أقلام حرة

هل ستكون سعودية أم عراقية؟ / إبراهيم الغالبي

بالمعنى الدقيق كونها لم تطرح رؤية أو صورة أولية لحل بعينه لتضع الساسة العراقيين أمام اختبار حقيقي سواء أولئك الذين رحبوا بها كما هو متوقع أو الذين تحفظوا عليها و كما هو متوقع أيضا. فالطرفان مطالبان اليوم أكثر من أي وقت مضى لإثبات أنّ الحلول الخارجية مهما كان مصدرها و نوعيتها لن تكون بديلا مقدما على الحل الوطني الداخلي حتى مع افتراض حسن نوايا الآخرين وهو أمر عصيّ على الإجماع العراقي، لأن هذا الإجماع مرتهن أساسا بالإجماع الإقليمي أو شبهه على الأقل. وحين تأتي دعوة رعاية الحل من طرف إقليمي يمثل أحد أهم أقطاب الصراع الإقليمي حول العراق سيثير الأطراف الأخرى الخارجية و بالتالي ستنعكس هذه الإثارة على الموقف الداخلي، حتى في حال اُفترِض أن صفقة عراقية على أرض المملكة السعودية لن تعطي الكثير لصالح المملكة أو القوى التي يقال أنها مدعومة من قبلها، فالحال اليوم أن أقل مكسب خارجي في مسألة تشكيل الحكومة العراقية هو رعاية إنتاج حل لأزمتها الذي يمثل بذاته حدا أدنى من الانتصار على اللاعبين الآخرين، و كأننا أمام جواب بمليون جائزة لسؤال: من ينجح في تشكيل حكومة العراق!

أمام القادة العراقيين فرصة انتزاع انتصار وطني مستقل ينطلق من أربيل لتجنب مواجهة تبعات رعاية الحل من المملكة السعودية الذي و إن جاء بنتائج إيجابية محتملة في الحاضر فهو قد يفسح المجال لسلبيات عديدة مؤكدة مستقبلا، ليس أقلها أن يكون الحل لكل مستغلق سياسي مستوردا من خارج العراق و يمثل اعترافا بالعجز العراقي الذي لن يتم تجاوزه بسهولة لعقود مقبلة.

الدعوة السعودية بالنسبة لوسائل الإعلام و المحللين والكتاب العراقيين هي مادة إضافية لجدل عقيم و موضوع جديد لتعميق و كشف و اكتشاف مبلغ الخلافات في الرؤى والتصورات والأمزجة و الرغبات، وما وراءها من ميول و انحياز سياسي و دخول في حلقة من حلقات لعبة مملة استمرت خلال الأشهر الماضية بعد الانتخابات، كان كل شيء حاضرا في تفاصيلها سوى رأي الجماهير التي انتخبت هذه الوجوه المتصارعة اليوم فيما بينها حد كسر العظم و الرأس والتخوين والتسقيط و التشويه .. الخ.

أيا يكن الأمر فإن التوصل لحل المأزق العراقي بأيدي عراقية في الطاولة المستديرة المنتظرة برعاية كردية هو ما سيجنبنا متاهة قد تبدأ من الرياض و تنتهي ربما في عواصم أخرى، متاهة و حلقة ربما ستكون مفرغة أيضا حتى ولو انتهت بتوافق على الحدود والمطالب الدنيا لكل طرف سياسي فائز في الانتخابات. هذا من وجهة نظر لا تخلو من التشاؤم الذي يبرره الواقع و التاريخ و التجاذب السياسي العنيف والصراع الإقليمي الحاد على شكل العراق الجديد. أما من وجهة نظر المتفائلين فإن هناك بضعة قراءات للدعوة السعودية تنتهي إلى نتائج متقاربة من جانب إفضائها إلى رحب توافق طال انتظاره بعد انسداد الأفق السياسي تماما. من تلك القراءات أن الدعوة السعودية توطئ لتنازل العراقية الممثلة للعرب السنة عن سقف مطالبها و يأتي تصريح الفيصل بقبول نوري المالكي رئيسا لولاية ثانية كي تؤكد أن الدعوة محاولة تفاوض جاد على تولي نوري المالكي لولاية جديدة بشروط " سنية - عربية " يمكن أن يقبلها المالكي، و مقابل ذلك يكون الكسب السعودي في تأسيس دور لها على الساحة العراقية بديلا للدور الإيراني أو معادلا له. هناك قراءة أخرى مبنية على أساس أن الداعي السعودي يعرف مسبقا مواقف القوى السياسية من دعوته، و بالتالي فهو يراهن على قبول أطراف شيعية يمكن أن تحدث انشقاقا في الصف الشيعي أكثر حدة و ألمع في صور تسويقه السياسي، و لعل ما قيل عن ترحيب التيار الصدري بالدعوة السعودية من المؤشرات المبدئية على ذلك. و في حدود هذه القراءة يكون السيد عادل عبد المهدي شخصية تسوية مرجحة بقوة لكن المشكلة أنها لن تأتي بجديد سوى تعميق الخلاف و شحن الصراع إلى أقصى مدياته لا سيما مع دولة القانون، وزيادة ما يسمى بالصف الشيعي انشقاقا على انشقاقاته الراهنة، و هنا يكون الموقف الكردي فيصلا في حسم الأمور، أما كيف تم رسم صورة التعامل مع الأكراد في هذا الفرض فذلك مبني على أن الدعوة تمنح الأكراد فرصة تسوية الأزمة في أربيل و تقديم تنازلات لحل الأزمة أو نصف تنازل يمهد لحل نهائي في الرياض بحيث يكون الحل في النهاية مناصفة بين السعودية والأكراد. و هو ما يبدو إعادة ترتيب لصياغة خارطة علاقات عراقية – إقليمية جديدة.

القراءة الأخيرة والمزعجة والتي يعززها عاملا التوقيت والموقف السلبي للمملكة السعودية من صورة العراق الجديد تتمثل في أن الدعوة تهدف إلى زيادة تعقيد الأزمة و بالتالي فهو يمثل هجوم سعودي مضاد لتطورات الانفراج في مباحثات تشكيل الحكومة المنتظرة.

على خلفية كل هذه القراءات والسيناريوهات المتصورة يبرز السؤال: هل تراها ستكون سعودية أم عراقية هذه المرة؟ هل ينجح الساسة العراقيون في تحقيق هدف الجماهير العراقية التي تترقب ولادة حكومة لبلادهم من رحم عراقية أم سيضيفون فشلا جديدا لسلسلة طالت من الفشل والإخفاق و العجز لتنجح السعودية أو ربما من بعدها طرف آخر في حل مشكلتنا مع ساستنا وأحزابهم؟

 

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1564 الثلاثاء 02 /11 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم