أقلام حرة

من ارتضى بمبادرة البارزاني بقناعة ذاتية؟ / عماد علي

 ودعم القوى الخارجية الكبرى، اصبحت هي القشة التي يمكن ان يتعلق بها الكتل العراقية في نهاية المطاف وبعد ان تعبوا من المناورات والرهانات وطال بهم الزمن .

رغم الضغوطات الكبيرة التي تعرض لها الكورد طيل هذه المسيرة الصعبة والمتعبة ومنذ الانتخابات الاخيرة لمجلس النواب العراقي وحتى يومنا هذا، الا انه قاوم هذه المرة وعلى غير عادته وخرج من المازق باقل الخسائر ولم يصبح ضحية الخلافات بين الكتل العراقية الكبرى الاخرى، ولم يسر الامور على حساب مصالحه ومستقبل اجياله ومصيرهم، ولم يُستغل على ان يكون هو عامل خير ومضحي لما يهم شعبه والتاريخ يكتبه له وكانه هو الجزء من المشكلة وليس من الحل الذي يدعيه الكورد والمكونات الاخرى مرارا،لذا يجب ان يتنازل عما يخصه ويهمه في سبيل تآلف وتوافق الاخرين! ودائما وفي النهاية، هذه الكتل هي التي تحصد وعلى الكورد ان يجمع الفتات والبقايا، ولكنه وقف حازما ربما هذه المرة دخل المصالح الحزبية والشخصية في الامر ولم يدع اية مساومة على ما هو المطلوب.

وصل الصراع بين الكتل الكبرى لحد الافلات لو لم تكن هناك موانع واعتبارات، وتناطحوا بكل السبل الى اخر المطاف وما كان بمقدرتهم ان يخوضوا فيه من اجل المصالح الذاتية لهم واطلقوا البالونات وجسوا الانباض المختلفة وطرحوا الطموحات وتكتكوا وساعد بعضهم الاعلام والمراكز الخارجية المهتمة بهم، ولكن ما افاد الكورد هو موقعهم وقدرتهم وما اصبحوا عليه من كونهم بيضة القبان وورقة رابحة في تعاملهم مع الاحداث، وانهم حقا  لعبوا اللعبة بنجاح ولم تميل الكتلة الكوردستانية لاي طرف دون اخر الى ان استوضحت الامور ودرست المواقف وقررت ما هو الاصح على المدى البعيد، رغم الخلافات الداخلية التي كانت موجودة بين اطراف الكتل الكوردستانية مهما كان نفيهم في العلن قويا  لها .

فجائت مبادرة البارزاني في الوقت المناسب للجميع، ولم يكن من مصلحة اي طرف رفضها مهما كانت مضامينها، فقبلتها جهة كمنقذ لها وللعملية واخرى كمسايرة للامور وكانت اهميتها من الارتضاء والدعم الخارجي لها ان لم تكن اصلا بموافقتهم المسبقة او طرحهم غير المباشر لها ومن النافذة الكوردية كما يحصل في اكثر الاحيان.

لم يبق امام كتلة العراقية بمكوناتها المتنوعة اما قبول المبادرة التي فيها ما لصالحها لو طبقت كما تشتهي او اختيار طريق المعارضة المحفوف بالمخاطر في المرحلة الحالية والمزدحم وغير المسالم ولم تنضج الحال لتجسيد الوضع الطبيعي لوجود المعارضة والسلطة في الحكم، لوجود التراكيب والرؤى المختلفة في تكوين كتلة العراقية ذاتها والتي منها تؤمن بالمشاركة في السلطة مع اي كان ومنها تستند على خط معلوم، وبالامكان فرط عقفدها ولم تتحمل اكثرية مكوناتها ثقل رفض الاغراءات التي يمكن ان تطرح امامهم، والسياسة مصالح وتوازنات وصراع كما يعلم الجميع. فالى اخر لحظة قاومت كتلة العراقية وحاولت وناورت واعتمدت على الرهانات والطروحات الخارجية اكثر شيء، وعندما جاءت مبادرة السعودية تلقفتها وكانها نزلت من السماء لها ان لم تكن بمشاورتها مسبقا، فقبلت بها ولم تدرسها لمدة معينة حتى، وانها حاولت ان تكون بديلا لمبادرة البارزاني لولا اصرار الاكثرية على المضي في دراسة وتنفيذ ها وربما ساعدت من الالتزام بها من قبل البعض، وكانت لكتلة التحالف الوطني ادوارا كبيرة وحاسمة في هذا الشان، وعقد عزمه لاجتماع اربيل وغطى ما بدر منه من التوافقات على مباردة السعودية التي جاءت في وقت غير مناسب تماما ويمكن ان نتفق مع البعض الذي يقول جاءت هذه المبادرة وهي ميتة اصلا. وفتحت الابواب امام تشكيل الحكومة الجديدة وخاصة بعد اقتناع جزء لا يستهان به من نواب العراقية في التعامل مع التحالف الوطني ودولة القانون بالذات وقبولهم المسبق بالسيد المالكي رئيسا للوزراء الذي كانت العراقية تراهن على تكليف السيد علاوي لهذا المنصب، وهي لم تنجح في مهامها مهما حاولت، وعندما ياأست غيرت من موقفها وبحذر وطالبت برئاسة الجمهورية ولكن بعد فوات الاوان، وقامت بالمناورة واللعبة المكشوفة تحت قبة البرلمان كاخر محاولة ولم تنجح ايضا، وحتى بعد ترك رئيس البرلمان الجديد القاعة وانضم الى كتلته على امل عدم تكملة النصاب عاد الى البرلمان بعد ان سار الامور بشكل طبيعي ولم يكن حينئذ باليد حيلة الا قبول ما يجري . وهذا ما فقد الثقة بين المتصارعين بشكل كبير ولن تعود المياه الى مجاريها مهما استوضحت مواقف سياسية على العلن وانما جرى  جرى وجرى كل شيء بشكل اجباري.

اصبحت المبادرة تحصيل حاصل لرؤى التحالف الوطني وقبل بها وان لم يقتنع بمضمونها بشكل مطلق وكان القبول على ما اعتقد من باب المسايرة والا كما يعتقد الجميع ان المواقع المستحدثة التي لم تتم تجسيدها وتثبيتها الا بتغيير الدستور من المستحيل ان تاخذ مجراها وستبقى عالقة ويمنعها القانون والقضاء قبل اي مكون وكتلة كانت.

 لذا التوافقات  التي حصلت ستخضع لقوة القانون والسلطة الجديدة ستكون هشة والتي لا يمكن ان تقبل مرادفا لها كي يكبل يدها في تنفيذ القرارات، والسلطة التنفيذية هي التي تحكم خلال الفترة القريبة المقبلة ويمكن ان تستمر الحال لحين اجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة، والاهم للشعب اولا ان الرهان ستبقى على تغيير ميزان القوى المستند على تغيير المقاعد النيابية للكتل مستقبلا، وحينئذ سيتم تداول السلطة بشكل سلس، وهذا ما يفيد الناس ولمصلحتهم البعيدة المدى والكلمة تكون لهم اخيرا وليس للتوافق السياسي الرافض للاكثرية والاقلية والسلطة والمعارضة كما معمول به في العالم ويمكن انجاح تداول السلطة من خلاله.

و هنا نتاكد بان ارتضاء القوى بمبادرة البارزاني جاءت من الامر الواقع وكمحطة وليس اقتناعا بمضامينها واهدافها، الا انها كانت محطة مهمة للمسيرة الطويلة والخروج من عنق الزجاجة، والاهم هنا تلاشت احتمالات التقاطع والاحتكاكات الخطيرة والعودة الى المربع الاول. 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1579 الاربعاء 17 /11 /2010)

 

 

في المثقف اليوم