أقلام حرة

من يحمي المقابر؟ / خالد محمد الجنابي

وعن رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم - قال: (إن كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسره حياً) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني , وقال السيوطي في بيان سبب الحديث عن جابر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في جنازة، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم على شفير القبر وجلسنا معه، فأخرج الحفار عظماً ساقاً أو عضداً، فذهب ليكسره، فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم: (لا تكسرها، فإن كسرك إياه ميتاً ككسرك إياه حياً، ولكن دسه في جانب القبر)، وقال رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم ايضا: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه، فتخلص إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبر مسلم)، رواه مسلم .

إن ما قررته شريعتنا السماوية الغراء هو أن الإنسان مخلوق مكرًم حيا وميتا , وثبت الإجماع على عدم جواز نبش قبور المسلمين وإخراج الموتى منها للإنتفاع بالأرض أو البناء عليها إذا بقي من أثرهم شيء حفاظا على كرامة الميّت وحرمته والحرمة حتى لو درست ولم يبق اثر للميت لأنها موقوفة للدفن , وكان أحمد بن حنبل ينهى عن البناء على القبور ويقول : "رأيت الأئمة يأمرون بهدم ما يُبنى"، وكان أحمد بن حنبل يرى بطلان الصلاة في المساجد المبنية على القبور، سؤال يتردد على شفاه ذوي الموتى الذين يزورون قبور موتاهم مفاده أن هؤلاء الأموات الذين يسكنون هذه المقابر ويرقدون فيها بسلام وهي مثواهم الأخير إذا لم يكونوا ينطقون أو يتحدثون ليشكوا أمرهم الى المعنيين في الحياة الدنيا والذين غادروهم ووعدوهم وهم يحلمون ويأملون عندما كانوا أحياء لتقديم أفضل الخدمات في هذه الدنيا الفانية فإن حلمهم الذي يحملونه في موتهم ولكن بصمت، وأن ترى قبورهم التي هي منزلهم بأن ترى هي الأخرى خدمات أفضل فمن يحققها لهم؟‏ ومن يداعي عنهم؟ ومن يطالب لهم بمثل هذه الخدمات التي يجب تحقيقها إكراماً لهم في قبورهم ؟‏ وبالتالي من يحمي هؤلاء الأموات من عبث العابثين ومن الذين حولوا المقابر الى محلات تجارية او قطع ارضي سكنية او مكبات للنفايات و الأنقاض والتي أصبحت مرتعاً للنباشين وللخارجين عن القانون من أصحاب النفوس المريضة والدنيئة يمارسون فيها قذارتهم وأفعالهم المشينة، هذا بالإضافة الى أنها أصبحت مقراً للكلاب السائبة تبحث فيها عن عظم هنا وجيفة هناك من فطائس الطيور والحيوانات، هي مشاهدات توخز مشاعر الإنسان لعدة اعتبارات فهي بعيدة عن المناحي الحضارية، فيها تشويه للطبيعة والبيئة وتلوثها بالإضافة الى أنها لا تعبر عن القيم الأخلاقية والإنسانية لمجتمعنا فهي تعبير ساخر وصارخ عن انتهاك حرمات الأموات،‏ هي مشاعر الكثيرين من الأحياء الذين يترددون على المقابر والذين عكسوا بكثير من الألم مثل تلك  المشاهدات، لانعلم لماذا لايتم تشجير ‏وتنوير المقابر وفتح طرقات وتزفيتها،‏ و وضع مراكز رقابة من أجل قمع الاعتداءات على المقابر وحمايتها، وما المانع من أن تكون المقبرة مسورة ومشجرة ومخدمة ضمن المدينة  ومكاناً لهدوء النفس للميتين والأحياء ؟؟‏ ولكن لمن نشكي ولمن نتوجه ؟‏ فالمقبرة ذات قدسية و يجب أن تكون كذلك لأنها تضم نماذج بشرية كان لها دورها في الحياة و الأجدى و الأجدر و الواجب المحتم هو تقدير الانسان‏ بعد موته، أما أن تبقى المقابر على هذا الحال فإن التاريخ و الأعراف والشرائع السماوية لن ترحمنا و ستلعن كل من يهمل موتاه و لا يعتني بهم‏، أن جميع التجاوزات التي تجري في المقابر و ما يفعله بعض الجاهلين من رمي للقمامات و الأنقاض و ايذاء قبور الموتى فإنه عمل مذموم لا تقره الديانات السماوية و بالتالي فإن حرمة الميت كحرمة الحي أي أن الذي يعتدي على ميت في حرمه كالذي يعتدي على حي في حرمه‏ .

ختاما ادعوا ذوي العلاقة الى زيارة مقبرة الغزالي كي يشاهدوا المحال التجارية التي تم انشائها على طول سياج المقبرة، كما ادعوهم لزيارة مقبرة (الوادي) في مدينة كربلاء المقدسة والتي تم فرزها وبيعها كأراض سكنية، ولانعلم هل ان الجهات ذات العلاقة غير آبهة بسلامة المواطنين من الناحية العقلية التي قد يتسبب في فقدانها السكن في هكذا مناطق .

اخيرا اذا كنا لانحترم الانسان في حياته فهل اننا لانحترم حرمته بعد مماته وهو المخلوق الذي كرمه الله سبحانه وتعالى على سائر المخلوقات ؟ دعوة لمراجعة النفس قبل فوات الاوان .

 

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1548 الاحد 17/10/2010)

 

 

في المثقف اليوم