أقلام حرة

مرافعة الميديا في زمن الفياغرا / أحمـد زكارنـة

ووجودنا في فحولتنا، وحزام عفتنا في نفاقنا، على طريقة " حواة المولد " الذين يخرجون النار من أفواههم.

هذا الغيث الأسود ليس وليد اللحظة ولكنه نتاج مواسم الإنكسار الجماعي، والضياع الثقافي، واتساع رقعة الفوضى واشتداد الظلامية، وكأننا نروي حكاية إبريق الدم، التي توقف أنصار الخير مكتوفي الأيدي دون القيام بأي عمل، كما قال السياسي البريطاني " ادموند يورك " حينما سئل عمّا تحتاج إليه قوى الشر لتنتصر.

إن فداحة المشهد تعود إلى عدم وعينا لواقعنا الحقيقي وتسمية الاشياء بأسمائها, تماما كذلك الرجل الذي قيل له: إن زوجتك تخونك على الكنبة، فباع الكنبة، ربمّا كي لا يلوث يديه بالدماء.

 

إن كان شارع الصحافة والإعلام المصري قد شهد مؤخرا حالة من الغليان بين مؤيد ومعارض للإجراءات الحكومية الأخيرة في حق عدد من وسائل الإعلام الفضائي والمقروء، بكل ما يحمل هذا الغليان من أوجه حق يراد به باطل ويستخدمها طرفي النزاع، فان واقع الشارع الإعلامي في فلسطين يشهد منذ زمن بعيد حالة من مجانية التهميش والإقصاء للعديد من فئات الصحفيين والإعلاميين والأدباء، والذي وصل البعض منهم إلى مراكز متقدمة على صعيد الساحة الإعلامية العربية، وكأن كلا الطرفين في فلسطين ومصر وبنسب متفاوتة يطبقون مقولة الروائي والإعلامي الفلسطيني أحمد رفيق عوض على لسان أحد أبطال رواياته حينما قال: " المدن لا تسقط من خارجها، المدن تسقط من داخلها".

ولو توقفنا أمام اسم الزميل أحمد رفيق كروائي امتهن الإعلام وتخصص فيه عملاً وتدريساً لسنوات طويلة، وكنموذج نال العديد من الجوائز وشهادات التقدير والإبداع في مجالي الأدب والإعلام، الى آخر قافلة الكلام الذي يلامس عنان السماء خارج جغرافيا الوطن، لأخذتنا الدهشة أمام ضبابية الأسباب الحقيقة وراء إقصائه أو لنقل تهميشه وربّما تغييبه وآخرين عن المشاركة في صياغة المشهد الإعلامي الفلسطيني وهو أحد خبرائه فعلاً لا إدعاء، لصالح محاولات البعض منا لاكتشاف كل مضطرب ومرتبك ورديء وربما مبتذل، في غيبة وعي تخالف فطرة الإنسان الفلسطيني، ذلك الإنسان الذي ساهم بقوة في ترسيخ اللبنة الأساسية للعديد من الساحات العربية على الصعيد الإعلامي والصحفي والأدبي إلى أن أصبح نموذجاً لردح طويل من الزمن.

 

الصديق المعلم أحمد رفيق هنا وكما أشرنا انفاً، إنما هو نموذج حي لحالة عامة سواء في مصر أو فلسطين، فلا أحد بإمكانه أن يستثني عشرات الإعلاميين والصحافيين والأدباء من ذوي الخبرة والشباب معا، داخل الوطن وخارجه، بل وداخل المؤسسة الإعلامية نفسها، ومع ذلك يمارس على البعض منهم فعل التهميش والتغييب بقصد أو بدون قصد، عوضاً عن محاولة المزاوجة بين الأجيال الأقرب لواقع المشهدين الثقافي والإعلامي، للإستفادة منهم سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في المجال المهني أو الإداري، على اعتبار أن إدارة الإعلام لا تشبه غيرها من الإدارت في المهن التجارية أو الصناعية.

 

إن هذا المشهد السريالي مليئ بتناقض الأفكار والرؤى والتحول والعبث، وكأننا نحياه بين إيمان وكفر، ثروة وفقر، وعي وجهل، حداثة وتخلف، ننظر ولا نرى، نصغي ولا نسمع، إلى حدٍ قد يحول المشارك إلى شاهد زور، والجاني إلى ضحية، ولربما "مأمون بيك" في باب الحارة إلى أبو فراس الحمداني في المشهد الإعلامي، فلا يصبح امامنا إلا أن نردد ما قاله الأخير ذات مساء:

ليس الرشيد كموسى في القياس.. ولا مأمونكم كالرضا لو انصف الحكم.

 

وعلى الرغم مما ذكر وكي لا نُتهم بالشعبوية والزندقة وربما الردة، فتهشّم رؤوسنا تشكيكاً وتخويناً وكأنه صراع هوية في محاولة عبثية لفصل الروح عن الجسد وبالتالي خلخلة اليقين، نقول بملء الفيه لا بد من مراجعة المشهد الإعلامي والصحفي العربي مراجعة دقيقة، لا نراه بعدها كنقطة بيضاء في لوح أسود أو نبدو كمن يقدم خطاب ميديا في زمن الفياغرا.

 

*  كاتب وصحفي فلسطيني

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1557 الثلاثاء 26/10/2010)

 

 

في المثقف اليوم