أقلام حرة

حتى الآثار الخالدة طالها تدمير الأوباش

وتطويره بعد خراب الحروب المتكررة والإهمال المتعمد والحصار أم جاء ليزيد الخراب خرابا. فيما إذا جاء ليدفع العراق في طريق التقدم والرقي أم ليعيده إلى العصور المظلة!

والمشكلة الأكبر أننا لا زلنا بعد أكثر من ست سنين غير قادرين على حسم هذا الخلاف لأن لكل منا رؤاه وتصوراته ومرجعياته السياسية والفكرية التي تملي عليه مواقفه وتدفعه قسرا وعنوة أو بقناعة ورضا نفسي لاختيار واحد من كل اثنين من هذه الاحتمالات الغريبة.

وأنا هنا لا أريد الإدلاء برأيي الخاص لكي لا أتهم بالانحياز لهذا الجانب أو ذاك بل سأقوم بنقل أقوال بعض ذوي العلاقة فيما يخص أحد الجوانب فقط لكي نعرف من خلالها ولو بعض الحقيقة ونستعمل هذه المعرفة مقياسا نطبقه على باقي الأمور لفهم حقيقتها.

تحدث الخبير (جون كيرتس) المتخصص بالآثار الفارسية وآثار بلاد الرافدين في المتحف البريطاني بأسف عن الخراب والدمار الذي ألحقته القوات الأجنبية ( الأمريكية والبولونية) في مدينة بابل الأثرية التي يمثل وجودها الامتداد الحقيقي لتاريخ العراقيين الموغل في القدم ، وكأنهم لم يكتفوا بتدمير وتخريب الحاضر فأرادوا الغوص في عمق جذور الماضي لتخريبها وتدميرها !

وجاء في كلمة الخبير (كيرتس) قوله: (إن الجنود يحتمل أن يكونوا قد اقتلعوا الأحجار سعيا وراء الحصول على تذكارات) واعترفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) من جانب آخر : (إن القوات الأمريكية والبولونية التي شاركت في غزو العراق عام 2003 ألحقت أضرارا خطيرة يتعذر إصلاحها ببقايا مدينة بابل الأثرية) وهي واحدة من مرات كثيرة تحدثت فيها اليونسكو عن تخريب وتدمير الآثار العراقية الخالدة.

لكن رغم الإنصاف الظاهر للعيان في هذه الأقوال نجدها واقعا بعيدة عن الجدية ومغرقة بالمجاملات والبحث عن الأعذار التبريرية لهذا الخراب والدمار. وهم أنفسهم كشفوا الحقيقة فالأعمال التي نسبها الخبير كيرتس إلى رغبة الجنود بالحصول على تذكارات لا يقرها أي قانون دولي أو محلي ولا يجوز لجندي غازي محتل أن يخرب تاريخا عريقا وأثرا إنسانيا لمجرد الحصول على تذكار شخصي. ثم حتى التذكارات طبق الأصل التي تباع للسواح عادة ما تحصل على موافقات رسمية للسماح لها بالخروج من البلد فكيف الحال مع الآثار الحقيقية؟  ومن جانب آخر تبين من تقارير منظمة اليونسكو أن تخريب الجنود كأفراد رغم جسامته وخطورته وروحه التدميرية المتعمدة لا يمثل سوى جزء صغيرا من التخريب الكبير جدا الذي قامت به القيادات العليا لقوات الاحتلال ففي تقرير أعده مجموعة من خبراء المنظمة عامي 2003 و2004 تبين أن قوات الاحتلال (أزالت في الواقع تلالا من الموقع الذي يحتوي على أجزاء من المدينة الأثرية لم يتم الكشف عنها حتى الآن) كما تحدثت التقارير عن حجم الأضرار التي لحقت بالموقع بعد أن تعرضت المدينة الأثرية لأضرار كبيرة نتيجة الحفر والقطع والتكسير والهدم!

فهل من دليل أكبر من هذا لكي يعرف الجميع حقيقة نوايا المحتل وقواته الغازية، وينصرفون من مواقع الصدام البيني والاتهامات المتبادلة وعمليات التفجير والقتل التي تخندقوا فيها منذ ست سنين إلى خندق الوحدة الوطنية ليقفوا سوية في خندق واحد مدافعين عن وطن مستباح؟

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1107  الاثنين  13/07/2009)

 

في المثقف اليوم