ومدن أخرى أو بناء أسيجة وأقفاص تحول دون اقترابها من البشر ، وإنما كانوا يعتبرون أنفسهم  الملامين لأنهم تطفلوا على حياتها وغزو بيئتها واعتدوا على مسكنها ومأمنها، والظاهر أن الحيوانات من جانبها كانت تحترم هذا الاتفاق غير الرسمي والمعلن لأنها غالبا لا تهاجم إلا من يشعرها بالخطر!

 وبناء عليه خلصوا إلى نتيجة مفادها: أنه يجب احترام خصوصيتها، وأن لها الحق بالدفاع عن نفسها وبيئتها، والحق بالعيش وفق الطريقة التي تلائم طبيعتها ولا بأس أن يتشاطر البشر معها العيش معا على كوكب الأرض أو كل ضمن حدود بيئته الطبيعية.

ولكنك تجد هؤلاء أنفسهم وكل البشر الآخرين لا ينظرون لأخيهم الإنسان الحيوان العاقل الذي يفهمهم ويفهمونه بنفس النظرة، ولا يعطونه نفس الحقوق، فكم من دين ومذهب وفكر وجنس يتمنى لو كانت له قدرة إفناء وتدمير الآخرين من البشر وإزالتهم من على خارطة الحياة ومن على الكوكب لكي يعيش وحده دون منافسة من الغير.

وأقول : ألا يمكن لهؤلاء أن يدركوا بعد أنهار وسيول الدماء التي خضبت وجه الأرض على مر التاريخ أن على الجنس البشري أن يتشاطر العيش على هذا الكوكب طبقا لنواميس وقوانين وطبيعة وتفرد وخصوصية ما يعتقده كل منهم، ما دمنا قادرين على تشاطر العيش مع الحيوانات البكماء وحتى مع المخلوقات المجهرية الأخرى التي لا ترى بالعين المجردة؟

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1531 الخميس 30/09/2010)

 

في المثقف اليوم