أقلام حرة

الحكمة المطلوبة في تشكيل الحكومة العراقية القادمة / مهدي الصافي

بل تكمل عملية الاختراق السياسي المشروع للكتل الصغيرة المنضوية تحت هذه المسميات الكبيرة، بغية الحصول على الأصوات المطلوبة لتمشية مشروع إقرار التشكيلة الوزارية المنتظرة

لقد كانت التجربة السابقة تجربة فاشلة بكل المقاييس(عدى وزارتين أو ثلاث) على مستوى الأداء الوزاري المفروض على رئيس الوزراء، لان الكتل الساندة لوزرائها لاتسمح بالاقتراب منهم، حيث ذهبت للتهديد بسحب الثقة من السيد المالكي إذا ما حاول التلويح بإحالة الوزير إلى البرلمان لاستجوابه،

ألان الأمر مختلف ويحتاج إلى حكمة سياسية، السيد رئيس الوزراء عليه أن لايشرع بالاتفاق الشامل مع الكتل الكبيرة، بما فيها كتلة التحالف الكردستاني، التي أخذت أكثر من استحقاقها، لعدة أسباب منها، إنها كتلة قومية غير شاملة، تتمتع بحكم فيدرالي واسع في مناطقها المحصورة بين المثلث العراقي التركي الإيراني،

نعني بالكتلة الغير شاملة ، أي أن الأخوة الأكراد هم ليسوا الأقلية أو القومية الثانية الشاملة لمختلف المحافظات، أي المنتشرة في اغلب مناطق العراق(السنة العرب تقريبا منتشرين في اغلب مناطق العراق ومنها العاصمة بغداد، مع تركزهم في محافظاتهم المعروفة)

بل هي كما قلنا محصورة في بقعة جغرافية متلاصقة ومتجاورة، ولهذا كان أداءهم الوزاري وحتى الرئاسي قريبا من اهتماماتهم القومية ومن مناطقهم وثقافتهم الخاصة، لم نسمع إنهم يحبذون الاجتماع في مدينة البصرة للتحاور بشأن الوضع العراقي، فقط الكتل الشيعية كانت تسلك طريق بغداد النجف، ويبدوا إنها ابتعدت عنه مؤقتا هذه الأيام!

لقد كانت وزارة الخارجية هي والسفارات المنتشرة حول العالم، بوابة واسعة تشرح حقيقة التقوقع ألاثني والعرقي ، توضح حجم الفرق بين الأقليات الشاملة المتعايشة في جميع المناطق والمحافظات، وبين القومية المحصورة بمنطقة معينة، وهذا خلل وطني واقعي نعاني منه جميعا نحن العراقيين،

المنطقة والحكومة المحلية الكردية، هي أحوج إلى تعزيز النظام الفيدرالي فيها، تعمل على استثمار وجود أعضاءها في البرلمان لرسم وتحديد وترسيخ علاقتها بالسلطة المركزية، ولا تحتاج أن تأتي إلى بغداد لأخذ مناصب سيادية، لأنها في الأصل هي تمتلك تلك السيادة دستوريا!

الاعتقاد السائد بأن تركيز الصيغة الماضية في توزيع المناصب الحكومية، سيفشل تثبيت ركائز المشروع الوطني لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة، معيدا إلى الأذهان تكرار التجربة الهشة السابقة، مشجعا العصابات الإجرامية وبقايا البعث عن الاستمرار في دعم تنظيم القاعدة لتنفيذ جرائم إرهابية في مناطق متفرقة من البلاد،

 عمليات اكبر واخطر، من المحتمل أن تشمل اغتيال الشخصيات السياسية المهمة (مع اقتراب رفع اليد الأمريكية عن الملف الأمني والسياسي في العراق العام القادم)

الوقت ليس مهما في اختيار وزراء الحكومة السابقة، بل الكفاءة والخبرة والمهنية والوطنية العالية، هي معيار إنقاذ العراق وشعبه من محنته الفظيعة الشبه الدائمة، إنها وقفة وطنية ومسؤولية أخلاقية، تعيد للدولة هيبتها ومكانتها وموقعها الرائد في المنطقة والعالم،

نعتقد أن المتطفلين والفضوليين على معترك السياسة والمناصب الحكومية العليا، قد ضمنوا حقوقهم وحقوق أجيالهم ، إذن دعوا الأكفاء من الخيرين والشرفاء يبنون الوطن بصورة صحيحة!

فتعزيز مقومات الفوضى وإدامتها في مناطق الثقافة التقليدية الشرقية والعربية تحديدا، تعني إن مشروع الانقلاب العسكرية، يبقى احتمال قائم وجاهز في أي لحظة يمكن أن ينفذ تحت جنح الظلام، مادامت التحية العسكرية تؤخذ لرجل مدني،

فهذا يعني إن المؤسستين لن تتفقا على نقاط التقاء وطنية، كيف يمكن للقائد العسكري أن يقول سيدي لرجل بلباس مدني (أفندي)، هذه المخاوف هي التي دعت الطاغية المقبور، أن يلبس الزي العسكري حتى في أيام السلم

(اغلب حالات التهاون الأمني واسترخاء بعض القادة الميدانيين ...هو يرجع لعدم وجود قناعة أو كما يسموها عقيدة عسكرية متينة تربط بينهم وبين القائد العام للقوات المسلحة ، ولهذا كان صدام لا يدعهم يبقون في مناصبهم فترة أطول-بحث يطول شرحه اشرنا إليه سريعا للتنبيه).

بناء الدولة في الثقافة الشرقية الإسلامية ، تحتاج إلى فطاحل وخبراء المعرفة السياسية التاريخية، تقطع الطريق أمام المحاولات العربية والإقليمية المجاورة، الراغبة بتغيير المعادلة للوضع الشيعي الكردي في الحكم العراقي،

لهذا تبقى عملية تشكيل الحكومة القادمة المهمة الأصعب في كل ما مضى، يجب أن لا تتهاون دولة القانون في استثمارها بالشكل الصحيح، وان لا تتجه كثيرا للترويج لمصطلحات جديدة حكومة شراكة أو توافق،

بل تعمل لتشكيل حكومة خبرات وكفاءات وطاقات معروفة بنزاهتها (اذكر مقولة احد موظفي كتلة معينة المعين بمنصب مدير عام، بعد أن وصله النقد الكبير حول فشله في أداء مهمته-قائلا بالعامية شريد يصير خلي يصير -فأنا ضمنت راتب التقاعد كمدير عام)،

بهذه الشخصيات انتم تحرقون الأرض وتدمرون البلاد ولا تعمروها!

مهدي الصافي

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1577 الاثنين 15 /11 /2010)

 

في المثقف اليوم