أقلام حرة

المواطن العراقي هو المجرم بحق نفسه / سلام جمعه المالكي

مبنية على اساس قد يكون مرجعه نظرية العقد الاجتماعي الذي يسلم فيه المنتخبون بكسر الخاء مقادير امورهم وحقوقهم في القيادة لعدد من المنتخبين بفتح الخاء على اساس ضمانات معينة يتم التوافق عليها. وهذه لا تبتعد كثيرا عن نظرية الحبل، ولكن الحبل السائب غير ذاك المقصود بتلك النظرية.

ما ان تنتهي انتخابات في العراق حتى تبدأ حلقات اللطم والتشكي والسب ولعن الحظ العاثر الذي اوقع الامة بين ايادي كذا وكذا من الكتل والاحزاب والتيارات والجبهات (ما شاء الله، كثرت الاسماء وانعدمت الفائدة)، وكيف ان المواطن البسيط كان يأمل خيرا ممن انتخبهم فخدعوه ولم يوفوا بوعودهم له، ولم يبق من معاذير ومبررات لسوء الاختيار ذاك الا ان يدعي المواطن المسكين المغلوب على امره بأن المرشحين قد سقوه شرابا اصفرا ادار رأسه قبل ان يعود لوعيه فيجد نفسه .....كما الافلام المصرية القديمة! بربكم اما حانت ساعة صحوة العقول ام انها اليكم لا تعود؟

من المسئول الاول عما يحدث في العراق اليوم والبارحة وغدا؟ ستنبري الكثيييييير من الابواق المدعية بالثقافة والعلم لتوجيه نبال اللوم لهذه الجهة او تلك، بعثية، صفوية، قومية، ايرانية، شيعية، سنّية، لاخر قائمة المسميات، وما قصدها تأطير وتحديد المشكلة بل على العكس، فان قصد تلك الابواق انما تشتيت اذهان الاهلين، وهي مشتتة اصلا، وتحفيز نوازع الحقد والحسد والتباغض الموجودة في النفوس البشرية نتيجة تراكمات بعيدة العمق، وبذا ستضمن استمرار صنابير السحت الحرام من جهة ودوام استحمار الامة لسوقها كيفما شاءت اهواء المتصارعين.....

كلا، ليست تلك الجهات مسئولة مسئولية اولى عما حدث ويحدث وسوف يحدث قطعا، انما هي جرّت الحبل فقط، والمسئول الاول والاخير هو ابناء الامة الذين ما عرفوا اختيار من يستحق القيادة التي يتباكون من سوء فعالها (ان كانت كذلك؟)رغم عشرات التجارب.

قد يقول قائل، ان الامة قد انتخبت ولكنها عملية تزوير وتلاعب....لا بأس، فهذا وارد جدا في جميع التجارب على مستوى العالم وليس العراق حالة نادرة. ان كان التزوير محبوكا بحرفية ومهارة الخبراء، فما الذي يمنع الامة من التصابر والتحامل والتعلم من التجربة حتى يحين حين الانتخابات القادمة، وتلك من حسنات اللعبة الانتخابية، انها غير دائمة، وقد صبرت الامة عقودا مريرة وما اربع سنين بمعجزة الصابربن. أما اذا لم يكن التزوير بتلك الحرفية، فلا مناص من التعاضد واظهار الكثرة امام الاقلية المزورة، ولنا في تجربة احدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق قبل سنوات قليلة عبرة وعضة وصورة لامة حية، حينما شاء الحاكم الشيوعي السابق تزوير النتائج واعلن فوزه، فانتفض المعارضون انتفاضتهم السلمية فلم يحرقوا بلدهم ويكسروا مؤسساتهم العامة ، وبدون تهديد او وعيد بحروب اهلية او بحرق الارض (كما ديدننا عند الاعتراض، وكأن تلك المؤسسات والارواح والارض ملكا لحكومة او رئيس، وانما ننكث غزلا هو لنا) واعتصمت الامة امام القصر الرئاسي فعطلت الحياة المدنية الى ان اناخ المزور برحله وتمت اعادة الحق لاهله.

لو كان في هذه الامة مثقفين ومفكرين وساسة حقيقيين، ولو كان في هذه الامة من يدعي "التكنوقراطية"، ولو كان في هذه الامة من يخاف الله في نفسه وفي امته من رجال دين او قادة فكر او شيوخ عشائر حقيقيين، لنصحوا لله ووجهوا العامة، بأن لهذه اللعبة قواعد عليهم ان يعوها، ومن ثم فأن اللاعب الاشطر سيكون له القدح المعلى وان القانون لا يحمي المغفلين...هذه اللعبة ليست من مبتدعات اميركا او الغرب، بل على العكس، لقد جرت عليها انظمة الحكم العربية منذ ان اجترحت العقول ال....قاعدة " جواز تقديم المفضول على الافضل" والمفضول هو من يستحصل على اكبر عدد من الاصوات ولو كان عبدا حبشيا كأن رأسه زبيبة او كان عربيدا ماجنا سكيرا.

لو كان في هذه الامة مثقفون وقادة فكر ودين يخافون الله في انفسهم وفي امتهم لحثوا الاهلين على الاصرار على تعديل القوانين الانتخابة بما يحقق اعلى درجات الرضا والقبول، وهي لن ترقى ابدا لتحقيق العدالة المرجوة ما دامت من صنع البشر وما دامت الامة مختلفة على تفسير السياقات الالهية، ثم عليها ان ترضى بها وتتعامل معها ومع نتائجها....و كفانا نواحا ورميا للمسئولية على الاخرين على نسق " الحكم متحيز"، او "المعلم شد وياية عداوة"...عيب !

يقول العراقيون " يا طابخ الفاس، ترجي من الحديدة مرك؟" فان كان من انتخبتم غير ذي ماض معروف لديكم، او غير ذي اهلية، فلم انتخبتموه؟ وان كان "خادعكم" سابقا، فلم "يخدعكم" ثانية؟ اما ان لم يكن مجربا، فالمنطق والعرف يوجب الصبر والنظر فيما سيفعله، وليس التبشير بسوء الفعال والتخذيل والهجوم الذي لن يغير من واقع وجوده شيئا....فهل من روية وحكمة؟

الان، من المسئول والمجرم الاول المسئول عن كل الخراب الذي رأيناه وسنراه؟ انا اقول انه المواطن الذي لم يعرف قيمة صوته الذي منحه لمن لا يستحق او منعه عمن يستحق...و مع ذلك ومع فرض الخطأ وسوء الاختيار، فللعبة كرّة اخرى، وما هي الا ثلاث خلاّت: اما ان يصحو الناخب فينتخب بصورة صحيحة، او ان يموت (او يختفي) المرشح السئ او يموت الناخب، فيريح ويستريح.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1546 الجمعة 15/10/2010)

 

في المثقف اليوم