أقلام حرة

إبشروا .. إن عصر النساء آت / وائل المرعب

كل ذلك بفعل إنتشار أفضال تكنولوجيا الأتصالات وشبكة المعلومات والثقافات الألكترونية والرقمية التي غطّت كل مساحة الكرة الأرضية، وأصبح الأمر خارج إرادة الأنظمة القمعية سلطوية كانت أو إجتماعية التي تمسّك بها الرجال منذ قرون، ولم يعد بإمكان أيّاً كان إعادة التأريخ الى عصور الظلام والتخلّف وإستعباد الآخر .. فالزمن يجري بفعل قوّة الحياة وقوانين الفيزياء ويترك خلفه كل المفاهيم التي فقدت فعلها وتأثيرها، وأي محاولة للردّة ستبوأ بالفشل مهما أرتدت من لبوس ومهما تذرّعت بقيم حتى وإن كانت قيم إلوهية كما يدّعون .. لا شيء يوقفُ عجلة الحياة التي تدور ( وتدوس من لا يستطيع لحاقها وتؤدّبُ ) كما يقول شاعرنا الجواهري الكبير .

إذ أصبح الآن بإمكان أية إمرأة على إختلاف مراحل عمرها أن تضغط على زر تشغيل الحاسوب فينفتح العالم على سعته أمامها، وبإمكانها أن تطّلع على كل شيء يجري في أية بقعة من أرض الله الواسعة وان تغرف ما تشاء من المعلومات وتفهم ماذا يجري في كل لحظة وفي كل مكان .. لقد فعل العلم فعله وتأثيره مزّق كل أستار الحجب عن الناس ورفع العصّابة عن أعين النساء وجعلهنّ يشاهدن ويسمعن كل شيء حتى ما يتعلّق بالأمور التي كانت من أشد المحرمات عليهن، وأضحت بعض النساء العربيات والعراقيات تحديدا يرأسن مؤتمرات علمية دولية وينقلنّ معارفهنّ الى الدول التي بحاجة الى حملات معرفيّة تنهض بمستوى توعيتها بكل جدارة وكفاءة .

إن الثقافات المختلفة والواسعة التي وفرّتها الثورة الألكترونية رغم ما يشوبها من سلبيات بفعل التشويهات المتعمّدة التي يلجأ إليها البعض ممن أغاضتهم هذه الثورة ستصب في النهاية في صالح تنوير كل نساء الأرض خاصة في شرقنا المتعب حد التهلكة بفعل ما أثقلت دفّتيه الكتب ذات الأوراق الصفراء التي تجاوزها الزمن وبسبب حالات الهلع من الخطر الذي بات يهدّد المتاجرين بجهالة الناس وبعض معتمري العمائم وبعض أصحاب اللحى والمقفلة رؤاهم على الأفكار السلفية التي لم تعد تصلح وتنسجم مع ما أستجدّ من تطوّرات هائلة التي شهدتها العقلية البشرية إبتداءاً من الربع الأخير من القرن العشرين، وبفضل ما وفّرته علوم الأتصالات الرقمية التي غيّرت حتى كيمياء العجينة الفكرية .

وقد بدأت ملامح الحراك الثقافي النسوي تتضحُ بشكل جلي وصادم أحياناً بداية الألفية الثالثة عند بعض الروائيات العربيات في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق والكويت والسعودية وشمال افريقيا، بعد ان مهّدت لها محاولات بعض الكاتبات مثل غادة السمّان وأحلام مستغانمي وأخريات،وقد أصبحت قراءة رواية جريئة لكاتبة عربية أمراً غير مستغرب بعدما كان يثير الهلع والنقمة في الخمسينات والستينات مثلما حصل مع الكاتبة اللبنانية ( ليلى بعلبكّي ) ومجموعة قصصها ( سفينة حنان الى القمر ) ومواطنتها ( كوليت خوري ) وروايتها ( أيام معه ) وكذلك مع كاتبات أخريات لا يسع المجال لذكرهن، حيث صدرت فتاوى حتى من الأزهر بتحريم قراءة هذين المؤلفين والمطالبة بتقديم الكاتبتين الى المحاكم بتهمة ترويج دعارة الأدب وإفساد المجتمع العربي والأسلامي .

وبالأمكان اليوم إستخدام عشرات المواقع الثقافية والعلمية الألكترونية والأطلاع على ما تنشره الكاتبات العربيات لمعرفة التطوّر الأيجابي الكبير الذي طرأ على عقلية المرأة العربية وهي تخوض في شتّى صنوف المعرفة وحتى ما يخص اكثر المواضيع حساسيّة وهي الجنس والدين والسياسة، وكذلك ما وفّرته بعض المواقع المجتمعية التعارفية واسعة الأنتشار مثل ال ( facebook  ) حيث نلمس بشكل واضح إتساع رقعة التعارف بين الجنسين وكسر الحواجز النفسية وما تنطوي عليه من مشاعر الخوف والتردّد والخشية والريبة التي كانت تسود مثل هذه العلاقات، إضافة الى الشذرات الأدبية التي تنتجها قريحة وخيال بعض الفتيات والتي تثير الدهشة والأنبهار أحيانا، رغم وجود بعض ترسّبات التربية القمعية التي مورست ضدهنّ ممّا جعل البعض منهنّ يتخفّى بأسماء وصور وهمية، ولكن بمرور زمن ليس ببعيد سيظهرن للعلن ويتحدّين كل الأصوات النشاز التي تتوعّد وتبرق وترعد ولكن دون جدوى .

إن الردّة الحضارية التي بدأت ملامحها تظهر بداية الثمانينات من القرن السابق، وسيطرت بآديولوجيتها التي تهرّأت الكثير من مفاصلها لفرط القِدم على مساحة الأمة العربية بأسرها وبعض دول آسيا الأسلامية بفعل التغيرات الدولية الهائلة والمؤثرة التي حصلت بداية التسعينات، سوف لن تستطيع ان تقاوم موجات العلم المتسارعة والطاغية التي ستقتلعُ من أمامها كل الثوابت والمسلّمات وتمنح الجميع حريّة الخوض والعوم في بحر المعرفة البشرية المعاصرة وخاصة النساء منهم .

فأبشروا أيتها النسوة في شرقنا .. إن زمان حريّتكن قد أتى ..

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1554 السبت 23/10/2010)

 

 

في المثقف اليوم