أقلام حرة

مابين تلبية مبادرة السعودية ورفضها / عماد علي

ولترى الحكومة الجديدة النور من خارج الحدود. والجميع تفاجأ واندهش حقا بهذه المبادرة غير المعروفة القصد بشكل واضح الا ما يمكن ان تفرزه التحاليل السياسية المنطقية المحايدة، والغريب في الامر انها جاءت من دون مقدمات او تخصيب ارضية او ايحاءات مسبقة، وجاءت بعد سبعة اشهر من الاحتدامات السياسية والنقاشات والمناورات والتصريحات والزيارات المكوكية للكتل السياسية الى جميع الدول المعنية بالعراق في استراتيجياتها السياسية وبعد جر ودفع، وفي خضم احتمال الوصول الى نتائج معينة بعد مبادرة البارزاني، انطلقت من الرياض ما يمكن ان تعيد اللعبة الى بداياتها ، والمحير في الامر انها جاءت بعد قرار المحكمة الاتحادية التي مهلت الكتل اسبوعين فقط على الخروج من هذا النفق وألزمت الكتل تحمل المسؤولية والحد من الاطالة والمماطلة والتفريط بالوقت في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ العراق الحديث، والا، ان القانون والدستور والنظام العراقي الجديد على المحك ان تجاوزت الكتل اعلى مرجعية قانونية في البلد، والمندهش ايضا ان مبادرة البارزاني قد قطعت شوطا كبيرا وتمهدت لها الكتل باجتماعات متواصلة  لوضع النقط على الاحرف ، وحان الوقت المناسب لاختيار الجميع الطريق الصحيح وكيف يشارك وبطريقة صحيحة، وجاءت المبادرة السعودية التي اعتبرت بمثابة قنبلة مدوية وافرزت العديد من التساؤلات وكانت هي بنفسها مثيرة للشكوك من النوايا التي وراءها نتيجة الاحراج المصاحب معها من الوقت والجهة التي تعتبر طرفا في الصراع الاقليمي الدائر على ارض العراق  والاسباب الموجبة لمثل هكذا مبادرات، فوصفت بانها ولدت وهي ميتة من جهة وانها جاءت معيقة للخطوات وليس مسهلة لها وانها افلقت بصيص النور التي ظهرت في اخر النفق وانها عقدت الامور بدلا من ان تحلها، لا بل تشابكت تداخل المعادلات ويمكن ان تحدث الفوضى في اخر المطاف، الى اخره من المواقف العلنية والسرية التي انطلقت بعد هذه المبادرة فورا.

ان كان هذا ما يقال وتوصف به المبادرة السعودية من قبل الاطراف المختلفة من جهة، وفي المقابل هناك من يدعمها واعلن تلبيته لها فورا وكأنها نزلت من السماء وفتحت الطريق له دون ان يتريث قليلا ويدرسها ومن ثم يعلن موقفه ، والموقف جاء لمجرد انها جاءت من طرف يعضده في السراء والضراء ليس حبا به بقدر ما تفرضه الصراعات الاقليمية والسياسات الاستراتيجية لها، واعتقادا منه بانها لصالحه مهما كانت النتائج بمجرد انها جاءت من هذه الجهة بالذات وليس غيرها ، ولم تضع اية جهة كانت المصالح العراقية امام اعينها وان تفكر بشكل حيادي لوهلة بعيدا عن المصالح الذاتية ومن ثم تقرر، وهذا ما يطرح السؤال حول التاكد من مدى ولاء الجهات للعراق قبل غيره.

 ان وضحنا نحن هذه المبادرة وما تهدف اليه بشكل حيادي استنادا على الركائز العلمية بعيدة عن المصالح والايديولوجيا، واستندنا على الوقت بالذات لكشف الحقائق ومن ثم المعطيات على الارض وبعيدا عن توجهات اية جهة كانت ، لابد ان نضع امام انظارنا الصراعات الدائرة والخفية بعض الشيء بين توجهين وقوتين في هذه المنطقة التي يقع فيها العراق وتجري رحاها بعد سقوط النظام داخل العراق بشكل واضح وصريح، وفي هذه الاثناء يمكن ان يفكر كل طرف فيما ذاهب اليه العراق بعد انسحاب القوات الامريكية وما يكون دوره ومواقفه في الصراعات الاقليمية الكبرى وكيف يستقر وما تفرضه شروط المصالح العراقية العليا في خطواته حينئذ.

شعرت السعودية بان الطريق قد وصلت الى نهايتها بعد قرار اجتماع الكتل وتاكدهم على بحث مبادرة البرزاني في اقليم كوردستان ، وان الحكومة ستكون ضمن هذا الخط وربما تاكدت بان ما يمكن ان تتوصل اليه الاطراف في اربيل ليس لصالح استراتيجيتها، او بالاحرى انها ضد مصالحها بشكل مطلق، لذا ان هي حاولت تاخير ما يمكن ان تصل اليه الاطراف او حاولت سحب البساط من تحت ارجل مبادرة البرزاني على الرغم من انها انكرت ذلك والتي هي ان كانت تحتوي على مجموعة من النقاط للشراكة الحقيقية وسلطات متوازنة ومتساوية للجميع ،فانها ربما تنجح في ضمان ما تذهب اليه وتعتبرها لصالح مستقبل بلدها ، الا انها ان نجحت الاجتماعات الدائرة حول مبادرة الرزاني باعتبارها لصالح القوة المقابلة حسب تفكير السعودية، وبهذا الشكل لن يكون هناك اي دور للسعودية وللخط الذي يقف بالمرصاد لما يجري في العراق والكتل الكبيرة على اعتبارها من الخط المقابل،و هي تعتقد ان التاخير وهدر الوقت وعدم الوصول الى مثل هذا الحل يكون لمصلحتها في هذا الوقت. وجل ما تصر عليه السعودية ان لا تتغير المعادلات لصالح المقابل في هذه المنطقة، وانها ما توصلت اليه وفكرت في اعادة اتفاقية طائف اخرى في العراق كي تتخذها غطاءا لبقاء الباب مشرعة في اي خطوة تراها من واجبها الاخذ بها لضمان نجاحها في سياساتها الاستراتيجية . والدلائل الواضحة وكيفية طرح المبادرة تؤكد لنا كم كانت ارتجالية وسريعة وطبخت من المؤسسات السعودية الداخلية ولم تدرس خارجيا من قبل اي كان وحتى الجامعة العربية التي ذكرت بانها تكون تحت مظلتها لم تعلم بها الا بعد حين كما صرح امينها العام ، وهذا ما يثبت مدى الارتباك في اتخاذ القرار لطرح المبادرة دون تخصيب الارضية مسبقا، وكما فرض هذا الخلط توضيح وزير الخارجية السعودي في اليوم التالي، والغريب اننا لم نسمع يوما حتى تلميحا سوى كانت عراقيا او من دول المنطقة او الكبرى حول اجراء مثل هكذا اجتماعات او طرح مبادرة كما جرى الان.

اما داخليا فهناك مطرقة قرار المحكمة الاتحادية وما فرضتها من الالتزام بالوقت والجهات المستفيدة منها وسندان الضغوط الخارجية والتدخلات الكبرى والسافرة على الجهات والجهات المستفيدة من هذه التدخلات ايضا، والمواقف المتخذة المستندة عليها.

لذا انا على اعتقاد بان الازمة لن تحل بهذه المبادرة ان اهملت مبادرة البرزاني او ان لم تصل الاطراف الى الحلول النهائية في هذا الوقت ، وما تؤول اليه الاجتماعات والنقاشات ان لبيت مبادرة السعودية سوف تؤدي الى انفاق مظلمة اخرى، وستكون لهذه المبادرة نفس المصير والعملية السياسية ستتراوح مكانها ، ويجب الا ننسى ما يفعله الطرف المقابل ، وكما شاهدنا من رد فعل سريع وما جري من اتصال هاتفي بين وزير خارجية ايران والبرزاني في الوقت االذي كانت علاقاتهما تشوبها التعكر لاسباب اعلامية، وبهذا ربما ستطول المشاكل وتبقى اية اتفاقية مشابهة لما جرى في الطائف حول لبنان ولحد اليوم تعترف بعض الاطراف اللبنانية بها ولم تعر اخرى اي اهتمام بها .     

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1568 السبت 06 /11 /2010)

 

 

في المثقف اليوم