أقلام حرة

التغيير عراقيا .. لا يشمل الوجوه / ابراهيم الغالبي

اعترف أنني واحد من أولئك المتابعين السياسيين الذين يتمتعون بسذاجة في العهد الديمقراطي وعذرنا أننا ولدنا و ترعرعنا و تشبعنا بشيء آخر مختلف فلم أعِ ماذا يعني شعار التغيير؟ حين رفع الرئيس الأمريكي باراك أوباما شعاره المماثل أو على وجه أدق شعار التغيير الأول الذي قلدته الكتل السياسية العراقية كان يعرف تماما ماذا يريد من التغيير بقدر ما كان الأمريكان يعرفون ذلك. كان أوباما ومن انتخبوه يعرفون أن التغيير هو التنصل الجزئي من سياسة الرئيس الأمريكي السابق و إجراء إصلاحات محددة معروفة سلفا حدّ أدق التفاصيل تختص بقضايا داخلية سواء أنجزها وحققها أوباما الآن أم لا. الشعب الأمريكي كان طموحا على عادته لإجراء التغيير و لعل انتخابه رئيسا أسود لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة عدّه الجزء الأهم من ذلك التغيير الذي أراده أوباما و وافق عليه الأمريكيون، فشعروا بالرضا عن أنفسهم وعن ديمقراطيتهم وعن نتائجها. أما أوباما نفسه فربما كان شخصا مراوغا وحاول أن يثبت تغييره الموعود للعالم بخطاب في إسطنبول و آخر في القاهرة كانا من نوع الخطابات الدعائية التي تودد فيها للمسلمين و انحنى بكل لطف للملك السعودي انحناءة أثارت جدلا في أمريكا. تغيير أوباما كان لفظيا أو على الأقل هذا هو الانطباع السائد حدّ اللحظة حتى بعد تنفيذه لاتفاقية سحب قواته من العراق التي شكك البعض بالتزامه بها.

 

أما هنا في النسخة الأمريكية للديمقراطية العراقية فالأمور مختلفة. التغيير كان شعارا لخصته القائمة العراقية علنيا بإزاحة المالكي و استبدال شخص آخر به، أما الناخب العراقي ففهم التغيير على أساس أن هناك حكومة جديدة و مرحلة أخرى يمني نفسه بأن تحمل تغييرا ما، والحقيقة أن هذا هو كل ما فهمه و دار في ذهن أغلبية الناخبين. أي أن مفهوم التغيير هنا هو مجرد انتقال إلى مرحلة أخرى وما سيأتي بيد الله، فانحاز كل طرف إلى ائتلاف لم يكن عصيا على أحد معرفة أنه انحياز لا تغييري، بل بني على ذات الأسس التي جرت عليها الانتخابات السابقة. و بالتالي كان شعار التغيير قد أسهم في مجيء نتائج متقاربة حُسِب فيه كل فائز على مكون محدد ومعروف. التلخيص العلني للتغيير الموعود قابله جزء مخفي وغير معلن، فالعراقية وبعد شد وجذب و دوران في حلقة مفرغة و تساؤلات عما يدور في أروقة السياسة راحت توضح شيئا فشيئا ركائز مشروعها التغييري، ومن تلك الأسس التي يقوم عليها مطالب بإلغاء المساءلة والعدالة و إعادة ضباط الجيش السابق و عدم طرد منظمة مجاهدي خلق و إلغاء المحكمة الجنائية الخاصة. اعتقد أنه لو كانت العراقية قد تمتعت بالوضوح وطرحت منذ اللحظة الأولى مشروعها بشكل جلي للناخبين لتغير الكثير من واقع الأمور. لكن اللعبة الانتخابية كان لها حكمها فهي تعرف مسبقا أن هناك من لن تعجبه هذه المطالب ولا يجد فيها التغيير المناسب و لن ينتخب العراقية على الإطلاق. هل يوجد تفسير آخر أكثر منطقية لإخفاء العراقية لمطالب كهذه في وقت دعايتها الانتخابية لتشهرها فيما بعد على طاولات المفاوضات المارثونية؟ مع التنويه إلى أن العراقية لم تختلف عن باقي الكتل في عدم توضيح برنامجها، سمعنا ببرامج تم وصفها بالوطنية و لكن لم نعرف عنها شيئا ذا بال..

ولكن ماذا يعني ذلك؟

يعني أن التغيير العراقي لا علاقة له بالساسة و لا ببرامجهم ولا بشعاراتهم. التغيير حالة اختيار واعية من الشعب أو ثورة فوضوية منه في لحظة تاريخية تعيد ترتيب الأمور وفق منطق يتعامل معنا ولا يمكن أن نتعامل معه أو نفهمه، لكنه غالبا ما ينتهي إلى نتائج مرتبة و منسقة و شافية.

 

من كان يأمل في التغيير كان يغط في حلم عميق، حلم ثلاثي الأبعاد، يرى فيه أن الشعب العراقي لم يعد يقيم وزنا لخيارات الانتماء القومي والطائفي، وأن الساسة يتصارعون في حلبة واحدة وليست حلبات متعددة بحكام مختلفين وجمهور مختلف و لاعبين يتغيرون كل لحظة. كان يرى أن القوى السياسية تنظر بعينه لأزمته و مشاكله وتقترح نفس الحلول! ويتناسى حقيقة الصراع الرهيب على السلطة بين معسكرات متضادة بعضها من ولادة الحاضر الديمقراطي و بعضها من مخلفات الحقبة الدكتاتورية و الثالث من خارج أسوار البلاد.

 

تشير الترجيحات اليوم عن قرب تتويج المالكي بولاية ثانية مع تعديل محدد لصولجان الحكم وفق مبدأ الشراكة في القرار – الشراكة مفردة أخرى حيرتني كثيرا و الحقيقة أنني لم أستوعب ما تعنيه بالضبط حتى الآن! – إذن لم يحصل التغيير .. هذا ما يتردد على ألسنة مناصري العراقية على الأقل و من ضاق ذرعا بنوري المالكي خلال السنوات الخمس المنصرمة. والحقيقة أن أي وجه آخر لن يحدث تغييرا ولا تبديلا في مجمل أوضاعنا التي نشكو منها إلا ما سيأتي مندرجا و سيرورة حاكمة على بناء الدولة إن قدِّر لنا بناء دولة حقا والتي يبدو أنها لن تكون إلا بمحض الصدفة. فمثلا على صعيد الأمن يقال أن العراقية قادرة على كبح جماح العنف وما يسود من اعتقاد لا سيما في بغداد والمناطق القريبة منها أن قادة العراقية لهم ارتباطهم الوثيق بخيوط الإرهاب و" المقاومة " و هم بإشارة واحدة سينهون هذا الملف و تستقر الأمور تماما ولهذا يردد المحللون الأمنيون أن التفجيرات عادة ما تكون ذات دوافع وأبعاد سياسية تعكس حقيقة الصراع في العراق اليوم. هذا الاستقرار لا يعترف به العاقل لكونه يؤكد حقيقة أزمتنا ولا يحلها، و سنسأل وماذا بعد ثلاث سنوات حين تأتي قوى أخرى يمكن أن تفوز في الانتخابات المقبلة؟ ثم ماذا لو اختلف اللاعبون الإرهابيون ممن لا يملك قادة العراقية كلمة عليهم؟ و مع بقاء المالكي يبقى الأمن مهزوزا لأن خصومه لن يرغبوا في إنجاح حكومة قادها رغم أنوفهم إذا لم تكن بالطبع التنازلات المقدمة بمستوى رغباتهم وطموحاتهم، و سيبقى الإرهابيون أشباحا لا يمكن أن تمسك باليد أبدا ..وتبقى أجهزته مخترقة، لا نعرف من أية جهة إلا إذا كانت القاعدة والبعث ليعود الأمر و يتعلق بقادة في العراقية وباقي الخصوم السياسيين في الداخل والخارج.. وهكذا فنحن في حلقة مفرغة لا تبدو لها نهاية واضحة. وكل نقطة من النقاط السابقة يختلف العراقيون حولها بين منكر و مقتنع، كيف يغير شعب من واقعه وسط كل هذا الخلاف والاختلاف!!

إن المجتمع العراقي يعاني من أزمة عميقة والصراع السياسي انعكاس مباشر لهذه الأزمة. والشعوب التي لا تحسن خياراتها عليها أن تتحمل تبعات ذلك.

 

  [email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1571 الثلاثاء 09 /11 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم