أقلام حرة

لمكافحة الفساد الإداري لابد من الحكومة الإلكترونية

معالم جديدة، تقرب فيها المعاملات واللقاءات اليومية سواء كانت في تعاملات الإنسان الاجتماعية أو الإدارية، ومن أحد الابتكارات التي جعلت العالم قرية صغيرة اختراع الكمبيوتر والإنترنت الذي صنع ثورة في عالم المسافات بين الشعوب، ودخلت مختلف المجالات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والترفيهية والخدمية.

والمستعرض لحال المصالح الحكومية اليوم يرى الكثير من المشاكل والعراقيل التي تواجه المواطن في حياته اليومية في هذه المصالح منها الفوضى الإدارية والتنظيمية. الفوضى والتأخير في استخراج بعض المستندات مثل شهادة الميلاد وشهادة الخلو من السوابق وشهادة الوضع العائلي والرخص التجارية وتسديد الضرائب وغيرها من الوثائق والخدمات وأيضاً التعقيد من حيث الأوراق والمعاملات اللازمة لاستخراج هذه الوثائق والكثير من الخدمات التي تقدّمها الدوائر الحكومية، فمعظم الأحيان يُهدر المواطن وقته وجهده وماله لاستخراج وثيقة معينة.

ويُلاحظ أنَّ هناك تفاوتاً كبيراً في استخدام الكمبيوتر وتقنية الإنترنت، فهناك بعض الجهات لا تستخدم الكمبيوتر، بل وتخلفها عن استخدام الإنترنت ولم تنشئ لها مواقع إلكترونية حتى الآن، وبعض الجهات أسست للتعريف بأنشطتها ومهامها مواقع شكلية وغير فعالة وتفتقر إلى التحديث المستمر والتفاعل فيما بينها وبين المستفيدين من خدماتها.

وهذا يوصلنا إلى نتيجة واحدة وهي أن المؤسسات الحكومية لم ترتق في تعاملاتها الإلكترونية إلى المستوى المطلوب منها بل لا زالت تتردد في خطوتها الأولى للهرب من كهف التخلّف المعلوماتي، فبعضها ترك مسألة الاستفادة إلى الاجتهادات الفردية، بمعنى أنَّه إذا وجد من هو مؤمن بأهمية هذه التقنية واستثمارها، فسوف ينعكس ذلك على مدى التطبيق وجودته، ومما يؤكد على ذلك وجود قطاعات ووحدات إدارية لديها مواقع إلكترونية تفوق من حيث الشكل والمضمون موقع الجهاز الأم الذي تتبع له.

والرداءة الإلكترونية لم تقف إلى هذا الحد فقط، بل أنَّ عدم وضوح الرؤية وثباتها بين الأجهزة والمرافق الحكومية صارت تندرج في قائمة الأولويات التي تنجر وراءها مسميات تلك الدوائر، فمعظمها تستخدم المواقع بطريقة دعائية صرفة تقتصر على عرض أهداف كل مرفق أو مصلحة ووظائفها، مصحوبة بالطبع مع الصور الشخصية للمسؤولين، دون الاستفادة الفعلية من الخدمات والمزايا التي يوفرها الإنترنت وتسخيرها لخدمة الجماهير.

الفراغ الإلكتروني لم يتوقف عند هذا الحد فالوجه الآخر من التخلّف التقني المتعلق بالنسخ الإنكليزية للمواقع الحكومية الإلكترونية غائب عن الساحة التكنولوجية هو الآخر، فاللغة الإنكليزية أصبحت لغة عالمية تتخاطب بها الشعوب وتتعامل بواسطتها، وهناك البعض من النصوص تكون مترجمة إلى اللغة الإنكليزية المطلوبة وتفتقر كما أشرت إلى الناحية التفاعلية.

والإنترنت وسيلة من أهم وسائل التواصل بين الشعوب، فالزائر الأجنبي إلى بلدنا من المتوقع أن يُبادر قبل قدومه وزيارته أن يبحث عن الموقع الافتراضي الذي يُتيح له المعلومات التي يرغب في الاستفادة منها للتعرف على البلد الذي سوف يزوره وتكوين صورة مسبقة تملأ فراغات النقص المعلوماتي  لديه، فضلاً عن المهتمين بمعرفة تجارب الدول والاستفادة مما لديها وبما وصلت إليه من تقدّم، كل هذا يُحتّم الاهتمام بهذا الجانب.

والحقيقة أن الاستفادة الفعلية من تقنية المعلومات وتطبيق مفهوم الحكومة الإلكترونية تتعارض بعض الأحيان مع الرضوخ لآراء بعض المسؤولين الذين مكّنتهم مواقعهم الإدارية من اتخاذ القرار أو التأثير على متخذي القرار وبعدم استثمار هذه التقنية المهمة والتي تسهّل حياة المواطن، أو تحييد الاستفادة منها بحججٍ واهية مفادها فقدان السرية والخوف من الاختراق وسرقة المعلومات وحدوث الأخطاء. وهذه الدعاوى فنّدها القطاع الخاص في دولٍ عديدة وبالذات المصارف، والتي وضعت حسابات عملائها والتي تحتوي بعضها على مبالغ مالية كبيرة، تحت تصرّفهم وبين أيديهم يُحرّكونها ويتصرّفون بها من أي مكان يتواجدون فيه.

وهناك العديد من الحلول والتقنيات التي تضمن سرية وأمن هذه المعلومات المستخدمة في كثيرٍ من دول العالم والتدريب كفيلٌ بإقناع وتصحيح آراء المعارضين والرافضين ممن ينطبق عليهم المثل القائل "المرء عدو ما يجهل".

حيث يستطيع المواطن من أي مكانٍ على الشبكة أن يحصل على خدمة مُعيّنة أو يستفسر عن معلومة مُعيّنة أو يحصل على الوثائق التي يحتاجها من مصلحة حكومية أو حتى يقوم بتسديد الضرائب.

وإنَّ تقديم الأجهزة الحكومية وخاصة الخدمية لخدماتها إلكترونياً سوف ينجم عنه مزايا عديدة، أهمها الدقة والسرعة والشفافية، واختفاء الأكوام البشرية التي تتكدس أمام مباني الأجهزة والمصالح الحكومية، وما يترتّب على ذلك من عدم الحاجة إلى توفير أماكن لمواقف سيارات المراجعين، والتخفيف من الزحام المروري، وتقليل نسب غياب الموظّفين بالاستئذان أو الإجازة الاضطرارية بحُجّة مراجعة الدوائر الحكومية، وتخفيف الضغط على موظّفي مقابلة الجمهور وما ينتج عن الاحتكاك المباشر بين المراجع والموظّف، والكثير من الفوائد الأخرى، ولعلّ من أهمها أيضاً المساهمة في القضاء على الوساطة والرشوة والمحسوبية، وتفويت الفرصة على من يستغلّون وظائفهم بابتزاز الجمهور وذلك لتحقيق مصالحهم الخاصة.

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1106  الاحد  12/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم