أقلام حرة

لماذا تعتقد بأنك الاصح دائما؟ / صادق العلي

التسليم بما يعتقدوه سواءا ً كانت عقائد او أ فكار او حتى سلوكيات ومناهج وضعها البعض مسارا ً لحياته وان الحياة الكريمة للجميع لا يمكن تحقيقها بدون ما يعتقده هو وان الرمز او المثال المؤمن به هو الوحيد في هذا العالم الذي لديه القدرة على تحقيق الحياة الرغيدة للبشرية المعذبة !                                 

هذه الاجابات لعدد من العرب وعلى الرغم من الحديث اللطيف واللياقة التي يتمتع بها محدثك والكياسة الا انه وبمجرد الدخول في احاديث يعتبرها خطوطا ً حمراءَ بالنسبة له فانه ينقلب رأسا ً على عقب وتتحول اللطافة الى ألفاظ بذيئة او في افضل الاحوال تتحول الكياسة الى سلوكيات أبناء الشوارع ! طبعا هذه التحولات الكبيرة في النقاشات لا تقتصر على افراد معينين دون سواهم ولكن الجميع يدافع عما يعتقده بطريقة حيوانية كما اسلفت لان البعض يتوهم بان هناك  فقط متدينون متطرفون وان هناك علمانيون او يساريون يتمتعون بدرجة عالية من تقبل الاخر مع انني متاكد واجزم بان اليساريين (على اختلاف افكارهم) هم اكثر تطرفاً من المتدين المسلم او المتدين المسيحي او اليهودي .                            

اما الاجابات التي تخص عددا ً من الاجانب فكانت عقلانية الى حد ما من حيث قلة القيم التي يعتقد بها والتي تعد قيما ً عليا عند العربي مثلا ً … بمعنى ان قيم الشرف والاخلاق والدين الذي يوصلنا الى الطريق المستقيم كل هذا الكلام لا وجود له في العقلية الغربية ولكن المُسلّم في هذه العقلية لا يقل خطورة عن التعصب بكل انواعه وهو العنصرية المقيتة هذا الداء الذي يجعلني انفجر ضحكا ً عندما اشاهد شخصا ً (عفن نتن) وهو لا شيء  بكل القياسات العالمية ويتحدث عن أمجاد عالقة في مخيلته .                  

أنا اعتقد بأننا جميعا ً مخطئون ! وأننا وافكارنا وما نعتقده لا يساوي دمعة أم نشف حليبها فقرا ً ولم تجد ما يسد رمق رضيعها ! أنا اعتقد باننا يجب ان نخجل ونحن نتحدث عن افكارنا وكانها منقذة البشرية اوكأنها الخلاص الوحيد لهذا الفقر والجوع والامراض التي تفتك بالفقراء والتي يبررها البعض الى انها أستحقاقهم المناسب … يجب ان نمتلك الشجاعة الكافية وان نُعلنها امام انفسنا وامام بعضنا البعض باننا جميعنا مخطئون واننا جميعنا مساهمون بما وصلنا اليه من حالة مزرية وان تمسكنا بما نعتقد بهذه الطريقة البدائية لن يجلب لنا سوى المزيد من الكوارث والمصائب .                           

ما نشاهده من مهاترات والمجادلات سواءا ً في الحياة اليومية او على شاشات التلفزيون (كالاتجاه المعاكس مثلا) يصيبني بالغثيان وانا أشاهد غبيا ً ما  يدافع عن سيده بطريقة حيوانية مملة وفي المقابل يأتي  شخص اخر لايقل غباء ً عن الاول ويهاجم ذلك السيد وهكذا دواليك اما مقدم البرنامج فهو اما رقعة شطرنج يحركه القائمون على هذا البرنامج او هو مخرج هذه المهزلة وهو يجيد عمله  بإمتياز.   

يجب ان نتوقف عن الاعتقاد بان الاخر قد غُرر به وانه موهوم وانه قد يكون معصوب العينين ولا يرى الحقيقة التي نمتلكها ! طبعا انا لا اسوق للديمقراطية على شاكلة ديمقراطيتنا في العراق ولكن المفترض من الجميع ان يتصرفوا بأنسانية وان يعطي الحق للاخر في الاعتقاد كما تعتقد انت كذلك التصرف على اساس عدم التسبب في إيذاء الاخر، انا اعرف ان هذا الكلام يبدو نوعا ً من التنظير الملل والذي سئم الجميع منه ولكني لا اجد بُدا ً  من التذكير به لاننا لو سلمنا بانه تنظير فأننا وما نعتقده سنكون ادوات للمزيد من القتل والمزيد من الفقر والجوع اما الحديث عن العنصرية فهذه الطامة الكبرى والتي تقودنا بسرعة الى المزيد من الكوارث والحروب من خلال الاسلحة الفتاكة وامتلا كها من قبل الكثيرين ناهيك عن اختراع طرق جديدة للموت وبتقنيات عالية تقدم القتل الجماعي بأسهل واسرع الطرق مع عوامل مساعدة اهمها (انني الاصح) . 

                                  

صادق العلي

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1548 الاحد 17/10/2010)

 

في المثقف اليوم