أقلام حرة

عذرا أبا جنان، عرفت برحيلك متأخرة / بلقيس حميد حسن

 ولأنني حينما اكون على سفر لا أتصفح النت يوميا، تفوتني اشياء كثيرة مع الاسف..

كيف لم اسمع عن ذلك الخبر الذي هز كياني، ابكاني  وأعادني الى سنوات النضال في بيروت، الى القصف الاسرائيلي والحرب الأهلية، الى الفاكهاني حيث عرفت الراحل في درب النضال والترحال وفي اصعب الظروف، حيث كان الانسان يخرج من بيته صباحا في بيروت ولا يعرف هل سيعود أم سيتمزق بانفجار على الطريق أو قصف بالصواريخ أو الطائرات.

كيف هكذا وبسرعة يرحل ابو جنان، المناضل، المثقف، الواسع الصدر والحكمة.

أبو جنان، الانسان المرح المحب للحياة والذي يستطيع ان ينثر على الجلسات ورود الابتسام والفرح. كان اكثرنا حبا للحركة والسفرات العائلية واحياء المناسبات المفرحة، حتى كنا ندعوه تندرا منظم الحفلات والافراح، ورغم أن افراحنا كانت قليلة جدا وربما غير موجودة حقيقة، لكنه كان يصنعها من روحه البيضاء، وينظمها لنا لنحيا، اذ كان يؤمن أن طاقة الانسان الروحية تتجدد بالفرح والمحبة بين البشر.

كيف أن أخينا وصديقنا ورفيق دربنا ابو جنان النبيل رحل وحيدا دون وداع؟

هل هذا يعني اننا لم نعد نراك يا أبا جنان؟ ولم نعد نستذكر أيام بيروت والمواقف المرعبة والمحرجة التي مررنا بها هناك حيث الحرب والجثث المتناثرة على طول شارع الجامعة العربية في بيروت، كانت القضية الوطنية والمباديء الانسانية التي نحملها تجمل لنا كل شيء، فعشقنا بيروت عشقا لا مثيل له، واعتبرناها نداً للوطن، وكم بكينا بعد ان غادرناها، ولم ترعوي قلوبنا التواقة للوطن من عشق المدن الحبيبة، فأحببنا دمشق مثلما احببنا بيروت، وانقسمت قلوبنا بين المدن والعواصم، فما أصعب ماحملناه من عشق لبغداد وبيروت ودمشق؟

كيف رحل ابو جنان بسرعة صامتة هكذا وهو الذي كان صديقا ورفيقا للجميع؟

آه من الغياب والفقد القسري؟

وآه من الترحال وضياع الوطن. وآه من الموت الذي يحيطنا من كل الجوانب، شفافا، هلاميا، لا يـُلمس لكنه كالصلب حين يحط على هياكلنا الضعيفة ويسلب الروح.

آه يا أبا جنان، لما تركته في أرواحنا من حسرة وداعك الأخير.

آه يا أبا جنان، من ابتسامة وكلمة جميلة ظلت عالقة بين الأصدقاء تروي طيبتك وتفانيك ونبلك من اجل العراق وشعبه.

وحيدون في الغربة، نرحل بلا ضجيج، قد لا يسمع برحيلنا من أحبنا وعاش معنا لسنوات، هذا ما أراده لنا حفنة من الدكتاتوريين والمتعصبين والسياسيين المرضى بداء العظمة، لقد ضيعوا وطننا، وأعمارنا، ومن لا وطن يعزّه، ستشفق عليه عطور الورود وقلوب الغرباء بشيء من محبتها.

سعيد انت ياعزيزنا أبا جنان، رحلت وحيدا، هادئا، مهيبا، مكللا بالحزن والياسمين الدمشقي.

وسعيد انت اذ أحتضنت رفاتك تربة دمشق العطرة بذكرى من سبقوك من الوطنيين والغرباء من اصحاب المواقف الانسانية، والذين منحوا حيواتهم فداء للمباديء العظيمة. وسعيد انت اذ ستبقى في ذاكرتنا وارواحنا دوما، وسعيد اذ احتضنك هناك في دمشق شعب احبنا واحببناه. 

أبا جنان، باغتنا ذهابك المفاجيء هذا والذي سيعذبنا كلما تذكرنا سنوات عمرنا الكثيرة التي قضيناها بصحبتك الطيبة.

وداعا ايها الراحل، والصبر لرفيقتك الصديقة والاخت الحبيبة ام جنان ديانا..

ولابنتك الحبيبة فيان ونجلك العزيز ليث اقول: ارفعا رأسيكما، فوالدكما ليس انسانا عابرا في الحياة، فهو الوطني والمناضل الكبير والانسان الحقيقي "زهير ابراهيم جعفر الزاهر"..

www.balkishassan.com

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1558 الاربعاء 27/10/2010)

 

 

في المثقف اليوم