أقلام حرة

العملية السياسية ومعتزلة كوبنهاكن / حسن الشرع

والحق انه توصيف مؤلم ليس بامكان البلاغة اضافة الكثير اليه، لكنني وجدت ان اكتب على هامشه السطور التالية مبتدءا بطرح السؤال الآتي: لماذا ينتظر الناس الحكومة الجديدة ولماذا يتابع العراقيون اجتماعات لأناس قد لا يحبونهم وهل هم اي العراقيون معنيون تماما بمن سيؤول اليه الامر كله او بعضه؟ او بتعبير آخرمن سيحصل على اعلى عطاء واكبر هيبة واعظم سطوة واوفر مالا؟ وكأن الحال يشبه رهان بين اثنين على سباق خيول او ديكة او (عذرا) حتى كلاب..

في بلاد الغرب تنشط مكاتب المراهنات في مواسم الرياضة والمهرجانات والانتخابات..اما في بلادنا فلا احد يراهن على الشي نفسه، ليس لان الخيول او الديكة او الكلاب غير مدربة او انها لا تقوم بواجباتها، مع انها فعلا كذلك لكن لأن الخاسرين هم المراهنون كلهم والفائزون هم موضوع الرهان ممن اعتلى حلبة السيرك وراح يتقلب ويقفز ويصيح ككلب أجبرأن يخون صاحبه وهو لم يتعود ذلك او قرد حمل على سكينة موقرة وهي ليست فيه اوكديك اريد له ان يخنع امام خصمه وهي ليست شيمته  ..فالكلاب وفية والقرود ذكية والديكة بهية..فيا ليتهم رؤوا وسمعوا وقرأؤا مافي عالم الحيوان من عبر وعالم الرجال من جلال الصور، فالسياسة ليست كما يذهبون والامر ليس كما يفهمون والصورة ليست كما هم يرون.

سُئل بائع خضروات في احدى محلات مدينة السماوة عن رايه بما يجري من حوارات سياسية ومهاترات لفظية ومحاولات تسقيطية..فقال كما قال غيره انهم يتركون الشعب ويتنافسون على (الكراسي) واضاف وهو مستغرب لما يحصل انه يتمنى لهم ان يصلوا الى اتفاق سريع لانه يبحث عن وظيفة، فهو خريج في احدى كليات البلاد او معاهدها قبل سنوات عديدة ولم يحظ بفرصة الحصول على عمل شريف ياخذ منه رزقه الاّ ان يكون محسوبا على احد الكتل او الاحزاب او الواجهات السياسية المؤثرة.او ان يدفع مبلغا كبيرا بشكل غير مشروع لمن يوصله الى هدفه المشروع..نعم فالوسائل تبرر الغايات وكانها اهم واكثر مشروعية منها،  رجل اخر يبحث عن ضوء لبيته المظلم في نهاية نفق العملية السياسية المظلم هو الاخر رغم انبهار الجمهور بانواره الكاشفة لعورات عقول ونوايا قرود السيرك وكلاب المدينة والديكة الهرمة .امراة تنتظر من ينصفها من ظلم المّ بها، اخرى تنتظر علاجا لها... وتطول قائمة المنتظرين والحالمين والمتقاعسين وانا منهم فانا مغرم بالبحث عن المعاييرالحق والموازين القسط والبحث عن رجال المعايير والموازين الحقة..قال الامام علي (ع) اعرف الحق تعرف رجاله فهو لم يجهد نفسه في اتباع الرسول (ص)الا بعد علمه اليقيني انه اي الرسول كان على الحق وانه من رجال الحق وان اتباع الحق يعني اتباع رجاله فهم يدورون حيثما دار الحق ولم يفكر للحظة واحدة بعمل يعكس هذا المبنى. ان المنطق العلمي السليم يؤشر بوضوح الى ارجحية صواب معايير الحق (وهي معايير صادقة وغير نسيية) على سواها من آليات التوافق او المشاركة او المحاباة أو المجاملة او نحوها من ابتلاءات العملية السياسية .ربما كان اليأس من التغيير المنشود  هو ما يحمل الناس على الاهتمام بشان يجب ان يتروكوه لقادتهم المفترضين ولكن هؤلاء (القادة ) ولانهم مفترضين وليسوا افتراضيين بمعنى مثاليين ((ideal فالحل يقتضي التشكيك بهم ثم الحذرمنهم، وان المواطن يكون محقا تماما اذا ما نظر الى مسيرة السنوات السابقة بما تحقق له وقارنها بما تحقق لهم فانه لا بد ان يصل الى نتيجة خسارة الجمهور وفوز ابطال الحلبة في الرهان الذي لم ينعقد بالاصل فهؤلاء يتزايد عددهم باستمرار بدافع الفوز وليس بدافع العمل.

ان حالة الياس التي هي  إن ازمنت فربما يطاح بما تبقى من عملية سياسية ليست لها ضوابط ولا قواعد ولا معايير غيرالمشاجرة والمشاحنة من جهة والمتاجرة و المغالبة من جهة اخرى .

ربما كان العراق الدولة الوحيدة في العالم التي تغيب فيها مقومات الاقتصاد الوطني من زراعة وصناعة وتجارة وسياحة واعمال مالية وبنكية وخدمية صحية وتعليمية ومدنية تكمل المشهد الاقتصادي، فهو الان يعد مثلا صارخا  للاقتصاد الريعي المستند الى بيع الثروات وتحديدا النفط وبفرض ان البلد لا تمتلك هذه الثروة فان هؤلاء القادة او معظمهم على اقل تقدير سيختارون الاعتزال، عندها سنحصل على طبقة اعتزال جديدة نضيفها الى معتزلة بغداد ومعتزلة البصرة،  فربما قالوا لنا انهم من معتزلة ستوكهولم او معتزلة كوبنهاكن ورحم الله عطاء بن واصل والحسن البصري وعمرو بن عبيد والنظّام وغيرهم ممن له شان بالعملية السياسية بطابعها الفكري ونتاجها الفقهي  قبل ما يزيد  على الف ومائتي سنة .ان كثيرا من معتزلي السياسة دون المال  سيدعي عدم المعرفة بالشان السياسي  وربما حرّمه البعض الاخر على  الاخرين ولو على سبيل الاحتياط الوجوبي او الاستحبابي  وصولا الى الحرمة الكاملة عند العض الاخر، فالفتوى لا تنفك ان تبتعد عن المال كثيرا وهاك مسائل الخمس وماتؤدي اليه من صراعات بين بعض المرجعيات وهي صراعات اقتصادية في باطنها وفقهية في ظاهرها كما ان فتاوي التكفير ومنذا اقدم الازمنة هي نوع من انواع العمل السياسي المرتبط بالمال بشكل مباشر او غير مباشر.معتزلة كوبنهاكن لا يعملون بوقوع المنزلة بين المنزلتين  منزلة النفط  ومنزلة العمل السياسي  لكن اعتزالهم هو احتاج على الاجر غير المجزي الذي ستسبب عنه نفاذ  النفط  وعدم كفايته لاسناد العملية السياسية في الفترة اللاحقة للاحتباس الحراري ان ما يتقاضاه (السياسيون) العراقيون لا شك انه يرهق اقتصاد الدولة الريعي اصلا وقد حسب بعض الباحثين ان الامر اذا استمر طويلا على هذه الشاكلة فان موارد النفط لن تقوى طويلا على ان تديم الحال الراهن والمتردي بالاصل وان الادعاء بأن الاحتياطيات النفطية في البلاد كبيرة جدا لن تنفع في تغيير هذا الحال انه ببساطة شديدة سيستنزف الى جهات اخرى غير افراد الشعب المسكين حتى وان لم ينفذ على المدى القريب . لا تقولوا لي متى ينفد النفط،  خبروني متى ينفد الصبر...اوقولوا لي متى ينفذ العمر.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1535 الاثنين 04/10/2010)

 

في المثقف اليوم