أقلام حرة

وجيهة عبد الرحمن .. تصعد مع المطر وتنزل مع الحب / وجدان عبد العزيز

ولن يرى الآخرون هذا لهبا وموقدا / ليبعث الدفء في الروح المقرورة)، حتى توغلت في حدائق الشاعرة وجيهة عبد الرحمن تعزفني الرغبة في استرداد الجماليات أي جماليات الحب الذي كثيرا ماكانت الشاعرة تتردد في أروقة البوح عنه، وقد لاتصل مبغاها  وحاولت أن ابدأ بالعناصر وقررت أن اسمي صوتها بعد إحصاءات الدموع السعيدة، كي أثير الصمت بكلماتها، وهي تبدو في الوهلة الأولى كالمهرة في ريعان صباها تدور في حلقة الرقص بعذوبة حول معاني الحب السامية، وكانت قد استعانت بالمطر رمز النماء والخصب، وهو يصعد بروحها التواقة للجمال ولكن اشتياقها لغناء الإنس يؤول بها للنزول ومسامرة الحبيب ..

تقول :

 

(غيمة الصبح

لعينيك ندى

يصعد المطر منتشيا

اثملته دروب الدهشة

لتتناغم حواف الشجر

فينديني عري اشتياقي

لغناء كأسك)

فغيمة الصبح مع صعود المطر، كانت دهشة دروب الحياة المتفتحة، وهي تتضوع برائحة الأمل والتمسك بالحياة وهي تردد :

 

(أعانق وريقات الحبق

المعوسج على شرفات شفاهي

أراك في الصبح

تندلق من فنجان قهوتي

إذ أحتسيك زمنا من الحب

في ليالي تراقصها تلوينات

الرعشة في أصابعي)

 

فالأمر يكاد أن يكون واضحا وهو الاندماج بالحبيب بجمالية متداخلة اوحت بها حالة التمسك التي اشرنا لها والمطعمة بالوجد حتى استحق من الشاعرة هذا الاندماج مع الكلمات، ثم وأنت تحس برعشة أصابعها وهي تخط الكلمات بأمانة وصدق ككفّارات عن شهوة الامتلاك .. (أراك .. تندلق من فنجان قهوتي) .. إذن وجود الحبيب على ظهر الواقع الحياتي، يستدعينا أن نصعد مع المطر ويعني هنا من طرف خفي التواصل مع خصب وأعمار النفوس التي استهلكها البحث بلهفة عن الوجود الحقيقي، لعاطفة كانت تغري بصدق نقائها وبكلمات ركبت موجات المغايرة في أوضاع اللغة من اجل المعنى لا غير، فبين عناق الحبق إلى الرعشة في الأصابع هناك مسافة رسمت فيها وجيهة عبد الرحمن لوحة الوجود وأدارت ظهرها لغير هذا، لكنها اكتشفت الجمال ولمست المعنى، رغم هذا عجزت عن البوح .. لذلك هي تقول :

 

(يا لأكفك العذراء

حين باغتتها قبلات الريح

فاستطالت أصابع من عواصف سرو

لتوها خرجت

من زوايا أنين الرغبة)

 

وهنا نجد مزج بين عذرية الأشياء ورغبات دفينة ، قد تفيض في أي لحظة ما، لتعلن ثورة الانفعال، ثم تخاطب بأسلوب النكرة غير المقصودة (يارجلا ... يارجلا) فهو مجهول بالنسبة للمتلقي ومعلوم بالنسبة للشاعرة، وقد تستريح عند ندى الأصابع(كن لأصابعي ندى)، لأنك من (ينابيع المخمل المطرز بالفصول)، وهو تصريح بان حبها له يتخضرم عبر الفصول ويتعمق أكثر حتى جعلته صديقا لها (ها صديقي ..) وتخاطبه بكل هدوء (استبحت مواطن العزلة لديّ)، فسمّت الأشياء بمسمياتها، وقد تكتشف أن هذا الحب افتراضيا في ذهن المتلقي كما نوهنا إلا انه حقيقة واضحة وهو يسكن أعماق الشاعرة وبين (ذات زمن) وصعود المطر كان انهمار الخصب كالحرير في نعومته على الجلد، أي هنا تحركت الحواس وامتلكت بعضا من الحقيقة بتصويراتها الشعرية الفائقة الجمال واستمرت ذات الشاعرة بانفعال ورعشات أصابعها وهي تحاول البوح باندلاقه على الأوراق البيضاء ..

وهنا أقول إني قرأت شعرا رائقا يحمل نكهة الجمال وعطر العصرنة باثا أسئلة متوالدة مع كل عبارة تطلقها الشاعرة وجيهة عبد الرحمن وهذا يندرج في رحلتها الشعرية الحافلة بقصائد ودواوين عديدة .. وأنا منهمك ارسم خارطة عذري على حلقات الزمن التي ما انفكت تحاصرني، لازلت أتذوق لذات من متع القراءة في دفاتر الشعر وهو يغازل أعماقي .. إذن عذري وتقديري للشاعرة ولقرائها، بسبب تناولي لقصيدة واحدة حمل عنوان (كن لأصابعي ندى) ..

 

......................

*(كن لأصابعي ندى) قصيدة حمل الديوان عنوانها للشاعرة السورية وجيهة عبد الرحمن

صادر عن دار رؤية بالقاهرة 2010

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1578 الثلاثاء 16 /11 /2010)

 

في المثقف اليوم