أقلام حرة

خوش ولد / حسن الشرع

كان في رحلة لزيارة اهله في الكوفة وفي بغداد، كان ذلك اللقاء في نادي النقابة حيث كان يحيط به اصدقاؤه مستمتعين بكلامه الجميل، أذكر انه قال لي حينها انه يعزم على كتابة اطروحته باللغة التركية التي لا يعرف منا كلمة واحدة، قال مبررا ذلك انه ذهب يوما الى القاموس ليبحث عن كلمة انكليزية فوجدها (احد عشر)، الفرنسية صعبة جدا بالنسبة له اما الفارسية فلا يمكن، فالبلاد في حالة حرب مع ايران ‘لم يبق له غير التركية ‘قال ذلك وهو يسخر من الامور جميعها، ثم كان اللقاء الثاني قبل شهر واحد فقط حيث كنت مشاركا في احد مؤتمرات جامعة الكوفة التي يعمل به استاذا. قال لي هل علمت بوفاة الدكتور كريم ؟ قلت: نعم وهل علمت بذلك في حينه .قال: كنت في مجلس الفاتحة فجلست الى جانب الدكتور باسم الذي كان يجلس الى جنبه شاب وسيم لقد قال لي باسم والكلام لصديقي، اتعرف هذا الشاب؟ قلت :اتشرف بمعرفته .قال: انه (خوش ولد)..في الحقيقة انه الطالب الذي كان يشرف على بحثه لنيل الماجستير الفقيد (رحمه الله). خوش ولد..يقول صاحبي انه توجه لذلك الشاب مواسيا له ولنفسه واضاف قائلا: الهمك الله الصبر والسلوان..فكرر باسم قوله انه (خوش ولد). ثم استمر صاحبي بقوله : لقد سالني الدكتور باسم هل تعرف من الذي كان يتولى مهمة الاشراف على بحث هذا الشاب قبل ان يتولاها المرحوم ؟ قلت لا فانا في جامعة الكوفة، قال: انه المرحوم جاسم . قلت لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، رحم الله كبراءنا وزملاءنا وسائر موتانا. صمت باسم وقال : لكن لاباس فهو (خوش ولد). لكنه (اي باسم) اضاف ماكرا: مارأيك ان نيتم بنات الدكتور سعد به مع علمنا انه خوش ولد؟!. كدت اخرج من لياقة مجالس العزاء لولا ان يدعو احد المعزين باعادة سورة الفاتحة هذا مانقله لي بعد ربع قرن من اخر مرة رأيته فيها.

لا اريد ان اشتت انتباه القاريء الكريم الى ما يمكن ان يحصل لو روى احداث هذه القصة ذلك الشاب ومن وجهة نظره هو، فمن المؤكد انه سيكون ضحية لسوء الطالع، فدانيال ديفو روى لنا احداث روبنسن كروزو من وجهة نظر السيد كروزو وليس خادمه السيد فرايدي..وربما كان ذلك لا يمثل العدالة الاخلاقية في الرواية.

قبل اسبوع ترأـست لجنة جامعية لمناقشة احد طلبة الدكتوراه .اعلن ان ذلك الطالب كان مثابرا ومجتهدا فضلا عن دماثة خلقه ..كان (خوش ولد) بحق، لكنه لم يكن موفقا في عمله الاكاديمي البحثي فهنالك الكثير من المثالب والاخطاء المنهجية والعلمية التي كانت تمس جوهر موضوع البحث وكما اشر الى ذلك زملائي الاساتذة الافاضل في اللجنة، عندما اختلت اللجنة لاتخاذ القرار انبرى احدهم فقال: ان الطالب ورغم عدم تمكنه من الدفاع عن اطروحته الا انه يستحق ان تمنح له الدرجة لانه (خوش ولد)، من البديهي القول ان هذه المناقشة لمن تكن الاولى ولن تكون الاخيرة من نوعها في معظم جامعاتنا، المشكلة بمجملها اخطاء فادحة يرتكبها من لا نريد له ان يتعثر انه ببساطة كبيرة (خوش ولد)، لا اظنني بحاجة الى سرد الكثير من القصص لابين ماأريد ان اصله فالقضية تمتد الى الخدمات غير المُرْضية للطبيب الذي يفشل في اداء واجبة بالتشخيص او العلاج وتمتد الى المدرس الذي تعجزه الحيله في شرح المادة العلمية لتلاميذه وغيرهما ممن نطلق عليهم النعت الشعبي المشهور (خوش ولد).

لابد لي من الاشارة هنا الى قضية النوايا التي قد يتضمنها النعت، ان صحة نية المنعوت وسلامة توجهه ونقاء سريرته لا تعد جميعا وباي حال من الاحوال تبرأة له من الخطأ بما يحملنا على المساومة ثم القبول به (اي الخطأ) حتى وان نظرنا للامر من وجهة نظر هذا المنعوت الذي هو (خوش ولد).

ماذا لو صدق وصف (خوش ولد) على بعض سياسيينا ونوابنا ومسؤولينا ؟ فهل نملك ان نغفر لهم خطيئاتهم، كبائرها وصغائرها، بعض هذه الكبائر يستحق مرتكبوها العقوبة الصارمة والشديدة وليس الصفح والغفران، فالقضية هنا لا تشبه قضية شاب سيء الطالع أوالفأل مات المشرف على بحثه او طبيب اخفق او مدرس لم يوفق، صحيح ان الجانب الاخلاقي للمسأله هو نفسه، لكن الصجيح ايضا هو شمولية أخطاء السياسيين بما يجعلها كارثية في كثير من الاحيان، وإذن فمن غير المقبول ان يخطأ السياسي وهو يمتلك العناصر كلها التي تجعله لا يخطي الى حد بعيد .يقال ان الرسول (ص) قال (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابين)، فاي خطأ وأي توبة يتحدث عنها (ص)...من المؤكد انه لا يتحدث عن اخطاء سياسييينا ولا عن عدم اقرارهم بها او توبتهم منها، هذا ان كانوا من أبناء آدم، ربما كان من ابناء الجن غير الصالح الذين يستمعون القول فلا يتبعون احسنه رغم انه من وجهة نظر الكثيرين منا (خوش ولِد)

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1571 الثلاثاء 09 /11 /2010)

 

 

في المثقف اليوم