أقلام حرة

المالكي والمسارات المستقبلية الحرجة

الوزراء حراكا خفيا تشارك فيه ألان زعامات سياسية ودينية ودوائر مخابراتية مهتمة بالشأن السياسي العراقي استعدادا للانتخابات البرلمانية المقبلة

 

 مثلت عقدة منصب رئيس الوزراء المحور والمحرك الأساسيين في حيثيات هذا الحراك الخفي الذي بدء يعبر عن نفسه بممارسات غير ودية واتهامات متبادلة بالفساد والسرقة بين قوى قائمة الائتلاف العراقي الموحد وخصوصا بين حزب الفضيلة والمجلس الأعلى من جهة وحزب الدعوة من جهة أخرى، وربما يتحول مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية إلى ممارسات ذات طابع غير سلمي بين هذه القوى وهي في عمومها قوى شيعية فقط

 

وأدى ذلك إلى تصدع ملحوظ في قائمة التحالف الشيعي وفشل جميع المحاولات المتكررة التي تبذلها إيران بمؤسساتها الدينية والمخابراتية من اجل الحد من تصاعد وتيرة هذا التصدع وبث الروح في جسد التحالف الشيعي وإعادته موحدا مرة أخرى 

 

لا شك إن السيد نوري المالكي هو الشخصية الأقوى في حلبة الصراع على منصب رئاسة الوزراء والأقرب لهذا الهدف من بقية الشخصيات المتنافسة بسبب اتساع شعبيته التي أكدتها نتائج انتخابات مجالس المحافظات الماضية، لكن المعطيات الموضوعية لا تؤكد حتمية فوز المالكي بولاية ثانية بل على العكس هناك حالة من العسر السياسي بدئت ملامحها تتبلور منذ فترة قصيرة، يمكنها أن تودي بنتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة وتحتم على  الجميع الذهاب إلى إجراء انتخابات مبكرة أخرى 

 

إن أهم أسباب نشوء حالة العسر السياسي الآنفة الذكر هي :

 1- حالة التصدع المتواصلة في الصف الشيعي وبتعاد مكوناته السياسية عن بعضها نتيجة التحاسد والصراع الحزبي على منصب رئيس الوزراء

 2- آليات الدستور الملزمة بضرورة توافق غالبية الثلثين (184)من أعضاء مجلس النواب على اختيار رئيس الجمهورية الذي يعد بموجب الدستور مفتاحا رئيسيا لعملية إنتاج حكومة جديدة ورئيس وزراء جديد يقوم رئيس الجمهورية باختياره وتقديمه للبرلمان للمصادقة علية بغالبية النصف

 

السيد المالكي أدرك من جانبه استحالة حصوله على هذا العدد من مقاعد البرلمان المقبل وبالتالي أدرك عجزه عن تحقيق النصاب الدستوري ألازم للفوز بولاية ثانية، وانطلاقا من هذا الإدراك قدم مقترحا لاستبدال آلية إنتاج الحكومة (البرلمانية) بآلية الانتخابات الرئاسية، لكن هذا المقترح اصطدم برفض قاطع من بقية القوى المشاركة في العملية السياسية الأمر الذي دفع السيد المالكي إلى التحول لتبني مشروع قائمة وطنية غير طائفية في محاولة للحصول على حلفاء من خارج الصف الشيعي    

 

وإذا ما تجاهلنا الأزمة التي عانت منها مؤخرا شعبية السيد المالكي ومعه حزب الدعوة عموما بسبب فضيحة وزير التجارة واتهام وزراء آخرين من هذا الحزب بالفساد والسرقة من قبل لجنة النزاهة في البرلمان التي يقودها حزب الفضيلة وأخذنا بنظر الاعتبار فقط ما تحقق لقائمة المالكي من مقاعد في مجالس المحافظات سنجد إن السيد المالكي ربما سيحرز 80-85 من مقاعد البرلمان المقبل تقريبا

 

وهذه النتيجة وان كانت تعتبر انتصار كبير جدا لم يتحقق لأحد من السياسيين منذ بداية العملية السياسية الجديدة في العراق لكنها بموجب آليات الدستور لا تكفي لفرض المالكي رئيسا للوزراء مرة أخرى

 

وبموجب ما تقدم يبقى المالكي بحاجة إلى إقامة تحالفات ناجحة مع قوى من خارج كتلته قادرة على أن تؤمن له النصاب الدستوري (184 مقعد)ألازم لإنتاج حكومة جديدة والفوز بولاية ثانية

 

إمكانية إقامة تحالفات من هذا النوع في ضل ظروف التحاسد والمناكدة الحالية تبدو أمرا صعب المنال بالنسبة للمالكي، ومن خلال استعراض مواقف الكتل الكبيرة القادرة على حيازة مثل هذا العدد من المقاعد تتضح صورة الموقف المستقبلي لزعامة المالكي ولعموم العملية السياسية

 

المجلس الإسلامي الأعلى:

  الذي يعاني من مشكلة الصراع الداخلي بين قياداته على خلافة السيد الحكيم وأيضا ما لحق به من خسارة كبيرة في انتخابات مجالس المحافظات لا زال يواصل سعيه بكل ثقة من اجل الحصول على منصب رئاسة الوزراء ويعتبر فوز المالكي بهذا المنصب مرة ثانية نهاية حتمية لقدرة المجلس الأعلى على منافسة حزب الدعوة في المستقبل ، ولذلك سيفعل كل ما بوسعه الوضع الحواجز أمام فوز المالكي بولاية ثانية مستعينا بالتحالف الكردستاني الذي تربطه بالمجلس الأعلى توجهات الطرفين اللامركزية 

 

الجعفري:

 لايزال يكن غيضا شديدا للمالكي ويصفه بسارق المواقع ويواصل طموحاته باعتباره أحد الشخصيات الشيعية الأربعة الطامحة بالوصول إلى رئاسة الوزراء ويسعى من جانبه لبناء تحالف يجعله معادلة صعبة في البرلمان المقبل تمكنه من الوقوف بوجه طموحات المالكي وقد يجد في التيار الصدري الحليف الأقرب بسبب الحملة العسكرية التي قادها المالكي شخصيا ضد قواعد جيش المهدي في عموم محافظات الوسط والجنوب 

 

التحالف الكردستاني:

 لا توجد أي طموحات لدى القيادات الكردية في تولي هذا منصب ولا يساوي عندهم قطرة من بحر اهتماماتهم بمصالح إقليم كردستان التي تتعارض جديا مع توجهات المالكي المركزية الداعية إلى توسيع صلاحيات المركز على حساب المحافظات والإقليم وتنسجم إلى حد بعيد مع توجهات المجلس الأعلى اللامركزية، ومن هذا المنطلق سيصطف قادة التحالف الكردستاني مع المجلس الأعلى ضد المالكي كما حصل في الدورة البرلمانية الماضية ضد الجعفري

 

القوى السنية :

 للعرب السنة قيادات وجماهير، مشاكل ونزاعات مستعرة مع الأكراد في ثلاث من المحافظات ذات الغالبية السنية (الموصل- كركوك- ديالى ) ومن اجل تقوية موقفهم إزاء موقف إقليم كردستان تلزمهم الحاجة إلى مركز قوي له صلاحيات واسعة يُمكنهم من الدفاع عن مطالبهم في هذه المحافظات لكن السنة المتطرفين مذهبيا ورغم هذه الحاجة الماسة لا يرغبون بمركز قوي يقوده سياسي شيعي وانطلاقا من هذا الانقسام يمكن للمالكي أن يحصل على تأييد من بعض القوى في الجانب السني

 

القائمة العراقية:

 وهي خليط من القوى اللبرالية والقومية العلمانية ذات التوجه المغاير تماما لكل توجهات قوى الإسلام السياسي وبسبب هذه التوجهات وطموح رئيسها الدكتور أياد علاوي في العودة إلى رئاسة الوزراء مرة أخرى لن تقدم هذه القائمة الدعم لأي من المتصارعين الإسلاميين سواء كان المالكي أو عادل عبد المهدي أو الجعفري

 

ومن خلاصة ما تقدم نجد جميع الكتل السياسية ستكون عاجزة عن بناء تحالف قادر على تحقيق النصاب الدستوري اللازم لإنتاج حكومة جديدة

 وبموجب الدستور يتعين على البرلمان الجديد أن يحل نفسه إذا لم يتمكن من تشكيل حكومة جديدة في مدة أقصاها ثلاث أشهر من تاريخ إعلان النتائج الانتخابات وهذا يعني إن البديل سيكون حكومة تصريف إعمال تقود البلاد لحين إجراء انتخابات مبكرة بعد مطلع عام 2011 الذي يتصادف مع موعد انسحاب القوات الأجنبية من العراق

 ومن المؤكد إن عهد حكومة تصريف الأعمال المفترضة سيشهد أجواء تردي امني واقتصادي ستدفع بالعراق إلى طلب المساعدة مرة أخرى من القوات الأجنبية والعودة بالبلاد إلى المربع الأول 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1105  السبت  11/07/2009)

 

في المثقف اليوم