أقلام حرة

هل تستغل امريكا الثغرات في اقليم كوردستان؟

والثابت لحد اليوم هو بقائها مسيطرة على السياسة العامة للبلاد وتصفية حساباتها مع من يغرد خارج السرب باي شكل كان،و نتابع ما تهدف اليه في جميع انحاء العالم والعراق بالاخص وتعاملها مع اقليم كوردستان وضغوطاتها المتكررة على السلطات المتنفذة حسبما تتطلبه مصالحها الاقليمية والداخلية، وعليه تفرز تناقضات في مسيرة احتكاكها وتعاملها مع الاطراف العديدة في العراق وما موجود منها في كوردستان .

 

اما ما يخص الاقليم بالذات، ومنذ انتفاضة اذار عام1991 والوضع العام شهد تذبذبات مختلفة وكان غير مستقرا في مراحل متعددة الى حد كبير، والتجربة الجديدة على الشعب الذي عانى الكثير وهو تحت نير الدكتاتورية وفكر البعث الشوفيني، وما ورثه ليس الا دمار وخراب، ليس في البنية التحتية فقط وانما في شخصية الفرد الكوردستاني وواقعه ووضعه المعنوي ومستوى معيشته ونتاجاته . بعد ان دام الحكم في اقليم كوردستان بيد الحزبين الكبيرين المتنفذين، شاب الوضع العديد من الممارسات غير التقدمية لاسبابها الموضوعية والذاتية، وازدادت الثغرات المختلفة في كيان الاقليم لكونه حديث الانبثاق وفي بدايته مقارنة مع ما تحتاجه السلطة الديموقراطية من التجارب والممارسة وكيفية تصقيل التجربة والوضع القائم نتيجة تكرار التجارب وترسيخ المباديء الاساسية للديموقراطية الحقيقية . وفي خضم هذه التشابكات في هذا الواقع، هناك خلافات بين الاقليم ومركز العراق حول القضايا العديدة ومنها المصيرية بالنسبة للشعب الكوردستاني لاسبابها السياسية والتاريخية والظروف التي وقعت وما رافقت العراق بعد السقوط وما وقع فيه من التعقيدات ووصلت في كثير من الاحيان الى حافة الهاوية .

 

اليوم تعيش كوردستان في ظروف وواقع اجتماعي ثقافي اقتصادي سياسي خاص بها تختلف عن المناطق الاخرى في العراق في العديد من الاوجه، ومنها كيفية تعامل القوى معها اعتمادا على مصالحها، وما السياسة التي تتبعها الاطراف التي لها المصالح المشتركة معها . وما تهم امريكا هي نظرتها الخاصة الى المجتمعات بشكل عام، واهدافها واجندتها اهم ما تهتم بها من حيث مفاهيم الشرق الاوسط الكبير وما تعمل من اجل توسيع معالم العولمة ومؤثراتها على المنطقة وكيفية استغلالها وماتريدها من التجارة الحرة والخصخصة والنظام الليبرالي الراسمالي وما تريدها ايضا من الجانب الثقافي والفلسفي .

 

انها تبحث عن الثغرات في جميع المواقع التي تصل اليها ايديها لتنفيذ مخططاتها بشكل مباشر ومؤثر، وما نراه على ارض الواقع في اقليم كوردستان السياسي هو ظهور قوى متعددة وتصنيف طبيعي لتوجهاتهم وافكارهم ومعتقداتهم وثقلهم، فهناك من القوى الوطنية المعتدلة زكاها التاريخ وجاءت كنتاج طبيعي للثورات الدموية المتعددة والنضالاات المستمرة للشعب الكوردي، واخرى خرجت من رحم القوى الكبرى الكوردستانية مستغلة السلبيات التي افرزتها مسيرة النضالات التارخية ومعتمدة على الحداثة وما يتطلبها الواقع الجديد والتقدم وتغيير الظروف وهي ليبرالي الفكر والهوى وتستند على نقاط ضعف السلطة من اجل استغلالها والوصول الى السلطة مهما بلغ الامر، وهي مدعومة من امريكا وان كان بشكل غير مباشرو الهدف العام هو اضعاف القوى الوطنية وليس لسواد عيونها، بل من اجل رضوخ القوى الكبرى كي لا تخرج عن الحدود المرسومة لها والخطوط الحمر الموضوعة امامها والمسموح بقائها ضمن اطارها . وهناك قوى اصولية دينية مستغلة للواقع الاجتماعي والظروف والمستوى الثقافي العام من اجل بقائها وهي مدعومة هنا وهناك وتستغل ايضا وتستعمل لاضعاف مساند واعمدة القوى الوطنية .  اما القوى اليسارية، فهي الوحيدة التي تستند على نفسها وامكانياتها البسيطة وكما نعلم لا تدعمها الظروف العامة في هذه المرحلة نظرا لتدني المستوى الثقافي العام ونسبة العلمانيين، بل لاعتمادها على النخبة فقط وعدم تواكبها مع مسار القوى الراسمالية العالمية، ولذلك فان حظوظها ضعيفة في هذه المرحلة وانما افاقها مشرقة وواضحة للعيان .

 

و من خلال تعدد القوى واختلافاتهم، تبحث امريكا عما يفيدها لدعمه مستغلة الثغرات ضاغطة على الجميع، وفي النهاية تبحث وتسند من يكون له ثقله على الساحة لتنفيذ مخططاتها، وهي تنظر الى العراق كوحدة واحدة وتعمل على بقاء الاقليم تابع للمركز مهما تطلب الامر وهذه نقطة الخلاف الحقيقية بين الاقليم وامريكا، ولو تقدم اقليم كوردستان خطوة نحو تقرير المصير ستستعمل امريكا الاطراف وتفعل ما يمنع التقدم في ذلك الاتجاه ان تمكنت من ذلك وهذا يتوقف على الوضع الداخلي للاقليم، ومن هنا تستغل امريكا الثغرات وهذا معلوم الاسباب الاقليمية كانت ام داخلية ام عالمية، وهل تفقه جميع القوى ماتنويه امريكا ولماذا تمد  يدها الى اطراف دون اخرى من جميع الجوانب، هذا هو مربط الفرس لما تعمله على الساحة العراقية والكوردستانية .و عليه يجب ان تعي الاطراف الكوردستانية بشكل واضح ما تعمله امريكا، هل لصالح اهدافنا البعيدة المدى ام تعتمد هي على تكتيكاتها من اجل استراتيجيتها العامة كما معلوم بشكل واضح وهي تتصف بها في تاريخها .

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1097  الجمعة 03/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم