أقلام حرة

كوردستان والتعامل مع تداعيات العولمة / عماد علي

 وانها اصبحت متداخلة معها بفعل التقادم التاريخي ومتشابكة بها في جميع المجالات، ولا يمكن ان لا تؤخذ هذه الخصوصية والسمة المميزة في الاعتبار ان اردنا ان ندرس بدقة متناهية ما تفرضه العولمة وما تلمس منطقتنا من التداعيات الكثيرة والمتنوعة لها، وان تاكدنا بان العولمة بحد ذاتها لا تعرف حدود الدول الى حد كبير فكيف بها ان تؤثر على مناطق ضمن كيانات مختلفة عن بعضها في جميع انحاء العالم ومنها الكورد المنقسم بين الدول العديدة.

 ان لم نذهب بعيدا ونختزل ما يهمنا في هذا الوقت وما يدور اليوم وفي كوردستان باذات، ان اعتبرنا العولمة احدى مراحل التاريخ وانها تتطور بشكل مفرط من كافة النواحي وعلى الصعيد العالمي ككل ولها تاثيراتها المباشرة على جميع الدول وما فيها وباشكال وطرق مختلفة وبالاتجاهين الايجابي والسلبي ايضا. ويمكن ان نقيٌم اي موقع كان وما يجنيه من الارباح واخر وما يتعرض له من الخسائر، والمصالح الكبيرة هي الدافع والارباح هي الغرض ضمن تفكير العالم الراسمالي وكاهم رؤى لهم بعد ان امتدت وفرضت الراسمالية قوتها وهيمنتها على اكثرية بقاع العالم، وان نظرنا ايضا الى ما يتخلل عملية العولمة من الامور التي تفرز اثناء مسيرتها ومن مخاض تفاعلاتها واصطداماتها مع العراقيل العديدة التي تواجهها، هذا بشكل عام ومن كافة النواحي الثقافية الاقتصادية الاجتماعية وعلى كافة الاصعدة وفي جميع المناطق.

لو توقفنا عند كوردستان كثيرا وتعرجنا على ما ترتبط بها من دول المنطقة، فانها تتميز بسمات التي يمكن ان تكون مستقبلا جيدا وساحة واسعة وخصبة لما تصلها من ابعاد وتداعيات العولمة ويمكن ان تستفيد منها اكثر مما تتضرر، لو قورنت بالدول وما تملك من السيادة والحدود وما يهمها من الامن والسلام اكثر من اية منطقة لا تمتلك اي كيان رسمي معترف به كما هي حال كوردستان، وكيف اخترقتها متطلبات هذا المفهوم المتمادي الاخطبوطي الشكل والتركيب والعمل والاهداف، فان كوردستان عرضة لوصول ما يمكن ان تؤثر عليها من افرازات العولمة باشكال مختلفة ومباشرة، وما تفرض تداعياتها من التغيير على الموجود ان مستها في الصميم.

كوردستان لم تذق طعم الدولة كما تتلهف اليها شعوبها، وان كانت تحمل المقومات الاساسية لبناء الدولة، لاسباب عديدة لاتخص هذا الموضوع ولسنا بصدد ذكرها هنا، الا انها المنطقة المنغلقة على ذاتها وحرمت من الانفتاح على المجتمع الدولي والتطورات العالمية قسرا واجبرت على التقوقع على نفسها لحين اندلاع الانتفاضة الاذارية عام 1991 ومن ثم اكتملت الانفتاح بعد سقوط النظام العراقي السابق، وهذا ما فتح الابواب عليها للتماس مع التطور التقني والتقدم العلمي لحد ما والتمازج والتلاقح الثقافي والانفتاح الاجتماعي لحد معين، وربما لم نبالغ ان قلنا انها سبقت العراق كدولة بنفسها من بعض الجوانب لحين سقوط الدكتاتورية، ومن بعض الجوانب سايرته وفي العديد من الاتجاهات كان لها التاثير المباشر عليه. وهذا لا يعني انها استغلت الوضع والظروف المؤاتية لها على احسن وجه كما تطلبت منها الظروف العامة لها، بل عدم القدرة الذاتية وانعدام الخبرة في ادارة الذات بشكل جيد والصراعات المتعددة الاوجه الداخلية منها او الخارجية منعت بشكل شبه مطلق من تحقيق ما كان منتظرا منها، في ان يخطوا في الاتجاه الصحيح او تطفر لمسافات مطلوبة منها لو كانت العقليات المسيطرة والمتنفذة واسعة الافق وبعيدة النظر.

هذا اضافة الى المعوقات الموضوعية والموانع التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي لا يمكن لاحد ان يذلها بين ليلة وضحاها، ومنها الوضع الثقافي العام ومستوى الوعي والتخلف المسيطر والجهل والامية التي تعيق الاستخدام الصحيح لما يمكن ان نسميها بمنجزات العولمة بشكلها المفيد ولاهداف انسانية بحتة. والعائق الاكبر هو ما تكنها الدول المجاورة من الغموض في النظرة الى العولمة مهما بانت تجلياتها وفرضت نفسها عليهم دون ارادتهم، وانهم يتربصون ما تتجدد في المنطقة ويحملون من النوايا ازاء كوردستان بالاخص لتحقيق الاهداف السياسية والمصلحية البحتة،و لما تمسهم ما يعتبرونها بانها يخص صلب امنهم القومي، والمفرح لحد اليوم انهم لم ينجحوا لحد كبير في صد ما وصلت من اشعاعات العولمة الايجابية منها لهذه المنطقة بعيدا عن مطامع الراسمالية وخارج ارادتها ايضا.

العائق الذاتي الذي يمكن ان نلخصه في الجانب الثقافي والاقتصادي والطبيعة الاجتماعية وما تتضمن من العادات والتقاليد وتاثيرات الافكار والعقائد الجامدة او السلفية او المحافظة التي تحرم المجتمع من استقبال ايجابيات العولمة، وتمنع ترشيح ما تصل من التداعيات وما يمكن تنقيتها من اجل الاستعمال والاستهلاك المحلي والاستفادة منها بقدر الامكان.

لذا يجب ان تجمع المؤسسات ذات الشان على دراسة ما يخص كوردستان بوضعها الحالي وهي ضمن حدود الدول المجاورة لبعضها على كيفية استيعاب المرحلة العالمية الراهنة وما تتضمن في ضوء ما يمكن ان تقيٌم به دول المنطقة، والاهتمام بالبنى المطلوبة للتعامل بشكل مقبول مع تداعيات العولمة وما تفرضه على حياة شعوب المنطقة والعالم باسره، ويجب ان تدرس كوردستان بنفسها التحولات المتعددة الجارية بشكل ملحوظ في المنطقة والعالم في جميع المجالات وبالسرعة الخيالية، وعلى الملمين العمل على ازاحة العوائق والتراكمات التاريخية وما بقت لنا من التركة الثقيلة وما فرضت على كوردستان طوال المراحل السابقة، لتخصيب الارضية والتعامل مع العولمة من اجل السيطرة على الظروف الذاتية وضمان قدر ممكن من ايجابياتها، وقراءة الذات من جميع الاتجاهات ودراسة ما يخص هذا المفهوم بموضوعية من اجل تحديد ما يتفق مع الخصوصيات والتوافق بشكل مقنع مع المناسب منها، وتحمٌل القدر الممكن من السلبيات التي لابد منها .

هذا ما يحتاج الى وعي ومعرفة دقيقة بجواهر الامور، وما تتطلبها المؤسسات والعقليات المتفتحة القارئة للتطورات العالمية الدائمة وما تصلنا، من اجل استغلالها في التنمية والانتعاش من الجوانب المختلفة .

 وان قرانا واقع كوردستان اليوم، اننا نعتقد انه بامكاننا ان نتعامل بشكل سليم مع ما يخص العولمة بخطط واستراتيجيات علمية دقيقة من الجانب السياسي الثقافي الاقصادي الاجتماعي، وتحديد الاولويات ابتداءا بنشر ثقافة حقوق الانسان والقوميات وفئات وحق المراة وتامين الحريات التي تقع لصالح شعوبنا في كل وقت وساعة، وكيفية التعامل مع المحيط والتركيز على ما يمكن الاستفادة البالغة منه خارج نطاق الدولة ومتطلباتها التي لم ننعم بها في مرحلتها وعصرها الذهبي .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1545 الخميس 14/10/2010)

 

في المثقف اليوم