أقلام حرة

.. ونحن أيضاً عقبة في طرق السلام!

أسباب ومعاني فشل مفاوضات السلام، وعن العلاقة بين السلام، بصفة كونه خياراً إستراتيجياً للعرب وسورية، وبين المقاومة، فقال إنَّ إسرائيل هي العقبة الأساسية في طريق "السلام المنشود"، وإنَّ "فشل العمل السياسي في استعادة الحقوق يعطي الحق للمقاومة في استعادتها"، وإنَّ مفاوضات السلام لم تؤدِّ، مُذْ بدأت في مدريد، إلاَّ إلى "الإضرار بالسلام، وجعله بعيد المنال"، وإنَّ إسرائيل اليوم، حيث تحكمها حكومة نتنياهو، التي بالفطرة تناصب "السلام المنشود" العداء، لا يمكنها أن تكون شريكاً للعرب في مفاوضات السلام.

وإنِّي لأفهم كل هذا الذي قاله الرئيس الأسد على أنَّه دليل جديد على اشتداد حاجة العرب إلى فهم جديد للسلام (مع إسرائيل) وللمقاومة، ولأوجه العلاقة بين السلام والمقاومة، فإذا كان نصف الحقيقة (إنْ لم يكن رُبعها) يكمن، على ما أرى، في قول الرئيس الأسد إنَّ مفاوضات السلام قد فشلت؛ لأنَّ إسرائيل، وإسرائيل اليوم على وجه الخصوص، هي "العقبة الكبرى في طريق السلام"، فإنَّ نصفها الآخر يكمن في أنَّ الدول العربية التزمت السلام خياراً إستراتيجياً من غير أن تلتزم، قولاً وعملاً، ما يمكن تسميته "المساهمة العربية الممكنة والضرورية في تذليل تلك العقبة من طريقه"، فهذه "العقبة" لا يستقيم فهمنا لها إذا لم نفهمها أيضاً على أنَّها "نتيجة" لـ "سبب عربي (في المقام الأوَّل)"، فالدول العربية التي لم تتسلَّح للسلام إلاَّ بسلاح واحد لا غير هو إرادته والرغبة فيه هي ما جَعَلَ إسرائيل ضدَّ كل سلام لا يكون في مقابل السلام فحسب.

 

العرب لا يتحدَّثون عن "الحرب"، فليس لنا الحق، بالتالي، في أن نُذكِّرهم بما هو في منزلة العلاقة السببية بين "السلام" و"الحرب"، أي بالمبدأ الأوَّل للسلام ألا وهو "إذا أردت السلام فاستعد للحرب".

ولكنَّ بعضهم يقول بأهمية وضرورة المقاومة، من غير أن يتخلَّى عن التزامه السلام خياراً استراتيجياً، فهل أثبتنا، بالقول والفعل، أنَّنا نُحْسِن فهم العلاقة بين السلام والمقاومة، وأنَّنا قد أحسنَّا وحسَّنَّا هذا الفهم بما يسمح لنا بحلِّ هذا التناقض المصطنع بين السلام والمقاومة؟!

إنَّني لا أرى من حلٍّ لهذا التناقض المصطنع سوى الحل الذي فيه نلتزم السلام خياراً استراتيجياً، ونتَّخِذ من المقاومة، أي من ممارستها، ومن ممارستها بكل صورها وأشكالها، طريقاً إلى السلام، فالمقاومة لا تستمدُّ شرعيتها، أو أهميتها وضرورتها، من "فشل العمل السياسي في استعادة الحقوق"؛ ذلك لأنَّ هذا الفشل (الذي لا ريب فيه) لا يمكن فهمه وتفسيره إلاَّ على أنَّه، في معظمه، أو في جزء كبير منه، نتيجة حتمية لفشلنا في فهم وممارسة المقاومة على أنَّها طريق إلى السلام، فنحن، ولجهة فهمنا للعلاقة بين السلام والمقاومة، على فئتين اثنتين لم تُثلَّثا بَعْد، على اشتداد الحاجة إلى تثليثهما: فئة تفهم وتمارِس السلام على أنَّه نفي خالص للمقاومة، وفئة تفهم وتمارِس المقاومة على أنَّها نفي خالص للسلام.

وأحسبُ أنَّكم لستم بحاجة إلى دليل على انتفاء وجود "المفاوِض ـ المقاوِم"، فنحن لم نرَ حتى الآن "المفاوِض مقاوِماً"، أي مقاتلاً بالحديد والنار على وجه الخصوص، ولم نرَ "المقاوِم مفاوِضاً". ويكفي أن ينتفي وجود "المفاوِض ـ المقاوِم" حتى يَظْهَر ويتأكَّد وجود "المفاوضات العبثية" و"المقاومة غير المُجْدية".

في أثناء المفاوضات، وإذا ما ثَبُت وتأكَّد أنَّها مجدية، أو يمكن أن تكون مجدية، وإذا ما رأيناها تتقدَّم في اتِّجاه حلٍّ نهائي، تتصالح فيه "الحقوق" و"الحقائق"، ويمكن أن يغدو حقيقة واقعة في زمن مُقاس بـ "الساعة السياسية"، لا بأس، عندئذٍ، بالتوقُّف عن المقاومة المسلَّحة أو العسكرية، مع رفع منسوب "المقاومة الشعبية السلمية".

أمَّا إذا فعلت إسرائيل كل ما تستطيع توصُّلاً إلى تسيير مفاوضات السلام في مسارٍ لا وجود له في عالم السياسة الواقعي، فلا بدَّ، عندئذٍ، من استئناف المقاومة بالحديد والنار؛ ولكن من غيرٍ تخلٍّ عن السلام بصفة كونه خياراً استراتيجياً، أو عن "الحلِّ النهائي" الذي يحظى بـ "الشرعية الدولية".

المفاوِض الذي نملك يتَّخِذ ممَّا يراه فشلاً للمقاومة المسلَّحة في جعل "السلام المنشود" في متناولنا دليلاً "مُفْحِماً" على أن لا حلَّ إلاَّ من طريق التفاوض السياسي؛ أمَّا المقاوِم الذي نملك فيتَّخِذ من فشل مفاوضات السلام، والذي لا ريب فيه، دليلاً "مُفْحِماً" على أنْ لا حلَّ إلاَّ من طريق المقاومة المسلَّحة، فكلاهما يستمدُّ من فشل الآخر سبباً للادِّعاء بأنَّ نهجه هو وحده الصائب.

وهذا المنطق في فهمنا للعلاقة بين السلام والمقاومة هو ما يفضي إلى أقوال من قبيل "فشل العمل السياسي يعطي الحق للمقاومة"، و"فشل المقاومة يعطي الحق للحل عبر التفاوض السياسي".

وأحسبُ، زاعِماً أنَّ لي سنداً في حقائق الواقع، أنَّ النهجين قد فشلا، وأنَّ الحاجة إلى نهج ثالث، يَحِلُّ ويُسوِّي التناقض المصطنع بين النهجين، أو بين السلام والمقاومة، تشتدُّ وتَعْظُم، فالسلام، الذي يُزاوَج فيه بين مطالبنا وشروطنا وبين الشرعية الدولية ما أمكن، يجب أن يظل خياراً فلسطينياً وعربياً استراتيجياً، على أن تُمارَس المقاومة، ولو كانت بالحديد والنار، بصفة كونها طريقاً إلى هذا السلام، فالمفاوِض الذي نبذ القتال، والمقاوِم الذي نبذ المفاوضات، هما السبب الفلسطيني والعربي في جَعْل إسرائيل عقبة كبرى في طريق السلام، وفي زيادة استمساكها بـ "السلام في مقابل السلام".

 

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1057  الاحد 24/05/2009)

في المثقف اليوم