أقلام حرة

شهادة مسجلة بدموع مواطن أتعبه المرض

 مهما تثبث المسؤلون الدينيون أوالعلمانيون أوالإصلاحيون الجدد والكرد معهم بمباديء أحزابهم أومنظماتهم أومؤسساتهم الدينية أوالعلمانية، الشعب العراقي لم يعد قادراً على تحمل تدهور وسوء الخدمات العامة من الكهرباء والصحة والبيئة والمواصلات وشحة المياه وتلكوء وسائل العيش، لذلك لم تجد هنالك ميلاً نفسياً أوعقائدياً اتجاه اي جهة مسؤولة في العراق الآن لا الى ذلك الحزب ولا الى ذاك، الناس تريد من يخدمهم لا من يسيسهم، تريد ان تستبدل مشاريع السياسة بمشاريع الخدمات .

 

وبناءاً عليه أصبح من الضروري التحدث عن مقومات النهضة الخدمية للمواطن، النهضة الحقيقية لتلبية حاجات الناس، ومقدار المنجز لصالح حقوقهم، قبل التحدث عن العقائد والمباديء الدينية والإنسانية، التي تنتمي اليها (تلك المسميات)، وقبل مناقشة إرضاء مصالح تلك الجهة اوتلك .

 

لقد بات على هذا المسؤول أوذاك ان يبرهن مقدار ما قدمه للشعب العراقي قاطبة بلا حاجة الى تبجح، ليثبت انه عراقي يشغل منصبا مهماً باعتباره منتخباً، عراقي يتحسس أنين أولئك الذين يموتون يومياً من المرض والفاقة والحرمان .

 

 كفانا أن نسلط الضوء على بطولاتنا وتضحياتنا عبر تاريخ مضى، كفانا نتحدث عن مآس عصر فائت، دعونا نثبت أننا حريصون على وطن أسمه العراق أليوم، كفانا ألتحدث عن حقوق ألآخرين في السلطة وألإنتخابات وإهمال حقوق شعب ينزف آلافاً من الضحايا هي قد تفوق بإعداها ضحايا حلبجة والمقابر الجماعية، الضحايا الجدد هم ضحايا الحرمان والفاقة والعوز والمرض، ضحايا البيئة وجفاف الأنهار، ضحايا أولئك المترفين الذين فروا خارج العراق تحت عنوان الحصانة، ضحايا الكروش، التي ترفل في (الدمقس وفي الحرير)، ضحايا المجرمين الذين أطلق سراحهم، ليعودوا الى مسرح الجريمة مرة أخرى .

 

لقد وجدت ان الاكراد حريصون على مصلحة أقليمهم وسباقون لمناقشة قضايا الفيدرالية (وكركوك) وحريصون على التحدث عن ضحايا حلبجة وما الى ذلك، ولم اسمع يوماً أن مسؤولاً واحداً من هؤلاء يفكر بنفس الطريقة لإنقاذ حي جائع من أحياء البصرة اوالنجف .

 

والسؤال لا أعرف هل ان الشراكة في السلطة تعني تقسيم هذا الوطن الى مسؤول عن الشمال ومسؤول عن الجنوب؟! اذا كان الأمر كذلك، دعني أحمل عتبي على جماعة المجلس الأعلى الذين ارى انهم سباقون قبل غيرهم الى إظهار روعة نهج السيد الحكيم وكيف أنهم برهنوا على إستمالة قلوب هذا الشعب، الذي أعلن إنتمائه بعمق الى نهج ومدرسة السيد محمد باقر الحكيم رحمه الله كونه رمزاً ومنارة شامخة وهذا متفق عليه، ولكن لنسأل كم حققتم للفقراء والمحرومين، كم محافظة عمرتم ؟ كم من الأحياء السكنية بنيتم؟ وكم من الأرامل ساعدتم ؟ وكم من الأيتام آويتم؟ وكم من العلوم والتربية وفرص تحقيق العمل وفرتم ؟ وهل أوفيتم بحق من أنتخبكم؟ والحال يتبعه مع جهات وأحزاب أخرى كونها تشارك في السلطة لغرض قيادة هذا الشعب.

 

هنا اقول ليس من باب التشبيه، بل من باب التذكير، ان البعثيين على نمط (اللاتوافق) استفادوا من ظاهرة التردي هذه، ليفكروا بطريقة ما للتآمر وإسقاط شخصيات مهمة في الحكومة من خلال إستغلال نقص الخدمات وإستغاثات المواطنين الذين ضاقت بهم السبل، ليندسوا هنا وهناك وليفعلوا ما يحلوا لهم بلا تردد .

 

والحقيقة اني لا ارمي الى استعراض هذه الصورة أوتلك، الا لغرض أن اتساءل لماذا لا يكون حرص المسؤول منصبا على مقياس ما قدمته هذه الجهة أوتلك للشعب الذي هو على ابواب الهلاك ؟

 

 فما عاد المواطن يتحمل حر الصيف وانقطاع التيار الكهربائي وشحة الماء وجفاف الأنهار وانتشار الأوبئة وضعف الأداء الوظيفي للدوائر والمؤسسات الخدمية والرسمية لسد وتغطية القدر المتيقن من حاجاته كإنسان، ولم يعد المواطن قادراً على تحمل مخططات ( اللاتوافقيين ) الذين يسعون وبلا كلل لصيانة مؤامراتهم الدنيئة ضد الطيبين والمفكرين والمثقفين ممن هم في السلطة اوخارجها .

 

 ولهذا ولغرض ان يؤكد ويحرص الطيبون على صدق نواياهم، عليهم ان يكونوا سباقين وحريصين على استعراض مقدار ما قدموه لشعب يصارع الموت والمرض وألآفات والجوع والإنهيار ألإجتماعي، ليدفن حيا بلا كهرباء بلا ماء بلا خدمات .

 

وأخيرا انا ارى ان على المسؤول ان يذهب لمعايشة الأحياء السكنية الفقيرة أولا ً ويتحمل ما يتحمله الفقراء، قبل أن يدلو دلوه تجاه مباديء يحملها أومُثل يؤمن بها، لعله يخفف من كاهله بعض ألأثقال العقائدية والأخلاقية، التي تعد أمانة يصعب حتى على الجبال حملها، فكفانا ان نقول شيئاً نحن لسنا أهلاً لحمله ..

 

لقد علمنا منهج أهل البيت أن نعيش الفقر لكي نكون أغنياء بتطلعاتنا، نعيش الجوع والتضحية، لكي نعلم ألم الجياع، نقوم بأداء شروطنا كمؤمنين، لعلنا نفي ببعض الوعود التي قطعناها على أنفسنا تجاه هذا الشعب، الذي ما زال يئن تحت وطأة ألمُرآة والنفاق والكذب والتطلع الى الفوز بالسيادة والتسلط .

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1098  السبت 04/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم